هل تفاجئنا قطر؟

بقلم كابي طبراني

كثيراً ما تفتخر النُخَب السياسية في قطر بالقول لزوّار الدوحة أن المدينة هي مركز عمليات الصفقات السياسية في الشرق الأوسط، وإذا كنتم ترغبون في القيام بأعمال تجارية فقط، فإنتقلوا إلى دبي.
لكن تسويق نفسك كبائع متجوّل للدسيسة والمؤامرات في منطقة مليئة بالتوترات والصراعات لن يكون خالياً من التكلفة، كما إكتشفت قطر في 5 حزيران (يونيو) الفائت. جاء رد الفعل من الدول العربية القريبة: المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين، والتي حذت حذوها لاحقاً دول أخرى متحالفة مع الرياض.
فقد قطعت هذه الدول علاقاتها الديبلوماسية ووضعت حصاراً جوياً وبرياً وبحرياً كاملاً على إمارة آل ثاني الصغيرة، وطردت ديبلوماسييها وطلبت من المواطنين القطريين المغادرة. وهرع أهل الإمارة، وهم أغنى الناس في العالم حسب نصيب دخل الفرد، إلى محلات السوبر ماركت لتخزين الأغذية والمياه الأساسية، فيما أغلق السعوديون الحدود البرية الوحيدة للبلاد.
لكن قطر كانت هنا وفي المأزق عينه من قبل. في العام 2014، قطعت الدول ذاتها تقريباً العلاقات للأسباب نفسها التي تدّعي بأن قطر هي حصان طروادة داخل المشيخات العربية السنية الغنية بالنفط التي تشكّل مؤسسة مجلس التعاون لدول الخليج العربية. هذه المرة، كما كان الحال في العام 2014، أعطى السعوديون والإماراتيون، الذين يتمتعون بأكبر نفوذ سياسي وعسكري في المجلس، الدوحة مهلة نهائية.
لقد طُلِب من القطريين: خفض علاقاتهم مع إيران؛ وطرد أعضاء جماعة “الإخوان المسلمين”، التي هي حركة في جوهرها مُناهِضة للملكية، وبالتالي تتناقض مع نهج الحكم في بقية دول الخليج الأخرى؛ وإذا أرادت قطر البقاء داخل خيمة دول مجلس التعاون الخليجي فينبغي أن تتوقف عن عملها الحر وتتقيد بسياساته.
في إحدى النواحي، إن هذا التحوّل في الأحداث أمرٌ مدهش. فالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين تُعتبر دولاً شريكة وأخوية ظاهرياً لقطر في علاقة يعززها الإنتماء إلى مجلس التعاون الخليجي. حسناً، هذا النوع من التكامل الجماعي كان على الأقل الفكرة الكامنة وراء إنشاء هذا المجلس في العام 1981. ولكن سجل الدول الأعضاء فيه بالنسبة إلى توحيد الجهود والموارد معاً من أجل الصالح العام كان فاشلاً، على أقل تقدير.
إن الحكومة القطرية — التي تدعمها ثروات لا حصر لها على ما يبدو — هي في كثير من الأحيان شمعة مضيئة للدسائس والمؤامرات السياسية في المنطقة. وقد حققت الدوحة على ما يبدو من ذلك المستحيل، وبالنسبة إلى كثير من المراقبين، لَكَمت فوق وأكثر من وزنها.
من ناحية، هي موطن لأكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة، فضلاً عن مكاتب لحركات “طالبان” و”حماس” و”الإخوان المسلمين” وغيرها من الحركات الإسلامية والقادة السياسيين المُنشَقين. وإيران، التي تشترك معها في حقل غاز القبة الشمالية العملاق، هي دولة تتمتع قطر معها بعلاقات ودية، وهو واقع يثير خلافاً عميقاً مع السعوديين والإماراتيين المُعادين للجمهورية الاسلامية. وفي مكان آخر، لعبت قطر كداعم و”محسن” مالي ل”حزب الله” و”حماس”، في الوقت الذي تتعامل مع فكرة إقامة علاقات ديبلوماسية رسمية مع إسرائيل. وبعبارة أخرى، لا توجد سلّة في الشرق الأوسط حيث لم يكن القطريون مستعدين لوضع وإيداع بيضة فيها.
وغني عن القول بأن شركاء قطر في مجلس التعاون لدول الخليج العربي الغاضبين يرون بأنها تتصرف بطريقة إزدواجية. ولكن الدوحة لا ترى تعاملها إزدواجياً، بل تعمل جاهدة على شراء العديد من “وثائق” التأمين والضمانات التي تستطيع الحصول عليها. لنأخذ علاقتها مع جماعة “الإخوان المسلمين”. بالمقارنة مع غيرها من ممالك وإمارات المنطقة الغنية بالنفط والغاز، فإن قطر ليس لديها ما يدعوها للشعور بالحصانة من الطموحات الطويلة الأمد للحركة، التي تنتهج نموذجاً إسلامياً متشدداً للحكم الذي لا يمكن لأي ملكية عربية أن تكون جزءاً فيه ومنه، ويُفترَض أن ينطبق ذلك على دولة قطر.
ولكن بدلاً من قتال هذه الجماعة بشكل ناشط، كما هو الحال في الرياض وأبو ظبي، تسعى الدوحة إلى إحتواء “الإخوان المسلمين”، أو على الأقل توجيه إنتباه وإهتمام الحركة إلى مكان آخر. ومن ثم، كان السماح لجماعة الإخوان يإستخدام قناة “الجزيرة” التلفزيونية — التي يُموّلها القطريون بسخاء – كمنصّة، مثل الملح على جرح مفتوح. والنوع نفسه من التحوّط بالنسبة إلى رهاناتها واضح في السياسة الخارجية القطرية.
هناك الكثير من التكهنات حول توقيت المشاحنة الأخيرة. هل، على سبيل المثال، أعطى دونالد ترامب في رحلته الأخيرة إلى الرياض السعوديين والإماراتيين الضوء الأخضر للضغط على قطر كما تقترح وتشير تغريدات الرئيس الأميركي على “تويتر” وتصريحه خلال إستقباله رئيس رومانيا في 9 حزيران (يونيو) الجاري بأنه يؤيد ما تقوم به السعودية والإمارات وحلفاؤهما؟ فقط الوقت كفيل بإثبات ذلك. ولكن قطر، كبلد صغير مع عدد سكان يبلغ حوالي 300 ألف مواطن، لديها الوقت هنا للمراجعة والتفكير في حجم العائد من مليارات الدولارات التي إستثمرتها في السنوات الأخيرة في العديد من المشاريع السياسية. إن الجغرافيا والروابط الأخرى مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي يجب أن تجعل من الصعب على الدوحة التخلّي عن شركائها الخليجيين، ولكن العنفوان القطري قد يُفاجئنا جميعاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى