هل تنسحب قطر من مجلس التعاون الخليجي وتتحالف مع إيران؟

يتوقع الخبراء في منطقة الخليج العربي أن تتأزم العلاقات أكثر بين دولها بسبب أزمة قطر قبل أن يكون هناك حلّ. ولكن يتخوّف هؤلاء بأنه إذا لم تُحل هذه الأزمة حبّياً وقريباً فقد يؤدي الأمر إلى القضاء على مجلس التعاون الخليجي وتحالف الدوحة مع إيران.

الأمير تميم بن حمد آل ثاني: أمامه خياران أحلاهما مرّ

بقلم بلال صعب*

أعلنت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين في 5 حزيران (يونيو) الجاري أنها قررت سحب سفرائها من قطر، مُدَّعيةً بأن الدوحة تنتهك بنداً في ميثاق مجلس التعاون لدول الخليج العربية يُحظّر التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء في المجلس. ويُنبىء القرار، الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ مجلس التعاون الخليجي، بتغييرات كبيرة في المجلس وفي توازن القوى في الخليج.
كان النزاع بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي يسخن ببطء منذ فترة، وكانت مسألة وقت فقط قبل أن يبلغ حدّ الغليان. في كانون الأول (ديسمبر) الفائت، خلال قمة زعماء مجلس التعاون الخليجي في الكويت، كانت الرياض وأبو ظبي قريبتين من إستفراد قطر ومعاقبتها لتمويلها المزعوم للإرهاب في سوريا وأماكن أخرى. ولكن، في اللحظة الأخيرة، سحب السعوديون القرار لتجنّب إحراج المضيفين الكويتيين. وبدلاً إختاروا إعطاء الدوحة تحذيراً خاصاً صارماً. وقبل بضعة أسابيع من ذلك، قام القادة السعوديون بتوبيخ الأمير القطري الجديد الشيخ تميم خلال إجتماع في الرياض نظّمه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد. وقد طُلِب من الشيخ تميم (33 عاماً) آنذاك إجراء تعديلات جدية على سياسة بلاده الخارجية، بما فى ذلك توقّف الدوحة عن تمويل الجماعات التابعة لتنظيم “القاعدة” في سوريا. وأُفيد بأن الأمير الشاب وافق، ولكنه طلب بعض الوقت لإجراء التغييرات اللازمة.
تمكّن تميم في النهاية من الحدّ من مشاركة الدوحة في الصراع السوري. ولكن، بعدما أدركت أنها فقدت دورها في سوريا، ضاعفت الدوحة تواصلها مع جماعة “الإخوان المسلمين” وفروعها في المنطقة، بما في ذلك حركة “حماس”. وبالإضافة إلى ذلك، واصلت جهودها الرامية إلى مُغازلة إيران وتركيا، ودعم المتمرّدين الحوثيين في اليمن، ومحاولة التواصل مع “حزب الله”. وبإقدامها على ذلك، كانت الدوحة تلعب على أعصاب المسؤولين وتقرع جرس الإنذار في أبو ظبي والرياض، حيث تبذل هاتان العاصمتان كل ما في وسعهما للقضاء على جماعة “الإخوان المسلمين” (بما في ذلك وصفها بأنها جماعة إرهابية ودعم قائد الجيش المصري، عبد الفتاح السيسي، بتمهيد الطريق لرئاسته).
فلا عجب، إذاً، بأن البحرينيين والإماراتيين والسعوديين سرعان ما إتّهموا قطر بمحاولة تقويض مجلس التعاون الخليجي وإستدعوا سفراءهم. ولكن أين يترك هذا القرار قطر؟ لدى الشيخ تميم خياران، وأحلاهما مرُّ. يمكنه إما أن يمتثل تماماً لرغبات المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – الأمر الذي سيكلّفه علاقته بحرس قطر القديم، بما في ذلك والده – أو يعزّز دوره وسلطته من خلال العمل مع حلفاء والده وإطلاق سراح بلده إلى الأبد من أغلال النفوذ السعودي والخروج من مجلس التعاون الخليجي الذي ينحصر دوره على نحو متزايد.
الواقع أن تميم لن يستطيع النجاة في السيناريو الأول، نظراً إلى صعوبة مواجهة ليس عائلته فحسب، بل أيضاً رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني. لكن الخيار الثاني لن يكون سهلاً أيضاً. في هذا السيناريو، ستتحالف قطر بشكل أكبر مع إيران، التي تربطها بها حالياً علاقات إقتصادية قوية. كما ستتوثّق علاقاتها السياسية والإقتصادية مع سلطنة عُمان التي لديها علاقات ودية مع طهران. ولكن ذلك لن يأتي من دون تكاليف. إن السلطنة هي أساساً “خارج بيت الطاعة” لمجلس التعاون الخليجي (رغم عضويتها فيه) لرفضها إعتماد خط المجموعة الأساسي ضد إيران. وإذا إنضمت قطر إلى ذلك النادي، سيكون من الصعب عليها أن تتراجع وتعكس مسارها مع مجلس التعاون الخليجي.
وإذا ما أصبحت قطر أكثر صداقة مع طهران ومسقط، فإنها ستشير إلى موت مجلس التعاون لدول الخليج العربية وتبشّر بتصاعد تحالف قوى جديد في الخليج. ومن شأن ذلك أيضاً أن يُعقّد بشدة الخطط الأميركية في الشرق الأوسط. لقد كانت الولايات المتحدة، منذ فترة، تشجّع دول الخليج العربي على التفكير والعمل بشكل جماعي لتعزيز أمن الخليج. ولكن مع تزايد التوترات بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك حالات الطلاق المُحتَملة، يبدو هذا الهدف غير واقعي على نحو متزايد. قد تجد واشنطن أن حلفاءها الخليجيين لن يكونوا قادرين على توفير الأمن الإقليمي في أي وقت قريب، ونتيجة لذلك، فإن التفكير حول خطط للحدّ من البصمة السياسية والعسكرية الأميركية هناك لن يكون في محله.
كما أن نزاع قطر مع جيرانها السعوديين والإماراتيين يخلق أيضاً معضلة سياسية أخرى للولايات المتحدة. لدى واشنطن علاقات إستراتيجية مع الدول الثلاث، والتي سوف يصبح من الصعب إدارتها إذا لم تكن هذه الدول تتحدث مع بعضها البعض. ومن الممكن أن تتمكن الرياض وأبوظبي من الضغط على أميركا للمساعدة على إيقاف تدفق الأموال من الدوحة تحت ستار مكافحة الإرهاب. لكن واشنطن قد لا تكون مُتقبّلة. تستضيف قطر القاعدة الجوية “العديد” والمركز المشترك للعمليات الجوية والفضائية الذي ينسق جميع الهجمات الأميركية ومهام المراقبة للحرب في العراق وأفغانستان. بعبارة أخرى، على الرغم من أن وزارتي الخزانة والخارجية الأميركيتين قد تُظهران إستعداداً لتقبّل الإجراءات العقابية السعودية والإماراتية ضد الدوحة، فإن البنتاغون ربما يضع المكابح على أيٍّ من هذه الخطط.
في الأيام المُقبلة، من المرجح أن يؤدي رحيل السفراء السعوديين والإماراتيين والبحرينيين من قطر إلى إجراء مشاورات بين دول الخليج العربية (بدأها أمير الكويت). ومن المُحتمل أن تؤدي هذه إلى نوعٍ من التسوية السياسية لنزع فتيل الأزمة. ولكن ينبغي ألّا نُخطئ، إن ما يحصل هو حقبة سياسية جديدة في الخليج العربي، حيث تقوم الدول فردياً بتخطيط دورها، وحيث تتلاشى فكرة الوحدة، مهما بلغت الجهود التي تدفع وتقوم بها المملكة العربية السعودية في هذا المجال.

• بلال صعبب هو خبير وزميل كبير لشؤون الأمن في الشرق الأوسط في مركز برنت سكوكروفت للأمن الدولي في المجلس الأطلسي (Atlantic Council).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى