عندما يشرب رئيس الحكومة التونسية “حليب السباع”!

بقلم عبد اللطيف الفراتي*

بعد أقل من 8 أشهر على تقلده “حقيقة السلطة” وفقاً لمقتضـــيات الدستور، يبدو أن رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد قد شرب حليب السباع وكسر الأغلال وإنطلق على طريق جدول أعمال لم يكن مُنتَظراً ولا مُتوَقّعاً، وليس معروفاً ما إذا كان نالَ موافقة الثنائي الحاكم فعلاً الرئيس الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي، ولو كانت كل الفرضيات تميل إلى تأكيد علمهما، من دون إستطاعة فعل شيء لوقف سير “دبابة” الشاهد، نظراً إلى أنه بإمكانه أن يخرج باستقالة مدوية تضع الجميع أمام مسؤولياتهم، وبذلك خرج “الغشير” عن فروض الطاعة.
الواقع أن الشاهد ضرب عصافير عدة بحجر واحد:
1/ دفع إعتصام تطاوين وسقوط قتيل إلى مرتبة غير متقدمة من الإهتمام الوطني، فكفّ الحديث عنه، ما يسمح بالحل الذي ترتضيه الحكومة بعيداً من الأضواء؛
2/ الشروع في محاسبة، كم بشّر بها الشاهد من دون أن يتمكن من تحقيقها، لقوى غير متوقعة من المتنفذين في كل الدواليب؛
3/ إكتساب شعبية كبرى لم يكن يحلم بها، وقد تؤهّله مستقبلاً لأدوار رئيسية على رقعة الشطرنج الوطنية في ظل شيخوخة الرئيس الحالي بحيث يستحيل التجديد له، وعدم وجود مرشح مقنع.
لكن بعد هذا سيبقى تساؤل حائر ومُحيِّر: لماذا إختار الشاهد هذا الطريق، ولماذا لم يندفع على الطريق الطبيعي للملاحقة القضائية العدلية .
من المؤكد أن له أسبابه، فقد تم البحث عن نص قديم من مخلفات عهد الرئيس الحبيب بورقيبة يعود إلى العام 1978، لإعتماده في هذا التحرّك. وللتعمية فقد سبقت ذلك دعوة من وزير العدل لتحريك الدعوى من قبل الأجهزة القضائية على خلفية ما جاء في تصريحات عماد الطرابلسي، صهر الرئيس الأسبق زين الدين بن علي وإبن شقيق زوجته ليلى بن علي القابع في السجن منذ أكثر من 6 سنوات، في جلسة إستماع علنية نظّمتها “هيئة الحقيقة والكرامة”.
يقول البعض إن ما خرج من هذه الجلسة كان بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على مشروع قانون المصالحة العزيز على الرئيس السبسي. ويقول آخرون إن رئيسة الهيئة سهام بن سدرين لو كانت تدري بتبعات تلك الجلسة والتصريحات التي صدرت خلالها من قبل عماد الطرابلسي، لإستغنت عنها لأنها قلبت الطبق على رأس الجميع بمن فيهم أصدقاؤها وأولياء نعمتها.
ما لم يتضّح حتى اليوم هو ما إذا كانت التُهم التي إعتقل من أجلها شفيق الجراية والمجموعة التي معه، والتي تشير كل الدلائل إلى أن دائرتها ستتوسع، ستعتمد تهم الفساد فقط، وهذا مقدور عليه في القضاء العدلي، من دون اللجوء إلى مقتضيات قانون الطوارئ ولا قانون الإرهاب، أم إنها ستشمل تُهماً أخطر كالخيانة العظمى والتخابر مع جهات أجنبية وتهديد الأمن الداخلي، وربما الخارجي، للدولة والتآمر، وفي هذه الحالة تصبح تهم الفساد على أهميتها تهماً فرعية، ولكنها تسمح بأن تطول التتبعات والملاحقات هذه التهم، وتتمدّد وقتها في القضية عينها إلى كل المعتقلين اليوم وغداً، وحشرهم جميعاً في قضية واحدة.
الملاحظ اليوم أن رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، الذي ربما كان أعدّ العدّة من خلال إستشارات قانونية شاملة حتى لا ينزلق إلى خطأ قد يكون قاتلاً ، قد أطلق حركة عَرَف متى يُطلقها، لكنه لم يعد يعرف إلى أي مدى ستصل، وهل يمكن توقيف مسارها، وهل ستأكل الأخضر واليابس، وما إذا كانت ستمتد إلى المعنيين الذين لا يعنيه شأنهم، أم إلى أصدقائه وأصدقاء حلفائه، وخصوصاً حلفاء رعاته من الأحزاب التي يتشكل منها فريقه الحكومي.
ثم إن كان السيل الجارف سيمتد ليس فقط إلى رعاة الإرهاب والتهريب والتآمر، بل إلى قتلة شكري بلعيد ومحمد براهمي ونقض من عرف منهم ومن خفي، ووقتها وبقدر الشعبية التي سينالها، بقدر الحرج الذي سيصيب الكثيرين في أدنى الإحتمالات.
من المؤكد أن ما أقدم عليه الشاهد سيجر إلى حلقات متتالية في سلسلة طويلة، وسيكشف ليس فقط بؤر الفساد، ولكن أيضاً عفن الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والصحافية في تونس، ويفضح كثيراً من الأشياء التي بقيت حتى الآن تحت “ستر ربي”.

• كاتب وصحافي تونسي، رئيس تحرير سابق لصحيفة الصباح التونسية. fouratiab@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى