لا وقت للعدالة

بقلم عبد الرازق أحمد الشاعر*

في تركيا، يمكنك أن تُعارض، ولكن عليك أن تختار طريقة لا تُثير سخط أحد، ولا تكشف سوأة أحد. يمكنك أن تستقل قطاراً من أنقرة إلى إسطنبول بحثاً عن عدالة غائبة فوق الأرصفة الفاصلة بين الشعب والحزب الحاكم، وأن ترفع ما تشاء من لافتات شريطة أن لا يراك أحد. أما أن تسير كغاندي متطرف فوق أديم البلاد المُلتهب لتُندّد بسجن نائب من الحزب المعارض، وأنت تحمل شعاراً فضائحياً بإمتياز، فهو أمر لن تسكت عنه الطغمة الحاكمة، ولا أذرعها التشريعية، ومخالبها التنفيذية. على رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال قلیتش دار أوغلو، أن يوفّر قدميه لرحلة قد تكون أشق، وأن لا يتعجّل حكماً مُشابهاً، هو غدا ملاقيه. وليؤثر السلامة مؤقتاً، حتى تزول غمة التخوين التي تطال كل من يرفع حاجبيه بإمتعاض. أما أن يسير كفارس أضاع جواده على الطريقة الأفلاطونية ليُعلّم الناس حقوقهم في العيش والحرية والكرامة، فهو أمر لن يسكت عليه أحد، ولن يجيزه وزير عدل ولا رئيس محكمة. وكيف يطالب السيد أوغلو بكسر قيود شارك في هندستها ذات غباء، حين أقر في العام الفائت قانوناً يُطالب الحكومة برفع الحصانة عن النواب الذين تُثبت صلتهم بالإرهاب؟ ألم يخطر في بال السيد قلیتش دار وهو يضم صوته للمطالبين بسحق المعارضة الكردية أنه يصنع خيوط كفنه بيديه؟ وأن سبة الإرهاب يُمكنها أن تتجاوز أعضاء “حزب الشعوب الديموقراطي” لتنال أبناء حزبه غير الديموقراطي وغير المُقرَّب من الحكومة؟
يستحق بربر أوغلو عقوبة البقاء واقفاً في زمن يتقوّس فيه الجميع تحت نير “العدالة”. وأن يقضي خمسة وعشرين عاماً بعيداً من مقعده البرلماني لأنه عدو “للتنمية”. ألم يشعر البرلماني المُعارض ببعض الخجل وهو يُسرّب أسرار الدولة العليا لصحيفة “جمهورييت” المعارضة، فيصور شاحنات تحمل أسلحة لجماعات متشددة في الداخل السوري، فيفضح نظاماً يجيد طلاء وجهه في اليوم خمس مرات أمام كاميرات العالم المُتربّصة؟
قريبة هي تركيا من شرقنا الأوسطي البائس، وشبيهة قسماتها الدستورية، إلى حد بعيد، بملامحنا الديماغوجية المُقزِّزة. ولا سلطة لمعارضة حتى وإن جلست تحت قبة البرلمان، ورفعت أياديها وعقائرها بالرفض والإستهجان. حتى البرلمانيون في تركيا، وبحكم القانون، لا يستطيعون أن يسيروا في شوارع البلاد التي لا تسير إلا في إتجاه واحد وهم يحملون لافتة وإن كانت تُطالب بالعدالة. لأن سيف التخوين والعمالة والإرهاب مُسَلَّط فوق رقاب المُعارضين جميعاً ومن دون تمييز.
إما أن يحتفظ رئيس حزب الشعب الجمهوري المُعارض بمقعد ومكبر صوت تحت قبة برلمان لا تُسبّح إلا بحمد رجب طيب أردوغان، أو أن يحمل حقيبة سفر صغيرة في يده التي لا تحمل اللافتة، فحكومة أردوغان الرشيدة حتماً لن تسمح لرجل في سن أوغلو أن يتكبّد عناء السير في نهار رمضان من دون أن تستضيفه على مائدة إفطار مُناسِبة في إحدى زنزاناتها الفارهة.

• أديب، كاتب وإعلامي مصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى