المغرب يلعب دوراً ثلاثياً في نظام الهجرة الأوروبي – الإفريقي

المغرب، المعروف تاريخياً ببلد الهجرة، هو أيضاً نقطة عبور مهمة للمهاجرين، وبخاصة من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ومنطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا، حيث تشكل أوروبا الوجهة المشتركة لتدفقات الهجرة. مع ذلك، منذ منتصف تسعينات القرن الفائت، وخصوصاً في الجزء الأخير من العقد، أصبح المغرب بلداً مقصداً أيضاً. وتتراوح أسباب هذه التدفقات من الإضطرابات السياسية والحروب الأهلية والإنكماش الإقتصادي في بعض بلدان غرب إفريقيا إلى إندلاع العنف العرقي والترحيل الجماعي للمهاجرين في ليبيا في العام 2000، حيث كان كثيرون من مهاجري جنوب الصحراء الكبرى قد وجدوا في السابق فرصاً للعمل . ونتيجة لذلك، يلعب المغرب اليوم ثلاثة أدوار في إطار نظام الهجرة الأوروبي – الإفريقي – بلد المصدر، والعبور (الترانزيت)، والوجهة النهائية.

عدد المعابر الحدودية غير القانونية على طريق غرب البحر الأبيض المتوسط (البحر والبر) (المصدر: فرونتيكس).

الرباط – مصطفى الزياني

خلال العقود القليلة الماضية، هَيمَن موضوع الهجرة المغربية إلى الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي على المناقشات ذات الصلة بشأن إدارة الهجرة على الصعيد الوطني. في الواقع، كان التنقل بين المغرب وأوروبا منذ فترة طويلة قضية مُحرجة في تاريخهما المشترك. فقد تضاعف عدد المغاربة المقيمين في الخارج أكثر من الضعف من العام 1993 (1.5 مليون) إلى 2012 (3.4 ملايين)، بمعدل نمو سنوي متوسط قدره 9.9 في المئة، مقارنةً مع 2.2 في المئة معدل النمو السكاني في المغرب. وهاجرت الغالبية العظمى إلى أوروبا (87 في المئة)، مع إستضافة فرنسا وحدها 31 في المئة، وإسبانيا ربع هؤلاء المهاجرين. والآثار المُشتركة لجمع شمل الأسرة، وتكوين العائلة، والزيادة الطبيعية، والهجرة غير المُوثَّقة، وهجرة العمالة الجديدة إلى جنوب أوروبا (وأميركا الشمالية)، كلها توضّح وتُفسّر سبب الزيادة المطردة في عدد المغاربة المقيمين في البلدان الأوروبية المُستَقبِلة والمُضيفة الرئيسية.
كان للزيادة الكبيرة في عدد المهاجرين المغاربة تأثير قوي في علاقات البلاد مع الإتحاد الأوروبي، ولا سيما مع الدول الأعضاء التي إستقبلت غالبية المُهاجرين غير الشرعيين المغاربة، وهي فرنسا وهولندا وبلجيكا وإيطاليا و إسبانيا. في العام 2014، من بين البلدان العشرة الأولى التي إنتمى إليها الأشخاص الذين وُجِدوا غير قانونيين في دول الإتحاد أوروبي، جاء المغاربة في المرتبة الرابعة. في تلك السنة، حددت الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي أن هناك 30,920 حالة تتعلق بمواطنين مغاربة لم يستوفوا شروط الدخول أو البقاء أو الإقامة. وعلاوة على ذلك، من بين أعلى 10 بلدان رُفِضت جنسيتهم من الدخول إلى الاتحاد الأوروبي في العام 2014، إحتل المغرب المرتبة الأولى برفض 65 في المئة (168,680) من مجموع طلبات مواطنيه.
وبدءاً من منتصف تسعينات القرن الفائت، إزداد عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين يدخلون المغرب من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وبخاصة من غرب إفريقيا. وإتّبع معظم هؤلاء المهاجرين غير النظاميين طرقاً مُحدّدة إلى المغرب، وأساساً عبر موريتانيا أو عبر النيجر إلى الحدود الجزائرية بالقرب من مدينة وجدة. وكان القصد الأصلي للعديد من هؤلاء الوافدين الجدد إلى المغرب مواصلة رحلتهم إلى أوروبا. أولئك الذين تمكنوا من تجنّب الإعتقال من قبل السلطات المغربية عادة ما تابعوا طريقهم عبر البلاد إلى الجيوب الإسبانية، مدينتي سبتة ومليلة، اللتين تُعتبران كيانات أوروبية إقليمية خارجية، واللتين تشكّلان بديلًا ممكنًا من العبور الخطير للبحر الأبيض المتوسط من أجل الوصول إلى أراضي الاتحاد الأوروبي.
إرتفع عدد المهاجرين غير النظاميين الذين يستخدمون طريق غرب البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك المغرب مع ساحِلَيه، من 5,003 في العام 2010 إلى 10,231 في العام 2016. وهكذا بات المغرب بلد عبور رئيسياً للهجرة.
مع ذلك، فإن عدداً كبيراً من المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون إلى المغرب لا يُكملون رحلتهم إلى أوروبا. وبدلاً من ذلك، يَعدل الكثيرون عن متابعة رحلتهم، أو يؤخّرون على الأقل محاولتهم للوصول إلى أوروبا بسبب السياسات الأمنية المُكثّفة التي تنفذها شرطة الحدود المغربية والإسبانية. وقد أدّت العمليات الرئيسية التي قامت بها السلطات المغربية الرامية إلى إحباط الهجرة غير النظامية إلى إعتقال 60,996 شخصاً في العام 2002 وحده. وبعد أكثر من عشر سنين، أصبح المغرب أول بلد متوسطي يوقّع مع الإتحاد الأوروبي على شراكة من أجل تدبير أفضل للهجرة وحركية الأشخاص، والتي تهدف إلى تعزيز “نهج عالمي للهجرة والتنقل” (أساساً لإدارة الهجرة غير النظامية). ولكن، ظل المغرب متردداً في إعادة قبول أو طرد المهاجرين غير النظاميين بشكل جماعي. وفي حين نجحت الجهود في الحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا، فإن الكثيرين من هؤلاء بقوا في المغرب. وهكذا ظهر المغرب كبلد مقصد ووجهة نهائية.
ويبدو أن قرار المهاجرين غير النظاميين بالبقاء في المغرب هو قرار أُجبروا عليه أساساً بسبب خوفهم من الإحتمال الكبير بإعتقالهم سواء في المغرب أو في إسبانيا، مما قد يؤدي إلى ترحيلهم إلى بلدهم الأصلي. بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما يجد المهاجرون غير الشرعيين أنفسهم غير قادرين على تلبية المتطلبات المالية للمتاجرين بالبشر الذين ينظمون مرورهم إلى أوروبا. والواقع أن أشد الناس فقراً منهم هم في وضع أكثر ضعفاً. وبالنسبة إليهم، فإن البقاء في المغرب، على الرغم من الصعوبات التي يحتمل أن يواجهونها، هو أفضل من العودة إلى بلدانهم الأصلية.
وما زالت الظروف السياسية والإقتصادية والإجتماعية الراهنة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى تحفز المهاجرين غير النظاميين على اللجوء إلى المغرب. وتتباين تقديرات عدد المهاجرين غير الشرعيين من إفريقيا جنوب الصحراء المُقيمين في المغرب. ومع ذلك، فإن الأرقام التي تم الحصول عليها من حملة تسوية الأوضاع في العام 2013 توفّر بعض المؤشرات إلى حجمها: من بين 27,332 طلباً تم إيداعها، تبيّن أن هناك حوالي 80 في المئة هم من مواطني البلدان الإفريقية غير العربية. ويُعتقد أن عدد هؤلاء المهاجرين غير النظاميين من المرجح أن يكون أعلى وينمو.
بالإضافة إلى التدفق الكبير والمتنامي للمهاجرين غير القانونيين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى المغرب، فإن هناك اللاجئين وطالبي اللجوء الهاربين من الإضطرابات في الشرق الأوسط، وبخاصة من سوريا. وينظر الللاجئون إلى المغرب حالياً بأنه واحد من البلدان القليلة المُستقرّة والآمنة في المنطقة. ونظراً إلى أن آفاق الهجرة إلى أوروبا أصبحت أكثر صعوبة من طرق الهجرة الأخرى، فإنهم يميلون إلى إستخدام المغرب إما كنقطة عبور (ترانزيت) أو كبلد مقصد. وفي حين أن أكثر من 6,000 لاجئ وطالب لجوء في المغرب أتوا من 49 دولة، فإن أكثر من 60 في المئة منهم جاؤوا من سوريا. وهكذا أصبح المغرب بلداً مقصداً ووجهة نهائية للاجئين.
علاوة على ذلك، هناك عدد كبير من الأفراد الذين وصلوا إلى المغرب في السابق وفقاً للإجراءات العادية، مثل تأشيرات الطلاب، وتصاريح العمل القصيرة الأجل، وأفراد أسر المواطنين المغاربة. ومعظم هؤلاء الأفراد، حتى وإن انتهت صلاحية تصاريحهم، لا يزالون في البلد، وبذلك يصبحون مهاجرين غير نظاميين. وإعتباراً من أيلول (سبتمبر) 2014، بلغ عدد السكان الأجانب في المغرب 86,206 شخصاً، وهو ما يمثل زيادة ملحوظة عن عدد المواطنين الأجانب المُسجَّلين في العام 2004 والبالغ 51,435 شخصاً، حيث كان أحد الأسباب الرئيسية لهذه الزيادة الإقامة والعمل غير النظاميين.
إن عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا إلى المغرب أخيراً وإستقروا في نهاية المطاف أقل بكثير من عدد المواطنين المغاربة وغيرهم ممن حاولوا في الماضي عبور حدود البلاد بشكل غير قانوني لدخول أوروبا. ومع ذلك، فإن أخذ العلم بالزيادة التدريجية في عدد المهاجرين غير الشرعيين القادمين والمقيمين في المغرب أمر مهم في فهم تطور صورة الهجرة في البلد. وفي المقابل، فإن إتباع نهج أكثر دقة إزاء دور المغرب المُعقَّد والمُتغيِّر كبلد مصدر، وعبور، ومقصد، ضروري لتطوير إستجابات السياسات الوطنية.
في الواقع، هناك حاجة إلى أن يعالج المغرب ظاهرة الهجرة غير النظامية على نحو منهجي وإنساني. وينبغي ألّا يهدف هذا النهج إلى الحد من تدفق المهاجرين غير النظاميين فحسب، بل أيضاً إلى إدارة أنسب طريقة لدخول المهاجرين وإقامتهم في البلد، مع التركيز على حمايتهم وضمان وصولهم بحرية، وممارستهم الحقوق الأساسية. إن القانون الأول في المغرب الذي صدر بشأن الهجرة غير النظامية، القانون رقم 03-03، الذي تمّ سَنّه في العام 2003، جرّم الهجرة غير النظامية، وفرض عقوبات قوية على دعمها وتنظيمها، وزيادة قدرات مراقبة الحدود، وإطلاق غارات منتظمة على المستوطنات المهاجرة. وفي العام التالي، أبلغ المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان للمهاجرين الحكومة المغربية بقلقه إزاء حالة وظروف معيشة المهاجرين غير النظاميين، ولا سيما أولئك الذين ينحدرون من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ومع ذلك، وعلى الرغم من الإستنكار وعمل الناشطين المغاربة والمنظمات غير الحكومية الدولية لحقوق الإنسان التي نجحت في تسليط الضوء على سوء معاملة المهاجرين غير النظاميين، فإن حالة المهاجرين غير الشرعيين في المغرب إستمرت في التفاقم.
وفي تموز (يوليو) 2013، أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب تقريراً أساسياً يتضمن تفاصيل سلسلة من الإشتباكات التي وقعت بين المهاجرين والشرطة المغربية. وقد دفع التقرير الملك محمد السادس إلى إصدار تعليمات مباشرة إلى الحكومة لتطوير “رؤية جديدة لسياسة الهجرة الوطنية، التي ينبغي أن تكون إنسانية في فلسفتها، ومسؤولة في نهجها ورائدة على المستوى الإقليمي”. وكخطوة أولية، قامت الحكومة المغربية ببدء عملية “تنظيم” لوضع المهاجرين (أي، توفير الإقامة القانونية لمدة سنة واحدة على الأقل) – لمرة واحدة حيث منحت في نهاية المطاف هذا الوضع القانوني لنحو 25,000 مهاجر. ولكن، واصلت المنظمات المغربية والدولية لحقوق الإنسان توثيق سوء معاملة المهاجرين غير النظاميين على نطاق واسع. وفي الوقت نفسه، أطلق المغرب في كانون الأول (ديسمبر) 2016 حملة تنظيمية ثانية؛ وبعد ثلاثة أشهر فقط من مرحلة التنفيذ، تجاوز عدد الطلبات بالفعل التوقعات .وحقيقة أن المغرب الآن بلد مقصد لا يفرّق بين إلتزاماته في ما يتعلق بحماية المهاجرين، فإن عليه تحمّل المزيد من المسؤوليات بالنسبة إلى المهاجرين غير النظاميين المقيمين على أراضيه. وفي حين أحرزت المملكة بعض التقدم في تحمّل هذه المسؤوليات، فمن الواضح أن إصلاحات سياسة الهجرة في البلاد غير كاملة.

ما هو المطلوب؟

إن نمط الهجرة في منطقة البحر الأبيض المتوسط الأوسع مُعقَّد ومُتغيِّر. إن عوامل “الدفع” و “السحب” التي دفعت الهجرة غير النظامية في الماضي لا تزال تشكل قوى قوية تدفع الملايين من الناس للقيام برحلات خطرة اليوم بحثاً عن السلامة الشخصية وحياة أفضل. وقد برز المغرب، الذي كان منذ فترة طويلة بلد مصدر، وأخيراً بلد عبور، كبلد مقصد ووجهة نهائية أيضاً. إن التكيف مع هذه الظروف المُتَغيِّرة وتحمّل المسؤوليات المترتبة عليها، يتطلبان من السلطات المغربية إعادة تقييم دقيق لسياسات الهجرة الوطنية وزيادة تعزيزها بحيث تلتزم على حد سواء القانون الدولي لحقوق الإنسان وتسهيل قبول المهاجرين من جانب المجتمع المحلي. إن ظهور قطاع مدني نشيط وقادر في المغرب ملتزم بتقديم المساعدة والدفاع عن حقوق المهاجرين واللاجئين هو تطور مشجع – وهو واحد يمكنه أن يؤدي إلى تحقيق تقدم أكبر في جهود المغرب لإصلاح سياسة الهجرة في ضوء دور البلاد المُتغير في نظام الهجرة الأوروبي – الأفريقي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى