كتاب بريطاني يدّعي أن “داعش” أسّسته أميركا لدكّ إسفين سنّي بين سوريا وإيران!

لندن – هيكل مهدي

صدر في أواخر العام الفائت عن منشورات “وان وورلد” البريطانية كتاب للأستاذ في جامعة دورهام كريستوفر ديفيدسون بعنوان “حروب الظل: النضال السري من أجل الشرق الأوسط” (Shadow Wars: The Secret Struggle for the Middle East). وقد لاقى هذا الكتاب المليء بالمغالطات نجاحاً كبيراً.
يسعى ديفيدسون في كتابه هذا إلى الإجابة عن السؤال: لماذا سقط السعي العربي من أجل الديموقراطية في مستنقع غامض في حين أن “أجزاء من أوروبا وأميركا اللاتينية وحتى أفريقيا تمكنت مرة من قطع أغلال الإستبداد”. بيد أن الإجابات التي قدمها، والتي تنطوي على تورط الولايات المتحدة وبريطانيا في جميع المشاكل السياسية العربية، غير مُقنعة.
وفقاً لديفيدسون، لأكثر من قرن من الزمن، كانت المخابرات والمؤسسات العسكرية في المملكة المتحدة والولايات المتحدة تقود كفاحاً خفياً ضد القوى التقدمية ضمناً في الشرق الأوسط، مدفوعة برغبة في ميزة جيوسياسية والسيطرة على النفط . وعلى الرغم من إعلان “الحرب على الإرهاب”، فإن ديفيدسون يعتقد أن الأدوات المفضلة للأميركيين والبريطانيين كانت الحركات الإسلامية: “الإخوان المسلمون”، و”حركة طالبان”، وأخيراً تنظيم “الدولة الإسلامية” (المعروف أيضاً ب”داعش”). وكثيراً ما وجد الأميركيون والبريطانيون أنفسهم يقاتلون وكلاءهم، لكنهم كانوا يعلمون أن ذلك سيحدث، كما يدّعي ديفيدسون.
بشكل فردي، العديد من الأمثلة التي أعطاها ديفيدسون لها معنى، على سبيل المثال، إن المؤسسة العسكرية الأميركية أصبحت قلقة بشأن تخفيض الإنفاق بعد سحب القوات الأميركية من أوروبا الغربية. بيد أنه من الصعب القبول بأن الحاجة إلى “حماية الإنفاق الدفاعي في الولايات المتحدة” هي السبب الرئيسي الذي دفع الرئيس جورج بوش (الأب) بشن حرب ضد العراق في العام 1991. هذا التحليل الإنتقائي يشير إلى الإثارة.
ويتطرق المؤلف بشكل مطوّل إلى الدور الخاطئ الذي يقوم به الغرب في مواجهة “الدولة العميقة” المُضادة للثورات، التي أحبطت “الربيع العربي”. ليس هناك من ينكر أن السياسة الخارجية لواشنطن وحلفائها الغربيين مشوّشة في أحسن الأحوال، ولكن تخصيصها بالنفوذ المُفرط يريح الديكتاتوريين العرب من مسؤوليتهم وفشلهم. وبالمثل، يؤكد أن واشنطن كان لها دور في إنشاء تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، وإنتقد إدارة أوباما لعدم عزمها على تدميره. لكنه يهين عقل القارئ ويستغبيه عندما يدّعي أن العديد من الروايات عن بربرية وهمجية “داعش” “كانت سيئة المصدر، وبعضها بالتأكيد إختُلِق”.
الواقع أنه كان على الكتاب الإفادة أكثر من إعادة التحرير والمراجعة الواقعية (الرئيس المصري أنور السادات طرد جميع المستشارين السوفيات في العام 1972، وليس 1971)، وبالنظر إلى حجمه الضخم، كان ينبغي أن يكون له فهرس. ولكن الأكثر خطورة، هو أن الكتاب لا يحتوي الكثير من التحليل. لقد أسس ديفيدسون كتابه على نظرية الثورة المضادة الكلاسيكية الجديدة التي لا تناسب لبنات بنائها بشكل خاص دراسة تطور المجتمعات العربية خلال القرنين الماضيين. إن أوجه القصور النظرية في كتاب “حروب الظل” تضعف حججه وتعيق الإستنتاجات المُقنعة.
تقريباً كل مصادر ديفيدسون هي معروفة في المجال العام: إنه يكشف القليل من الأدلة الأصلية لحجته، وبدلاً من ذلك قام بتجميع قطع مألوفة في شكل غير مألوف. النتائج غير مُقنعة. على سبيل المثال، إذا رعت القوى الغربية “داعش” من أجل وضع إسفين سني بين إيران وسوريا، لماذا أزعجت أنفسها وأطاحت صدام حسين، الذي كان أصلاَ يلعب هذا الدور؟ والأكثر إثارة للقلق، أن تحليل ديفيدسون ينكر مسؤولية الإسلاميين، والشرق أوسطيين، وإلى حد كبير الجميع: في رأيه، نحن جميعاً مجرد بيادق في “حروب الظل”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى