لماذا يُخيِّم القلق على الأجواء في الكويت وعُمَان من أزمة قطر؟

قبل ثلاثة أعوام لعبت الكويت وسلطنة عُمان دور الوسيط بعد الأزمة الديبلوماسية التي إندلعت في آذار (مارس) 2014 عندما سحبت كلٌّ من السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من قطر، على خلفية تعاطي كل منها مع الأزمات الإقليمية في مصر وسوريا واليمن، وإنتهت بعودة السفراء إلى الدوحة في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام ذاته.
وفي 31 أيار (مايو) الماضي زار وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي بن عبد الله القاهرة، في محاولة لتقريب وجهات النظر بين القاهرة والدوحة والتي نجحت جزئياً.
ولكن، ما هو موقف الكويت ومسقط من الأزمة القطرية الحالية، وهل تستطيعان الوساطة لإنهائها؟ وبالتالي ما هي تداعياتها عليهما إن طال أمدها؟

أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح: يعمل بجهد لإنهاء الأزمة القطرية.

مسقط – باسم رحال

تشكّل أزمة قطر الجارية معضلة كبيرة بالنسبة إلى الكويت وسلطنة عُمان. فإنسجاماً مع سياساتهما الخارجية “المُحايدة”، فقد حافظت هاتان الدولتان العربيتان الخليجيتان على علاقاتهما مع الدوحة، وتسعيان إلى حلّ أخطر نزاع داخل مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيس المنظمة في العام 1981. ويخشى المسؤولون في الكويت ومسقط من أن الفشل في إيجاد تسوية لأزمة قطر سوف يفكّك مجلس التعاون، الأمر الذي من شأنه أن يقوّض بشكل مباشر المصالح الوطنية الكويتية والعُمانية الحيوية نظراً إلى إحتمال أن يؤدي حدوث مثل هذا السيناريو إلى تفاقم حالة عدم الإستقرار الجيوسياسي الإقليمي بشكل كبير.
في جهد لرأب الصدع “في البيت الخليجي الموحّد”، إنخرط أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في ديبلوماسية مكوكية، متنقلاً بين العواصم القطرية والسعودية والاميركية بعد فترة قصيرة من إندلاع الأزمة. وكان وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي بن عبد الله توجّه الى الدوحة في الخامس من حزيران (يونيو) الجاري في إطار جولة خاصة قبل قطع العلاقات الديبلوماسية بين الدول العربية الأربع، السعودية والإمارات والبحرين ومصر، ودولة قطر. وذكرت صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية بأن المسؤولين فى الدوحة تواصلوا مع نظرائهم فى مسقط طلباً للمساعدة فى التوسط فى هذا الخلاف، ووافقت عُمان على ذلك.
الواقع أن مواقف الكويت وعُمان بشأن أزمة قطر لم تكن مفاجئة نظراً إلى سجل هاتين الدولتين في مجال القيام بالوساطة في اليمن، بين أعضاء التحالف العسكري بقيادة السعودية من جهة والحوثيين من جهة أخرى، وكذلك بين الرياض وطهران. وهناك عامل آخر هو أن الكويت وسلطنة عُمان لم تُواجها أبداً المشاكل نفسها مع سياسة الدوحة الخارجية التي أثارت غضب الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
لقد أدى تصاعد أزمة قطر إلى إرتفاع التوتر بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي وبعض الدول الخارجية – وعلى رأسها إيران وتركيا – إضافة إلى البيئة الأمنية المتقلّبة أصلاً في الخليج العربي. ولأنهما دولتان مجاورتان للعراق واليمن على التوالي، فإن الكويت وعُمان تشعران فعلياً بالحرارة من الأزمات التي لم تُحلّ والتي تقع على عتباتهما. ومن المؤكد أنه كلما إستمر هذا الجمود، كان من الأصعب على جميع الأطراف التوصّل إلى حلّ توفيقي.
وبعبارة جيوسياسية أكبر، فإن النزاع المُستمر هو نتاجٌ للإتجاهات في الشرق الأوسط التي تُقلق الكويتيين والعُمانيين. يحاول السعوديون الضغط على أصغر الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي لجعلها توائم مواقفها وسياساتها مع مواقف وسياسات الرياض من خلال قطع علاقاتها مع طهران. ولكن الديبلوماسيين الكويتيين والعُمانيين، جنباً إلى جنب مع نظرائهم في الدوحة، كانوا يسعون خلال هذا العام إلى تهدئة التوتر بين السعودية وإيران في محاولة لإقناع القوتين الرئيسيتين في الخليج بتحقيق إنفراج سلمي. ويرى الكويتيون والعُمانيون أن مصالحهم المستقبلية تُخدَم على أفضل وجه بوضع رهاناتهم على كلّ من المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية، في حين يقومون بالمحاولة من أجل تحقيق مزيد من المساكنة بين البلدين. إن جدول أعمال الضغط على أصغر دولة في مجلس التعاون للتخلي عن مواقفها وسياساتها المستقلة وتبني الموقف السعودي المُعادي لإيران لا يلقى صدى مريحاً في الكويت أو عُمان.
وفي حالة عُمان، فقد أعربت المملكة العربية السعودية عن إستيائها من علاقات السلطنة المتنامية مع إيران عبر مجموعة من القطاعات، بما فيها الطاقة والتجارة والدفاع والإستثمار. وعلاوة على ذلك، فإن مخاوف الرياض وأبو ظبي بشأن العلاقات العُمانية -الإيرانية المُتنامية قد تمنع السعوديين والإماراتيين في نهاية المطاف من رؤية مسقط “محايدة” حقيقية في الأزمة المستمرة. ولهذا السبب، فإن الكويت، التي ما زالت أكثر إنسجاماً مع الرياض من مسقط، قد تكون لديها فرص أكثر إشراقاً في سد الفجوة بين مطالب الطرفين المختلفين وشروط إعادة العلاقات عبر محادثات مائدة مستديرة.
بسبب عوامل الطاقة والجغرافيا، قد تشعر سلطنة عُمان بضغط أكبر من تصاعد التوتر داخل مجلس التعاون الخليجي حول الخلاف مع قطر. بعد إغلاق السعودية، الإمارات، والبحرين حدودها البرية والبحرية ومجالاتها الجوية مع قطر، فقد أصبحت الدوحة تعتمد بشكل متزايد على إيران وسلطنة عُمان لضمان التدفق الحر لصادرات الإمارة الهيدروكربونية عبر مضيق هرمز. في نهاية المطاف، إذا تمكّن القطريون من الحفاظ على مبيعات الغاز إلى آسيا، فإن إجراءات الحكومات العربية المقاطعة ضد الدوحة قد تفشل في تحقيق أهدافها بمعاقبة الإمارة بشكل كاف.
كان السعوديون والإماراتيون إِتّهموا في وقت سابق مسقط بتقويض الأمن الجماعي للمجلس من طريق التعاون الوثيق مع طهران، ولا سيما في اليمن، وهو ما نفاه وزير خارجية عُمان. ومما لا شك فيه أنه إذا إستمر العُمانيون في المساعدة على إنقاذ قطر من العزلة من طريق الشحن من ميناء صلالة إلى الدوحة والسماح للسفن القطرية التي ترفع علمها بدخول مياه السلطنة، فإن هذا الاستياء من موقف مسقط سيهدد بتقسيم مجلس التعاون الخليجي.
أما بالنسبة إلى الكويت، فإن التاريخ الحديث هو الذي يرسم وجهات نظرها حول الأزمات الأمنية الخليجية. فالأمير الذي شغل منصب وزير الخارجية بين عامي 1963 و2003، ثم رئيساً للوزراء حتى أصبح أميراً في العام 2006، يتّخذ قرارات السياسة الخارجية على أساس الدروس المؤلمة التي تعلّمها الكويتيون من حروب الخليج العديدة، بما في ذلك الغزو العراقي للكويت. والدرس الرئيسي هو أنه عندما تستهدف البلدان الكويت و/ أو جيرانها، فإن الدولة التي تبدأ مثل هذا العمل ستُعاني دائماً من عواقب غير مقصودة، جنباً إلى جنب مع الجميع في المنطقة.
واليوم، تسعى الكويت إلى منع تصاعد التوتر الإقليمي الذي قد يؤدي إلى إتخاذ إجراءات عسكرية ضد قطر أو تغيير النظام قسرياً في الدوحة. وهناك قلق خاص إزاء ردود الفعل المُحتمَلة من تركيا وإيران على أيٍّ من هذه التحركات ضد إمارة آل ثاني. وهناك خطر كبير على الكويتيين هو أنه إذا طال أمد هذا الجمود، فإن زعماء الدول الخليجية المُنخرطة في هذا النزاع سيصبحون أكثر إقتناعاً بأن شرعيتهم ترتبط بشكل متزايد بقدرتهم على الوقوف أقوياء وسط هذا النزاع. ومن شأن ذلك أن يقلل من إمكانية التوصل إلى حلول توفيقية ضرورية في المستقبل. وهكذا، فإن الكويتيين يدركون أن الوقت قد حان الآن لحل سريع لأزمة قطر.
وعلى الرغم من أن الكويت تقود جهود الوساطة، فإن عُمان تدعم بطبيعة الحال هذه الديبلوماسية الكويتية. وتتقاسم هاتان الدولتان الخليجيتان المصالح عينها بالنسبة إلى منع إطالة أزمة قطر، وتقويض إحتمالات وإمكانات الجهات الفاعلة المعنية لحل نزاعها. وفي حالة عدم جدوى هذه الجهود، فإن الكويت وعُمان سوف تخسران الكثير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى