ماذا سيجري في العراق بعد تحرير الموصل؟

في غضون أربع سنوات، صعد تنظيم “الدولة الإسلامية” من الهزيمة القريبة في العام 2010 ليصبح واحداً من أنجح جماعات التمرّد والعصيان الحديثة. في ذروته في العام 2014، كان يُسيطر على 40 في المئة من العراق. وبعد ثلاث سنوات، خسر معظم أراضيه ومن المتوقع أن يُقضَى عليه قريباً في آخر معاقله العراقية في الموصل، لكن ذلك لن يزيل ويُنهي نهائياً تهديد الجماعات التكفيرية المتشددة. ذلك أن المجموعات المتمردة المحلية، التي تراجعت في ظل توسع نفوذ تنظيم “الدولة الإسلامية”، قد تعود وتطفو إلى السطح في فراغ ما بعد “داعش”. ويُمكن لتنظيم “القاعدة” إعادة بناء نفسه في العراق، كما من المرجح أن يعود تنظيم “الدولة الإسلامية” نفسه إلى جذوره ليعمل كجماعة تمرد محلية سرية غير إقليمية.

تنظيم “داعش”: القضاء عليه لن يُنهي التمرد السني المتطرف

بغداد – باسم رحال

يتألف المشهد العراقي المُسلّح من شبكة مُعقَّدة من الحركات التي قد تتجدّد وتعود إليها الحياة بعد إستئصال “داعش” من الموصل. وتعود أصول هذه الجماعات أحياناً إلى ما قبل تاريخ الغزو الذي قادته أميركا في العام 2003. على سبيل المثال، أسس الشيخ عثمان بن عبد العزيز التابع لجماعة “الإخوان المسلمين”، “الحركة الإسلامية في كردستان”، في ثمانينات القرن الفائت، في حين أن جماعة “أنصار الإسلام” — التي شكّلتها الجماعات المنشقة عن “الحركة الإسلامية في كردستان” في العام 2001– ضمّت بعض العرب السنة، وأنشات علاقات وثيقة مع تنظيم “القاعدة”.
وفي أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، ظهر عدد من الجماعات المُسلَّحة السنية هدفها إلى حد كبير معارضة ومقاومة الإحتلال، كان أهمها : “جيش رجال الطريقة النقشبندية”؛ “ألوية ثورة 1920” التي سُمّيت تيمناً بالثورة العراقية التاريخية ضد القوات البريطانية المحتلة؛ “الجيش الإسلامي في العراق”؛ “جيش المجاهدين”؛ “أنصار الشريعة السنة”؛ و”حماس العراق”. كما أن جماعة التوحيد والجهاد التي أسسها أبو مصعب الزرقاوي، التي ستنضم في وقت لاحق إلى تنظيم “القاعدة” وتصبح في النهاية تنظيم “الدولة الإسلامية”، لها جذور أيضاً. مع رحيل القوات الأميركية من العراق في العام 2011، لم يُقضَ على هذه الجماعات السنية المُسلّحة، بل أعادت توجيه تركيزها لتحدّي حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي ومعارضة النفوذ الإيراني في العراق.
وندّدت جماعات متمرّدة سنية عدة بالأعمال التي قام بها تنظيم “الدولة الإسلامية” وإستغلاله للعراقيين، بل وقاتلت ضده. وقد شكلت كلٌّ من “جبهة الجهاد والإصلاح”، (التي تألفت من “جيش المجاهدين”، “الجيش الإسلامي في العراق”، “أنصار الإسلام”، و”أنصار الشريعة السنة”)، و”المجلس السياسي للمقاومة العراقية”، (الذي تشكّل من “حماس في العراق” وفصائل من “الجيش الإسلامي في العراق”، و”جيش المجاهدين”، و”أنصار الشريعة السنة”، و”جيش الفاتحين”، و”الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية”)، المعارضة لتنظيم “الدولة الإسلامية”. ونددت منظمات أخرى، مثل “ألوية ثورة 1920” و “جيش رجال الطريقة النقشبندية”، بإستهداف “داعش” للمدنيين العراقيين، ولكنها مع ذلك تعاونت معه.
وقد أدّى التوسّع الإقليمي والسيطرة غير المسبوقة على الأراضي ل”الدولة الإسلامية” من العام 2011 إلى العام 2014 إلى توليد موارد واسعة وجاذب للمقاتلين. ونتيجة لذلك، فقد طغى “داعش” على الجماعات العراقية السنية الأخرى، مُستوعِباً أو هازماً المنظمات المتنافسة وإجبار الأخرى على الإختباء. ومع تناقص وإنخفاض نجومية “داعش” الآن، فإن هذه الجماعات قد تُعيد تشكيل نفسها. كما يُمكن لبعضها أن تُقدِّم بديلاً أقل تطرفاً من “داعش” في المناطق السنية، آخذة عبء تحدّي النفوذ الإيراني، ومجموعات الميليشيات الشيعية، والتهميش السياسي المتصوَّر للسنة.
فعلى سبيل المثال، كان “جيش رجال الطريقة النقشبندية” ثاني أكبر مجموعة متمردة في العراق في ذروته. وقد وفّر التنظيم واالتمويل والاستخبارات لمجموعات مسلحة أخرى، بما في ذلك تنظيم “القاعدة في العراق”، و”الوية ثورة 1920″، لتنفيذ هجمات. وشكّل أيضاً المجلس العسكري العام للثوار العراقيين مع “ألوية ثوار 1920” ومجموعات أخرى. وعلى الرغم من إدانة “جيش رجال الطريقة النقشبندية” لإستهداف تنظيم “الدولة الإسلامية” للعراقيين، إلا أنه بقي يقدم دعماً حاسماً لتنظيم “داعش” في إستيلائه على الفلوجة والموصل في العام 2014. وبعد الموصل، إختلف تنظيم “الدولة الإسلامية” و”جيش رجال الطريقة النقشبندية”، وأرغم الأول الجماعة الثانية على الإختباء. ومع ذلك، فقد أصدر “جيش رجال الطريقة النقشبندية” في أواخر العام 2016 نداء لمقاومة تنظيم “الدولة الإسلامية” في الموصل، مما يشير إلى أنه قد يكون الآن يعد العدة للعودة إلى موقع أكثر بروزاً.

تكتيكات حرب عصابات

بعدما فقد سيطرته الأرضية في العراق، من المرجح أن يعود تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى جذوره كجماعة تمرد محلية غير إقليمية. وقد لوحظ هذا التحوّل التكتيكي في العديد من الهجمات الأخيرة في العراق، بما في ذلك سلسلة من الهجمات الليلية في تكريت التي قتل فيها 34 شخصاً. وقد تم تصميم هذه الهجمات جزئياً لتحويل الموارد من المعركة في الموصل، ولكن أيضاً للإشارة إلى تحوّله نحو تكتيكات حرب عصابات. كما حذّر مسؤول كبير في إدارة مكافحة الإرهاب والمخابرات الكردية من أن “داعش” سوف ينتقل على الأرجح من المدن إلى الصحارى والجبال، ومن المرجح أن يستخدم جبال حمريم كقاعدة لعملياته. وعُلِمِ أن مئات من مقاتلي “داعش” إنتقلوا من الموصل إلى جبال مكحول بالقرب من مدينة بيجي. ووفقاً للنائب العراقي زاهر طاهر، تشير تقارير المخابرات إلى أن أكثر من 1100 مقاتل من تنظيم “الدولة الإسلامية” وصلوا إلى محافظة ديالى، وهي موقع محتمل لجبهة حرب عصابات ل”الدولة الإسلامية”.
وقد أوجدت الخسائر الإقليمية التي تكبّدها تنظيم “داعش” مساحة وفرصة لتنظيم “القاعدة”، كما للجماعات المُسلّحة الأخرى، الذي من المرجح أن يكون يخطط للعودة إلى العراق. ومثل العديد من الجماعات العراقية السنية، لم يوافق تنظيم “القاعدة” على إستهداف “داعش” للعراقيين (مفضّلاً إستهداف الأعداء “الخارجيين”، مثل الولايات المتحدة، على العراقيين) حتى عندما كانت المجموعتان متحالفتين وتابعتين. وعلى هذا النحو، قد يسعى إلى إقامة تحالفات مع مجموعات التمرد المحلي، مثل “جيش رجال الطريقة النقشبندية” أو الجماعات الأخرى التي قد تنشأ أو تؤكّد نفسها. وعلى الرغم من أن تنظيمي “القاعدة” و”داعش” كانا خصمين منذ إنقسامهما الرسمي في العام 2014، فمن الممكن أن يتعاونا مرة أخرى في أعقاب الخسائر الإقليمية ل”الدولة الإسلامية”. وأشار نائب الرئيس العراقي إياد علاوي الى أن مثل هذه المناقشات تجري فعلياً بين “القاعدة” و”داعش”.

عوامل التطرف باقية

يعود صعود تنظيم “الدولة الإسلامية” في الغالب إلى عوامل زرعت التضاريس السياسية لمقاومة سنية. إن تفكيك “الخلافة” المُفترَضة لتنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق لم يفعل شيئاً يُذكَر لإزالة جذور التمرد، بدلاً من ذلك، قد يصبح أكثر وضوحاً وتأكيداً. إن رئيس الوزراء السابق المالكي، الذي أثارت حكومته الإنقسامية الإضطرابات السنية، ترشّح في نيسان (إبريل) لرئاسة التحالف الوطني العراقي، أكبر حزب سياسي في العراق، ويمكن أن يعود لاحقاً إلى رئاسة الوزراء.
من ناحية أخرى، لا يزال النفوذ الإيراني في السياسة العراقية قوياً، وميليشيات الحشد الشعبي التي يسيطر عليها الشيعة تتجاوز الآن أكثر من 100 ألف مقاتل، وبعضهم توجهه إيران، وهي مسؤولة عن إنتهاكات لحقوق الإنسان ضد السنة. وبالإضافة إلى ذلك، لقد دُمّرت أجزاء كبيرة من المناطق السنية، فضلاً عن المناطق الكردية في العراق، وتشرَّد أكثر من ثلاثة ملايين عراقي، مما أدى إلى إضطراب وفوضى قد يزيدان من حدّة التطرف.
وبما أن هيمنة “داعش” الإقليمية في العراق قد وصلت إلى نهايتها، فإن مستقبل الجماعات المسلحة السنية يعتمد إلى حد كبير على مدى شمل ودمج النظم السياسية والأمنية العراقية للجماعات السنية والمجموعات الأخرى، وإلى لامركزية السيطرة على المقاطعات والمناطق. وإذا لم يتحقق ذلك، فإن الموجة التالية من حرب العصابات ستُحدَّد بقدرة الجماعات السنية المُسلّحة على إعادة تشكيل شبكاتها وتوسيعها وقدرة قوات الأمن العراقية على الإنخراط في عمليات مكافحة التمرّد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى