لماذا إشترت المملكة العربية السعودية أكبر مصفاة للنفط في أميركا الشمالية؟

تسعى شركة أرامكو السعودية إلى ضمان السيطرة على أسواق المصب في الخارج بعدما سيطرت على سوق المنبع المحلية ضمن خطة واسعة النطاق التي لم تُجارِها فيها أية شركة مملوكة للدولة من قبل. وذلك إستعداداً لطرح أسهم الشركة قريباً في الأسواق المالية.

شركة أرامكو: خطتها طموحة لم يسبقها إليها أحد

واشنطن – محمد زين الدين

مصفاة “بورت آرثر” في تكساس هي أكبر مصفاة نفط في أميركا الشمالية، وإعتباراً من أول أيار (مايو) الجاري صارت تابعة ومملوكة للمملكة العربية السعودية. بشطحة قلم، إستحوذت شركة “أرامكو” العملاقة للنفط المملوكة للدولة السعودية على ملكية مئة في المئة من الميناء، مما عزّز وصولها إلى سوق الطاقة الأميركية المُربِحة في وقت حرج.
ويقول خبراء الصناعة أن صفقة أيار (مايو) هذه هي أحدث ألعاب القوة لشركة أرامكو قبل الإكتتاب المُرتقَب في العام المقبل. ولكنها تكشف النقاب عن إستراتيجية الشركة السعودية الأوسع نطاقاً التي لم تنتهجها أي شركة نفط أخرى مملوكة للدولة حتى الآن: شراء مصافٍ للتكرير في جميع أنحاء العالم لضمان الوصول إلى المستهلكين بشكل ثابت بغض النظر عن الأسعار.
في الصفقة الأخيرة التي تمّت في اليوم الأول من أيار (مايو) الحالي، إكتسبت أرامكو المُلكية الكاملة ل”بورت آرثر” و 24 محطة توزيع، وهذا أمر جاذب للمستثمرين الذين يتطلعون إلى الإكتتاب العام. وقبل ذلك، أقدمت الشركة السعودية على شراء حصة 50 في المئة من أسهم المصفاة التي تملكها شركة النفط الهولندية – البريطاينة العملاقة “رويال داتش شل”. ويمكن لمصفاة “بورت آرثر”، التي يُشار إليها ب”جوهرة تاج” صناعة النفط الأميركية، معالجة وتكرير 600 الف برميل من النفط يومياً.
ومن المقرر أن تصبح “أرامكو” شركة عامة في العام المقبل، وتأمل الحكومة في أن يصل صافي الإكتتاب العام إلى 2 تريليوني دولار – وهو أكبر إكتتاب عام في التاريخ – ليحقق بعض المال اللازم بشدة للمملكة. وقال أندرو هولاند، خبير الطاقة في مشروع الأمن الأميركي الذي يتخذ من واشنطن مقراً له: “إن صفقة “بورت آرثر” هذه لها علاقة بإستعداد السعوديين للإكتتاب العام حيث يحاولون زيادة تقدير قيمة أرامكو بأقصى ما يمكن قبل خصخصتها”.
الواقع أن المملكة العربية السعودية والدول البترولية الأخرى تشعر كلها بالألم الإقتصادي والإجتماعي من إنخفاض أسعار النفط القياسية، مما يضغط على تدفقاتها الثابتة من الإيرادات الحكومية. وتُعَد السوق الأميركية إحدى النقاط القليلة المُشرِقة بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية، التي تُعتبر ثاني أكبر مورد نفط إلى الولايات المتحدة بعد كندا. وقد صدّرت المملكة الخليجية 1.3 مليون برميل من النفط الخام يومياً الى أميركا فى شباط (فبراير) الفائت بزيادة 32 فى المئة عن العام الماضي.
من ناحية أخرى، هذه ليست أول مصفاة تكرير تشتريها أرامكو، ولن تكون الأخيرة. فقد إشترت الشركة السعودية مصافي تكرير في الصين واليابان وإندونيسيا وكوريا الجنوبية، وتقوم حالياً بإستكشاف مشاريع جديدة في ماليزيا والهند.
“إن ذلك جزء من مخطط كبير”، يقول جان فرانسوا سيزنيك، وهو من قدامى خبراء صناعة الطاقة منذ 25 عاماً، ويحاضر حالياً في جامعة جورجتاون. وبإعتبارها شركة النفط الوحيدة المملوكة للدولة في أكبر دولة بترولية في العالم، فإن شركة أرامكو تسيطر بشكل قوي على أعمالها في أسواق المنبع، وهي الآن تعمل للسيطرة على أسواق المصب، كما يقول. ويتابع: “إنهم يخلقون قاعدة تحميل للطلب على إنتاجهم من النفط الخام، حيث سيكون للنفط السعودي دائماً منفذ لبيعه بغض النظر عن الأسعار”. مضيفاً: “أعتقد أنها استراتيجية رائعة … لا يبدو أن هناك شركات وطنية أخرى لديها الإستراتيجية عينها”.
قد تبدو سيطرة شركة تابعة للدولة السعودية على أكبر مصفاة أميركية وكأنها صداع للأمن الوطني، لكن الخبراء يقولون إن الأمر ليس كذلك. المشكلة هي بالأحرى لا تعدو كونها تصوراً.
وقال باد كوت، المحلل السابق للطاقة في وكالة الإستخبارات المركزية (سي آي إي)، والآن مع مركز الأبحاث “أطلنتيك كانسيل” ومقره واشنطن: “إن البصريات ليست جيدة. لكن عولمة صناعة النفط والإعتماد المتبادل قد يهدّئ أي ذعر”، مضيفاً بأن شركة أرامكو لن تخاطر على الأرجح بالوصول إلى الأسواق الأميركية لمكاسب سعودية سياسية. والعلاقات الأميركية مع المملكة العربية السعودية أفضل بكثير من غيرها من الدول البترولية في جميع أنحاء العالم، مثل إيران وروسيا وفنزويلا.
وقال هولاند: “إنه على عكس شركات الطاقة الروسية المملوكة للدولة التى يستخدمها الكرملين كسلاح جيوسياسي حرج ضد االدول المجاورة الجائعة للطاقة، فان أرامكو لم تضع ابداً السياسة فوق المصالح التجارية. والأسرة المالكة السعودية، التي تسيطر على جميع جوانب حكومة البلاد، غائبة بشكل واضح عن قيادة أرامكو”. كما قال سيزنيك: “لا يوجد احد من أفراد العائلة المالكة في ارامكو السعودية. وليس حتى في مجلس الإدارة”.
بيد أنه إذا كانت هناك مخاوف بشأن الصفقة، فيمكن معالجتها من خلال لجنة الإستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، وهي لجنة مشتركة بين الوكالات التي تتمتع بصلاحية وقف المعاملات الأجنبية التي تهدد الأمن القومي الأميركي.
من جهته يبدو أن الرئيس دونالد ترامب قد تراجع عن الوعود المتكررة لحملته الإنتخابية لفطم الولايات المتحدة من الطاقة الأجنبية. وفي خطب الحملة، تعهد ترامب بالحصول على الإستقلال من “خصومنا وكارتلات النفط” (إشارة على الأرجح إلى منظمة الدول المصدرة للنفط، التي تهيمن عليها السعودية)، وهدد بوقف واردات السعودية من النفط الخام إذا لم تبذل الرياض جهداً أكبر لمكافحة “داعش”.
ومنذ ذلك الحين تراجع ترامب عن تلك التصريحات، ويبدو أن العلاقات الأميركية – السعودية تزدهر على أساس الاجتماعات الثنائية الأخيرة. لذلك، على الأقل حتى الآن، قد تكون صفقة أرامكو الأخيرة مُربحة للجانبين في واشنطن والرياض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى