لماذا يجب أن تشعر الولايات المتحدة بالقلق إزاء لعبة إيران في سوريا

منذ أن وصل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض نشطت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط بشكل كبير خصوصاً في سوريا حيث بات هذا النشاط يشكل قلقاً لإيران وميليشاتها في بلاد الشام.

آية الله علي خامنئي والرئيس بشار الأسد: حليفان في السراء والضراء

دمشق – محمد الحلبي

تحرّكت الأحداث في سوريا بسرعة في الأسابيع الأخيرة، فيما القوى الإقليمية والدولية على حد سواء تُناوِر لتحسين نفوذها. أكثر من ذي قبل، لقد أصبح الصراع ساحة مُنافَسة مفتوحة بين القوى الخارجية لتحديد مستقبل سوريا مع محاولة كل فريق منع الآخرين من القيام بذلك.
في الآونة الأخيرة، دخلت الولايات المتحدة وروسيا في حوار في الأردن لإنشاء منطقة منزوعة السلاح في جنوب غرب سوريا. وستشمل هذه المنطقة محافظة درعا التي تقع على الحدود مع الأردن والقنيطرة التي تُتاخم مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل. وهذا يُمكن أن يُحيِّد الجهود التي تبذلها إيران والحكومة السورية لتوسيع سلطتهما إلى هذه المناطق، لذلك تسعى كلٌّ منهما بطرق مختلفة إلى تقويض أي صفقة بين الولايات المتحدة وروسيا، حتى لو كان دور الأخيرة لا يزال مُلتَبِساً.
في 9 حزيران (يونيو) الجاري، فتح النظام السوري والقوى الشيعية المدعومة من إيران ممراً بين سوريا والعراق. وكان تأثير هذه الخطوة غامضاً لأن قدرة تلك القوات على الصمود في مواقعها غير مؤكدة. ومع ذلك، كان الأمر قبل كل شيء محاولة إيرانية لصدّ الجهود التي تبذلها أميركا لمنع الجماعات المؤيدة لإيران في سوريا من إقامة وصلة برية مع العراق، وعبره مع إيران.
وتعتبر إدارة ترامب أن فتح مثل هذا الممر سوف يسهّل قدرة ايران على إرسال القوات والأسلحة الى المناطق الواقعة في الاراضي التى تسيطر عليها إسرائيل، ولكن أيضاً بالقرب من الأردن الحليف الرئيسي للولايات المتحدة. إن الصراع على شرق سوريا وعلى درعا والقنيطرة في الجنوب هو جزء من معركة أكبر من أجل التأثير الإقليمي والذي سيحدّد الحلّ النهائي في سوريا، وخصوصاً التحالفات الطويلة الأمد في البلاد.
وهذا هو السبب في أن إحتمال إقامة منطقة منزوعة السلاح في جنوب سوريا يُزعج طهران بشكل شديد. وأي صفقة بين الولايات المتحدة وروسيا لفرض مثل هذه المنطقة ستَحدث خارج عملية التفاوض في أستانا، التي رعاها الروس والتي تشمل إيران. ولكن ما مدى إستعداد موسكو لوقف الجهود الإيرانية في جنوب سوريا؟
ليس من المستغرب أن الروس قد بعثوا بإشارات مُختَلَطة، كما فعلوا مرات عديدة في سوريا. حتى عندما يتحدّثون إلى الأميركيين، فإنهم يقومون في الوقت عينه بتأييد هجوم النظام السوري في درعا، المدعوم من إيران، وهي خطوة تُفسِّر على نطاق واسع بأنها محاولة لتقويض خطة منطقة نزع السلاح.
قبل أسبوعين، دخل صفٌّ طويل عسكري يرفع أعلاماً روسية إلى درعا، على الرغم من أنه لم يكن من المقرر حضور الروس إلى هناك. ومع ذلك، كان من الصعب عدم قراءة هذه الخطوة كمصادقة روسية على الأعمال العسكرية للنظام السوري في المدينة. وأقل غموضاً، لم يتوقف الروس عن مساعدة النظام، والقوات الموالية لإيران المُشارِكة، على فتح الطريق إلى العراق.
يبدو أن الروس يطبّقون القاعدة التي تقول بأنك إذا نجحت مرة، حاول مرات أخرى. لقد قاموا مراراً وتكراراً بخداع الأميركيين وجعلهم يعتقدون بأن هناك خلافات حقيقية بينهم وبين إيران، فقط لينضموا بعدها دائماً إلى الجانب الإيراني والنظام السوري. ويبدو أن هذا الأمر صحيح في جنوب سوريا. ربما تشعر موسكو بأنها ببساطة لا تملك الوسائل لمعارضة ومجابهة طهران وسوف تخسر سياسياً إذا حاولت ذلك.
الشيء الوحيد الذي من شأنه أن يغيّر هذا الوضع هو أن تضع إدارة ترامب خطوطاً حمراء بأنها ستكون على إستعداد لإستخدام عضلاتها العسكرية للدفاع عن مصالحها. وقد فعلت الولايات المتحدة ذلك إلى حد محدود حول “التنف”، وهو معبر حدودي بالقرب من الحدود السورية – العراقية حيث توجد القوات الخاصة الأميركية. ومع ذلك، حتى الآن لم تسعَ إلى طرد القوات الموالية لإيران التي تتحايل للإلتفاف على التنف لفتح الطريق إلى العراق. وقد أوقف هذا التحرك فعلياً أي جهود أميركية لإستخدام السوريين الذين دربتهم في قيادة هجوم ضد البوكمال والميادين ودير الزور، التي يسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية”.
ويخشى الإيرانيون من أن يسمح هذا الهجوم للأميركيين بالسيطرة على المنطقة الحدودية مع العراق، مما يحرمهم من حرية تسليح وتعزيز حلفائهم في سوريا ولبنان.
وسوف تمثّل إزاحة إيران وأتباعها من الحدود، إذا حصلت، تصعيداً كبيراً للدور الأميركي في سوريا، الذي لم يُظهِر الرئيس دونالد ترامب أي دليل على رغبته في القيام به. وقد تحدثت الادارة عن رغبتها فى إحتواء إيران فى الشرق الاوسط، لكنها فشلت في الإفصاح عن مدى إستعدادها للذهاب لتنفيذ ذلك. إذا كانت تصرفات ترامب بعد الهجوم الكيميائي على خان شيخون في نيسان (إبريل) الماضي هي أي مؤشر، فإن الرئيس غير مستعد للذهاب بعيداً.
إقترح بعض الصحف، بشكل أكثر تآمراً، أنه إذا تمكّن المُسلّحون الموالون لإيران من التوجه حول الموقع الأميركي في “التنف” من دون عائق والوصول إلى الحدود العراقية، عندها سيكون ذلك نتيجة لإتفاق بين واشنطن وموسكو. و وسط الإزدواجية في سوريا كل شيء ممكن، على الرغم من أن الأدلة على ذلك ضعيفة.
مع ذلك، هناك شيء واحد صحيح: إن سوريا تعني لإيران أكثر بكثير مما تعني لروسيا أو الولايات المتحدة. وسيستمر هذا الواقع في تحديد الديناميات في البلد لبعض الوقت الأتي. وهو أمر لا يُبشّر بإستقرار سوريا في نهاية المطاف، حتى بعد إنتهاء الحرب فيها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى