ما معنى ما يجري لقطر؟

بقلم عبد اللطيف الفراتي*

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية قبل 72 سنة، وحروب محلية كثيرة تعاقبت على العالم، وهدّدت بأن تتحول في كل مرة إلى حرب عالمية ثالثة، لكن الردع النووي حال دون أن تتحوّل إلى أزمات كانت في حينه خطيرة إلى حرب عالمية ثالثة. غير أننا بتنا منذ حقبتين أو ثلاث نعيش على وقع حرب عالمية ثالثة، لا تُعلِن عن نفسها، وهي في تصاعد مستمر. إن حرب الإرهابيين الذين ينسبون أنفسهم للإسلام والآخذة بالتصاعد والعالمية، بدأت في الإنتشار. فمن بلدان عربية وإسلامية إتسعت رقعتها إلى بلدان لا علاقة لها بالإسلام وليس مطروحا في يوم من الأيام أن تسقط تحت وطأة خلافة وهمية، كان يُعتقَد أن خرافتها إنتهت وولّت مع سقوط آل عثمان منذ قرابة القرن وإنكفاء تركيا على نفسها، بعدما قضمت الدول الغربية إمبراطوريتها.
بالأمس أو أول أمس كان مسرح آخر العمليات الإرهابية في العاصمة البريطانية لندن وفي أورلاندو الأميركية.
ومنذ أن أطلق الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند قبل عامين عبارته الشهيرة ” إننا نخوض حرباً ضد الإرهاب” بعد سقوط المئات من الضحايا في باريس ، درج تعريف الحرب على ما يجري من الولايات المتحدة غرباً إلى الفيليبين شرقاً.
أشارت أصابع الإتهام، إلى منطقة الخليج كراعٍ للإرهاب. وعندما إكتوَت بناره ،عدا سوريا والعراق، كلٌّ من السعودية والكويت والبحرين، إتجه الأصبع بالذات إلى قطر، المُموِّل الرئيسي والمُسلِّح للجماعات الإرهابية المتشدّدة، فيما السعودية، ويا للهول، إكتفت بالتنظير الوهّابي المُتطرِّف، وتولّت تركيا نقل وتسفير وتدريب وإيواء الإرهابيين، على أمل أن تسقط الخلافة مُجدَّدا كالثمرة الناضجة في النهاية بين يدي رجب طيِّب أردوغان.
وعندما وصل الخطر وأحدق بالسعودية بالذات، وفي مرحلة ثانية بحليفاتها من الدول الصغيرة المجاورة، وتعاظم دور دولة آل ثاني — البعض يقول الدويلة (عدد سكانها 300 ألف مواطن قطري) — كان لا بدّ من وقف الخطر، ومئات مليارات الدولارات التي دفعتها الرياض جاءت بالدعم الأميركي سريعاً، فتولّت 7 دول حتى الآن قطع علاقاتها مع الدوحة، و فرضت حصاراً بحريا وجوياً عليها، ودعت مواطنيها (أي القطريين) للرحيل خلال 14 يوماً، وهو ما لا تحتمله دولة أياً كانت فضلاً عن دولة ليس لها عمق إستراتيجي، أو جغرافي، أو ديموغرافي.
والثمن المطلوب اليوم يتمثل في أحد حلّين:
• إما رحيل الأمير تميم وأمه موزة ونهاية سياستهما “المغامرة”؟
• أو قلبه ووضع الأخ الأكبر الذي كان ولياً للعهد، ولكنه أُزيح لأنه ليس إبن موزة المسند ولا يأتـمر بأوامرها؟
ليس للعائلة المالكة في قطر سند شعبي ولا جذور قوية، وهي غالباً ستمتثل، أو إن المثل الكويتي في العام 1990، سيكون جاهزاً، دون أن يكون هناك تعقيب عليه، لأن المجتمع الدولي سئم من روح المغامرة المتبعة، من دولة صغيرة تتصرف وكأنها قوة عظمى.
بعد ذلك ستعود قطر للصف تماماً كالسعودية ورديفاتها. فهل يعني ذلك نهاية لما يشبه حرباً عالمية ثالثة، من دون مواجهات كلاسيكية ولا جيوش متقابلة، بل بإستعمال الغدر والقتل المجاني، الذي تلتزمه دولة لا تريد أن تعلنه صراحة؟
حصارٌ من هذا النوع جوي وبحري وبشري، لا قدرة لقطر عليه، فسيشلّها، سواء من ناحية الخليج العربي حيث للسعودية كإيران كلمتها فيه، أو من ناحية باب المندب حيث يُمكن لمصر أن تغلقه على كل ما يمكن أن يأتي أو يذهب لقطر، إنه الإختناق الكامل الذي لا يُمكن أن يطيقه أحد.
فهل سيكون العالم أفضل بعد ذلك سواء من ناحية كفّ الإرهاب، أو من ناحية توازناته الإستراتيجية، حيث للولايات المتحدة يد طولى قادرة على أن تتحرك وتُحرّك حلفاءها.

• كاتب وصحافي تونسي، ورئيس تحرير سابق لصحيفة “الصباح” التونسية fouratiab@gmailcom

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى