ليبيا: هل صار السلام ممكناً بعد محادثات أبو ظبي؟

بقلم كابي طبراني

في أوائل الشهر الجاري إستضافت أبوظبي أول لقاء وجهاً لوجه بين فايز السراج، رئيس الحكومة الليبية المدعومة من الأمم المتحدة ومقرها طرابلس، واللواء خليفة حفتر، قائد القوات المسلحة الليبية المدعوم من قبل برلمان طبرق ومقرها بنغازي. كان هذا اللقاء إختراقاً هندسته البعثة الديبلوماسية الإماراتية الناشطة، التي تسعى إلى إيجاد تسوية سياسية عملية في ليبيا. لقد حاولت سابقاً القوى الدولية والبلدان الإقليمية، بما فيها مصر وتونس والجزائر، تسهيل مثل هذا الإجتماع لكنها فشلت.
لا يعترف السرّاج ولا حفتر بشرعية كلٍّ منهما بالأخر، في حين يدّعي الإثنان الشرعية، على أساس الدعم الذي يتمتع به كل جانب في شرق البلاد أو غربها.
مع ذلك، إن حقيقةَ أن الإجتماع قد عُقد إنما تدلّ على أن كل طرفٍ يعترف ضمناً بشرعية الآخر، رغم أن الأمر قد يُمكن تفسيره سياسياً.
تحدّثت مصادر مُقرَّبة من الجانبين عن أهمية الإيجابية التى سادت بين الرجلين. وقال السراج بعد ذلك إنه إتفق مع حفتر على ضرورة التوصّل إلى تسوية سلمية، والإمتناع عن إستخدام القوة، والتعاون على إعادة تنظيم جيش ليبي موحَّد تحت قيادة مدنية، والمساعدة على تخفيف العبء الإقتصادي على الليبيين العاديين.
والسؤالان المهمّان الآن هما: هل يتمتّع الجانبان بالقدرة اللازمة لتحقيق السلام في بلد تُسيطر عليه الميليشيات؟ وما مدى جدّيتهما في التخفيف من وطأة الحالة الصعبة المتزايدة التي يعانيها الليبيون العاديون في كل يوم؟
الجنرال حفتر شخصية مُهيمنة في شرق ليبيا ويدعمه برلمان مُنتَخَب. كما يحظى بتأييد جماهيري واسع النطاق، بفضل نجاحاته العسكرية على مدى السنوات الثلاث الفائتة، حيث حرّرت قواته بنغازي وحققت سلاماً جزئياً. كما حقق تقدّماً عسكرياً فى جنوب وغرب ليبيا بعد السيطرة على محطات النفط الإستراتيجية هذا العام. ومع ذلك، فإنه لا يقبل بالإتفاق السياسي الليبي الذي جرى بوساطة الأمم المتحدة، والذي نصّب السرّاج رئيساً لحكومة الوفاق الوطني.
من جهتها فشلت حكومة الوفاق الوطني حتى الآن في تحقيق الكثير، وتحظى بدعم شعبي قليل، لأنها تفتقر إلى القوة العسكرية، وبالكاد يُمكنها السيطرة على العاصمة طرابلس. وتستند قوتها إلى الدعم العام الذي تحظى به من المجتمع الدولي. وقد إعترفت دولٌ عدة بها بإعتبارها الحكومة الشرعية الوحيدة في ليبيا. وبالفعل، تمكنت القوات التي تدّعي الولاء لها من تحقيق بعض الإنتصارات ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في سرت في أواخر العام الماضي. والواقع أن تلك القوات لا تخضع فعلياً لسيطرة حكومة الوفاق الوطني، بل تُهيمن عليها ميليشيات مصراتة.
في حين كان هناك شعور بالتفاؤل بين الليبيين بأن الإجتماع في أبو ظبي قد يؤدي إلى مزيد من الحوار ويُمكنه أن يحقق نوعاً من التسوية، فإن هناك مُتشددّين في كل من شرق وغرب ليبيا الذين لا يرغبون في تحقيق أي نجاح على الإطلاق، لأن وجودهم يتعلق على ذلك.
تُدرك الجماعات المسلّحة بأن أي تسوية سياسية ستؤدي حتماً إلى إنشاء حكومة مركزية أكثر فعالية، يدعمها جيش أقوى. والنتيجة الحتمية لذلك ستكون تقلّص مجال النفوذ لتلك الميليشيات.
القوات الإسلامية في غرب ليبيا على وجه الخصوص هي عدوة لدودة فعلياً للجنرال حفتر، وبدرجة أقل، لحكومة الوفاق الوطني. وهي ليست على إستعداد لقبول أي اتفاق قد يجعلها خارج المعادلة.
الشيخ الصادق الغرياني، المفتي الكبير للمجلس الوطني الإنتقالي منذ 2012 الذي كان أيضاً متعاطفاً سياسياً مع الإسلاميين، أعلن جَهارةً عن معارضته لأي إتفاق قد ينشأ عن المناقشات بين حكومة الوفاق الوطني والجنرال حفتر.
لقد كان هذا الشيخ داعماً قوياً لمختلف الجماعات الإسلامية التي كان يقاتلها الجنرال حفتر في بنغازي منذ العام 2014. وكان يطلق عليها لقب “الثوار”، حتى حين كان بعضها يدعم علناً تنظيم “الدولة الإسلامية” والجماعات الإرهابية الأخرى.
الواقع أن الخطوة التالية التي يُمكن إتخاذها الآن هي محاولة تعديل الإتفاق السياسي الليبي بطريقة تُقدِّم الضمانات اللازمة إلى الجنرال حفتر، مع الحفاظ على الجوهر العام للإتفاق بإعتباره التسوية المقبولة عموماً.
لا يزال يتعيّن الإنتظار لرؤية ما إذا كان هذا الجهد الديبلوماسي الحالي مستعداً للإستمرار للتوصل إلى إتفاق أكثر قابلية للتطبيق. ولكن مع النجاح الكبير الذي تحقق في عقد مثل هذا الإجتماع حتى الآن، ليس هناك سبب يمنع إمكانية حدوث هذا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى