الأسد يتطلع شرقاً فيما مركز الجاذبية يتحوّل في سوريا

بعدما إستعاد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بمساعدة روسيا وإيران وميليشياتها بما فيها “حزب الله”، كثيراً من الأراضي السورية التي كان فقد السيطرة عليها منذ 2011، ها هو الآن يستعد مع حلفائه لمهاجمة شرق البلاد لإستعادة سوريا بأكملها كما سلّمها له والده. لكن يبدو أن هناك صعوبات كثيرة لتحقيق ذلك كما يروي التقرير التالي:

مدينة الرقة: ما بعد تحريرها مرحلة غامضة

دمشق – محمد الحلبي

يبدو أن مركز الثقل السياسي في الصراع السوري بدأ يتحوّل إلى شرق البلاد، فيما يوسّع نظام الأسد سيطرته في الغرب. وهذا أمرٌ مهم لأسباب عديدة، ليس أقلها أن شرق سوريا هو المكان الأكثر أهمية للمصالح الحيوية للعديد من الجهات الفاعلة الإقليمية والنظام السوري.
الواقع أن سوريا الشرقية تشكّل أهمية كبيرة بالنسبة إلى مختلف اللاعبين السياسيين في سوريا. إنها المكان الذي يتركّز فيه النفط السوري، وهو عاملٌ حيوي لنظام الأسد الذي يحتاج بشكل ماس إلى الإيرادات. كما هي المكان أيضاً حيث يُمكن منه للنظام إستعادة السيطرة على حدوده مع العراق، وهو جانب أساسي من شرعيته.
بالنسبة إلى إيران، فإن الهيمنة على الشرق تضمن إستمرارية جغرافية بين الجمهورية الإسلامية وحلفائها في سوريا ولبنان، من خلال العراق الذي يُهيمن عليه الإيرانيون. أما بالنسبة إلى روسيا، فإن إعادة السيطرة على الشرق ستكون حجر الأساس لجهودها المستمرة لإنقاذ نظام بشار الأسد.
وإذا فقد تنظيم “الدولة الإسلامية” الرقّة، فإن منطقة الحدود الشرقية ستكون المكان المُرجَّح الذي سينشر فيه التنظيم المتطرف مسلحيه. إن مدن دير الزور والبوكمال والميادين تخضع حالياً لسيطرة تنظيم “داعش”، الأمر الذي يعطي الجماعة المتشددة وجوداً جغرافياً بالقرب من المناطق السنية في العراق.
إن الإستعداد لمعركة تحرير الرقّة هو عامل واحد فقط من العوامل التي تشكّل التطورات في شرق سوريا. في الآونة الأخيرة، قصفت الطائرات الأميركية مقاتلين تابعين لقوات موالية للنظام، من بينهم مقاتلون من “حزب الله”، كانوا مُتّجهين نحو التنف، جنوب سوريا بالقرب من الحدود الأردنية والعراقية. وكانت هذه الوحدات تقترب مما يُسمى بالمنطقة المنزوعة السلاح حول التنف، حيث تتمركز القوات الخاصة الأميركية. ومع ذلك، تُعتبر المنطقة أيضاً مهمة للنظام لشنّ هجوم ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في مدن شرق سوريا.
وفي إشارة أخرى إلى تزايد التركيز على شرق سوريا، قال سفير روسيا في إيران في أواخر الشهر الفائت إن هناك إحتمالاً كبيراً بأن تتفق موسكو مع طهران على إستقبال طائرات حربية روسية في قاعدة إيرانية في مقاطعة همدان في غرب الجمهورية الإسلامية، لمهاجمة أهداف في سوريا. وعلى الرغم من أنه لا يبدو أن هناك إتفاقاً نهائياً بين الدولتين، إلا أنه من الصعب عدم تفسير ذلك كجهد روسي للتواجد حول الشرق السوري في ظل التطور السريع هناك.
في آذار (مارس) الفائت، إدّعى مسؤولون أكراد بأن الولايات المتحدة تُقيم مَهبَطي طيران في شمال شرق سوريا الذي يسيطر عليه الأكراد، واحدٌ في رميلان والآخر في جنوب عين العرب (كوباني). وبينما نفى المسؤولون الأميركيون هذه القصة، فقد ظهر تقرير نشرته صحيفة “ستارز أند سترايبس” التابعة للجيش الأميركي يؤكّد أجزاءً منها. وأكد المقال أن القاعدة الجوية بالقرب من عين العرب (كوباني) يجري توسيعها إستعداداً لحملة الرقّة.
وأبرزت سلسلة الأحداث هذه أن شرق سوريا آخذ في الظهور كمنطقة تنافس إستراتيجية بين العديد من الجهات الفاعلة السياسية التي لديها مصالح هناك. ومع تزايد إقتراب مرحلة ما بعد “داعش” في شرق سوريا، يبدو أن أميركا وروسيا وإيران والنظام السوري تستعد وتتحضّر لضمان إمكانية إستغلال الوضع الذي سيستجدّ هناك بعد ذلك.
إن اهتمام طهران بإرسال قوات موالية لها في إتجاه التنف، كما إمكانية إستفادة موسكو من القواعد الجوية في إيران، يشيران إلى أن كلاً من الدولتين لا يريد أن يحافظ خصوم الأسد على وصلات أرضية هادئة غير متنازع عليها في شرق سوريا حيث يمكنهم متابعة جداول أعمالهم منها.
إن الوضع في شمال – شرق سوريا لا يزال غامضاً وغير مؤكد، نظراً إلى وجود حزب الإتحاد الديموقراطي الكردي، مع جناحه المُسلَّح، “وحدات حماية الشعب”. لهذا السبب قد يرغب النظام السوري وروسيا وإيران في الإنتقال إلى مناطق إلى الجنوب والغرب من المناطق التي يسيطر عليها الأكراد. إن خوف هذه الأنظمة المتحالفة يكمن في أنه بمجرد هزيمة التحالف الدولي التي تقوده أميركا لتنظيم “الدولة الإسلامية”، فإنه قد يختار إستخدام وجوده في سوريا كرافعة للدفع بإتجاه إزالة الأسد.
لقد كان النظام السوري حساساً جداً بالنسبة إلى التطورات في شرق البلاد منذ العام 2011. فقد تنازل أولاً عن مواقعه ل”حزب الإتحاد الديموقراطي” في محافظة الحسكة لمنع الجماعات السورية العربية المناهضة للأسد من الإستيلاء على الأراضي هناك. في دير الزور، حارب النظام بشدة للحفاظ على وجوده في أجزاء من المدينة وفي القاعدة الجوية القريبة، على وجه التحديد لأنه لا يمكنه أن يتخلّى عن القضاء بأكمله تماماً لأنه يضم المناطق الغنية بالنفط على طول حدوده الإستراتيجية الحيوية مع العراق.
وهذه الحتميات لا تزال حيّة فيما الوضع في الشرق السوري يبدو أنه يتحرّك نحو تحوّل جوهري، على إفتراض أن “داعش” سيُهزَم شمالاً. ومع قيام النظام بتعزيز مكاسبه العسكرية في غرب سوريا، فإنه في وضع أفضل للنظر في إعادة فرض سلطته في مكان آخر. هذا هو الهدف الرئيسي للأسد، لإستعادة كامل البلد الذي تركه له والده.
لا شيء يشير إلى أن إيران وروسيا تفكران بشكل مختلف عن الرئيس السوري. قد يكون يعتمد عليهما إلى حد كبير لتحقيق مكاسبه العسكرية، ولكن هذا لا يجعل البلدين إلّا أن يكونا أكثر حرصاً على مساعدته.
إن عيون الأسد تتطلع إلى شرق سوريا، لكن تعقيدات المنطقة تعني أن إعادة الإستيلاء عليها قد لا تكون سهلة. ولكن من دون الشرق، لن يتمكن النظام السوري الإدّعاء بالإنتصار في حربه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى