اليوم العالمي لدعم ضحايا التعذيب: الإستثمار في ضمانات الوقاية

أذاع المقرّر الخاص للأمم المتحدة المعني بمسألة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة نيلس ميلزر، (سويسرا)، والمقررون الخاصون السابقون للأمم المتحدة المعنيون بمسألة التعذيب خوان منديز، (الأرجنتين)، 2010 – 2016، مانفريد نوفاك، (النمسا)، 2004 – 2010، تيو فان بوفن، (هولندا)، 2001 – 2004 ، رسالة مشتركة بمناسبة اليوم العالمي لدعم ضحايا التعذيب.
وجاء في الرسالة: “نحيي ذكرى ضحايا التعذيب والناجين منه ونكرّمهم، ونؤكّد على إلتزامنا بمواصلة العمل معاً ومع شركائنا في العالم بأسره من أجل مكافحة التعذيب بجميع أشكاله وفي كلّ مكان. وفي الوقت نفسه، لا نزال يقظين بشأن تهديد التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة، إذ ندرك أنّ التعذيب قد يحدث في أيّ مكان وفي أيّ وقت ولأيّ فرد”.
يهدف التعذيب إلى إفناء شخصية الضحية وإنكار الكرامة الكامنة لدى الكائن البشري. وكانت الأمم المتحدة قد نددت بالتعذيب منذ البداية بوصفه أحد أحط الأفعال التي يرتكبها البشر في حق إخوانهم من بني الإنسان.
والتعذيب جريمة بموجب القانون الدولي. وهو محظور تماماً وفق جميع الصكوك ذات الصلة، ولا يمكن تبريره في ظل أية ظروف. وهو حظر يشكل جزءاً من القانون العرفي الدولي، ويعني ذلك أنه يلزم كل عضو من أعضاء المجتمع الدولي، دون اعتبار لما إذا كانت الدولة قد صادقت على المعاهدات الدولية التي تُحظّر التعذيب صراحة أو لم تصادق عليها. وتشكل ممارسة التعذيب على نحو منتظم وبشكل واسع النطاق جريمة ضد الإنسانية.
وأعلنت الجمعية العامة، في قرارها 52/149 المؤرخ 12 كانون الأول (ديسمبر) 1997، يوم 26 حزيران (يونيو) يوماً دولياً للأمم المتحدة لمساندة ضحايا التعذيب، بهدف القضاء التام على التعذيب وتحقيقاً لفعالية أداء اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
ويتطلب التعافي من التعذيب برامج فورية ومتخصصة. وقد أثبت عمل مراكز إعادة التأهيل والمنظمات في جميع أنحاء العالم أن الضحايا يمكنهم الإنتقال من مرحلة الرعب لمرحلة الشفاء. ويُعتبر صندوق الأمم المتحدة الطوعي لضحايا التعذيب والذي يديره مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف آلية فريدة من نوعها تركز على الضحايا التي توجه التمويل لمساعدة ضحايا التعذيب وأسرهم.
وسأل المقررون الخاصون: كيف يمكننا أن نتخلَّص من هذه الآفة العالمية؟ وإذ نحارب هذه الممارسة المقيتة، يجب علينا أولاً أن نحدّد حالات الخطر التي يُحتمل أن يرتكب فيها التعذيب، ثم نجد حلولاً للحد منها والقضاء عليها. ومن المعروف أنّ خطر التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة يكون أكبر بكثير أثناء الساعات الأولى من الاحتجاز لدى الشرطة. ولمنع التعذيب أثناء هذه الفترة التي يشتد فيها خطر التعرض له، يجب وضع ضمانات، مثل حق توكيل محامٍ وإخطار الأقارب، وتطبيقها على أرض الواقع. وخلصت الدراسة المستقلة “هل الوقاية من التعذيب مُجدية؟”) التي شملت 16 دولة على مدى 30 عاماً، بتكليف من جمعية الوقاية من التعذيب)، إلى أن ضماناتٍ من هذا القبيل هي الوسيلة الأكثر فعالية للوقاية من التعذيب عندما يتم تطبيقها على أرض الواقع. وعليه، فهناك عدد من الخطوات التي يتعين على الدول إتخاذها للوقاية من التعذيب بشكل فعال.
ولفت المقررون الخاصون الى “أن الوقاية ليست مفهوماً جديداً. فقبل ثلاثين عاماً، في 26 حزيران ( يونيو) 1987، دخلت اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة حيز النفاذ، وألزمت الدول على تجريم التعذيب وإتخاذ إجراءات فعّالة للوقاية منه. وفي اليوم نفسه، إعتمد مجلس أوروبا الاتفاقية الأوروبية للوقاية التعذيب التي أسست لجنةً مُخوَّلة بزيارة أيّ مكان إحتجاز في أيّ وقت وفي أيّ دولة عضو من بلدان المنطقة. ومنذ ذلك الحين، قَبِلت نصف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بنظامٍ دولي يسمح بإجراء زيارات إلى أماكن الحرمان من الحرية بموجب البروتوكول الاختياري لاتفاقية الأمم المتحدة”.
واضاف المقررون الخاصون: “إنّ الابتعاد عن أنظمة العدالة الجنائية القائمة على الاعتراف يُعتبر أيضا أمراً ضرورياً للوقاية من التعذيب. وفي هذا السياق، فإن المنهجية المعتمدة من قبل المكلّفين بإنفاذ القانون في الاستجوابات والتحقيقات هي بحد ذاتها ضمان حاسم للوقاية من التعذيب. وعليه، ندعو الدول إلى إعتماد تقنيات فعّالة وأخلاقية وخالية من الإكراه لإجراء التحقيقات والاستجوابات مع جميع الأشخاص، بما في ذلك المشتبه بهم والمجني عليهم والشهود. ويجب أن يستند هذا النموذج في الاستجواب الاستقصائي على مبدأ السعي إلى معرفة الحقيقة وأن يُفعِّل مبدأ إفتراض البراءة. وعندما تبتعد الدول عن التقنيات الاتهامية والقائمة على التلاعب وانتزاع الاعترافات، فإنها لن تعزز الامتثال لحقوق الإنسان في ممارساتها الاستجوابية والتحقيقية فحسب، بل وتحسن أيضاً فعاليتها في حل مُلابسات الجرائم والحفاظ على أمن واستقرار المجتمعات”.
وجاء في ختام الرسالة: اليوم، وبصفتنا خبراء في هذه المسألة، ندعو كلّ دولة إلى الاستثمار في ضمانات الوقاية من التعذيب ومن غيره من أشكال سوء المعاملة. فإن كلّ ضحية من ضحايا التعذيب هي ضحيةٌ زائدة عن اللزوم. وفي الوقت الذي يتحدى فيه زعماء الدول الحظر المطلق للتعذيب، يجب أن تكون إحدى أفضل الطرق لمكافحة التعذيب ولإرساء عالم خالٍ من التعذيب هو العمل الجماعي لضمان الوقاية منه في كلّ مكان”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى