هل تقود “معركة الأمعاء الخاوية” مروان البرغوثي إلى الرئاسة الفلسطينية؟

“معركة الأمعاء الخاوية” هي حملة يقودها الأسرى الفلسطينيون في سجون إسرائيل من خلال إمتناعهم عن تناول الطعام في إضراب عن الأكل عام ومفتوح الأجل، حيث يُمارسون من خلالها سياسة الضغط على إدارة السجون من أجل تحقيق مطالبهم. ولكن على الرغم من أن الإضراب عن تناول الطعام الذي أُعلن في 16 آذار (مارس) الجاري هدفه المعلن تحصيل الحقوق فإن هدفه الخفي هو سياسي فلسطيني داخلي كما يوضح التقرير التالي:

الرئيس محمود عباس: من يخلفه؟

بيروت – مازن مجوّز

أكثر من ألفٍ وخمسمئة معتقل فلسطيني في السجون الإسرائيلية بدأوا في أواسط نيسان (إبريل) الجاري إضراباً عن الطعام بدعوة وقيادة مروان البرغوثي، العقل المُدبّر لحملة “فتح” خلال الإنتفاضة الثانية والذي حكمته المحكمة الإسرائيلية بالسجن مدى الحياة. وقد كتب البرغوثي في صحيفة “نيويورك تايمز” في 16 نيسان (إبريل) الجاري بأن الهدف من الإضراب هو “السعي إلى وضع حدٍّ” لمختلف الممارسات الإسرائيلية في السجون، مثل الحدّ من الزيارات العائلية والوصول إلى الهواتف. في الواقع، قد يكون لديه سبب آخر لحملته: الرغبة في أن يُصبح الرئيس الفلسطيني المُقبل.
الواقع أنه بين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، فإن الإضراب عن الطعام أمر شائع، وإن كان نادراً ما يحدث على هذا النطاق. وعادة ما يُعلِن أحد السجناء الإضراب عن الطعام ويبقى مُنقطعاً عن الأكل لأشهر الأمر الذي يحفز دعماً فلسطينياً واسعاً. وقد أدّت الإضرابات السابقة عن الطعام إلى نزول آلاف المتظاهرين إلى الشوارع. الحقيقة أنه ليست هناك قضايا كثيرة تؤثّر عاطفياً في المجتمع الفلسطيني كقضية الأسرى في السجون الإسرائيلية. خلال الجولة الأخيرة من مفاوضات السلام، في فترة 2013-2014، طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس إسرائيل بإطلاق سراح السجناء على دفعات طوال المحادثات. وجزء كبير من النفوذ الذي تتمتّع به حركة “حماس” في الشارع يعود في نهاية المطاف إلى حقيقة أنها إستطاعت الضغط للإفراج عن أكثر من ألف سجين فلسطيني مقابل الإفراج عن أسير إسرائيلي واحد في العام 2011.
وقد شارك البرغوثي نفسه في إضرابات للسجناء من قبل، لكنه لم يُنظّم أبداً واحداً بهذا المستوى. وعلى الرغم من أن قلةً قد تشكّك في إلتزامه بالقضية الفلسطينية، فإن دوافعه الرئيسية هنا تبدو سياسية. وبما أنه يدخل السنة ال13 من فترة رئاسية مدتها أربع سنوات، فقد أثبت محمود عباس أنه بارع بشكل خاص في إبعاد منافسيه. ومن دون خلافة واضحة له، فقد سمح الرئيس الفلسطيني لطموحات مُختلفة بالعمل، بالخفاء والعلن، لملء الفراغ الذي سيتركه رحيله النهائي. وفيما شاهد مسار اللعبة عن بعد من خلف جدران السجن، فقد تعلّم البرغوثي كثيراً من منافسيه.

مشهد المعارضة

حاول بعض المتنافسين تحدّي عباس علانية. وكانت هذه هي إستراتيجية رئيس الأمن السابق في غزة محمد دحلان. إن المنافسة بين دحلان وعباس سيئة السمعة في السياسة الفلسطينية. وينبع الدم السيئ بين الرجلين من سنوات من التنافس بين الأجيال الذي غذّاه تحدّي دحلان الأصغر سناً لموقع عباس. لقد بدأت هذه التوترات بعدما أصبح عباس رئيساً للسلطة الفلسطينية في العام 2005. فبعد الحرب الأهلية الفلسطينية في العام 2007، لامَ عباس دحلان على فقدان غزة لقوات “حماس”. بعدها بدأ دحلان تحدّي عباس سياسياً. وبحلول العام 2011، أقدم الرئيس الفلسطيني على فصل دحلان من حركة “فتح” بشكل سريع بتهمة الفساد، ولجأ الأخير إلى المنفى في الإمارات العربية المتحدة، حيث يقوم منها بضخ الأموال إلى عصابات محلية وجماعات مسلحة في مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية على أمل إثارة الإضطرابات.
لكن دحلان لا يزال في البرية السياسية. وقد تراجعت حظوظه في الفترة الأخيرة، وبشكل ملحوظ خلال شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي في مؤتمر “فتح”، حيث إجتمع مسؤولو الحركة لإنتخاب هيئات قيادية جديدة. وقبل المؤتمر، قام عباس بتطهير الحركة من أنصار دحلان، وإستبعد ما يقرب من ألف شخص من المندوبين المشاركين. ثم أُعيد إنتخابه “بالإجماع” رئيساً للحركة. في القيام بذلك، فلم يُزل عباس أنصار دحلان فقط من أجهزة الحركة، لكنه عزّز أيضاً قبضته على السلطة. لمواجهة ذلك، عقد دحلان مؤتمرات خاصة في مصر، لكنه لم يُنجز شيئاً يُذكر. ولا يزال دحلان هو الزعيم غير الرسمي للمعارضة، ولكن مع تقليص قائمة حلفائه، فقد فشلت مقاربته إلى حد كبير.
من ناحية أخرى حاول خلفاءٌ مُحتَمَلون آخرون إتّباع نهجٍ أكثر تصالحية. وبتعهدهم بدعم عباس وحركة “فتح”، فقد حاولوا أن يُظهروا للشعب الفلسطيني أن تطلعاتهم وطنية وليست شخصية. والمدير الرئيسي لهذا النهج هو جبريل الرجوب، رئيس الأمن في الضفة الغربية منذ فترة طويلة والرئيس الحالي للإتحاد الفلسطيني لكرة القدم. كان الرجوب إختلف مع عباس في الماضي، ولا شك في أن عينيه منصبتان على منصب الرئاسة، لذلك أخفى إنتقاداته وحوّلها إلى تفانٍ وإخلاص لعباس والحركة، وأصرّ على أن تركيزه هو على تنشيط وإنعاش “فتح”. وبسبب هذا النهج إلى حدٍّ كبير، جاء في المركز الثاني في الإنتخابات الداخلية للحركة في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت.
ويبدو أن البرغوثي قد إعتمد هذا النهج الثاني. وبفضل رتبته العالية في “فتح” ووضعه كسجين، فقد حوّل نفسه إلى شخصية وطنية. في داخل الحركة، فإن وضعه كقائد عسكري خلال الانتفاضة الثانية له نفوذ بين الرتب والأجهزة الأمنية. وقد جاء في المرتبة الأولى في عدد الأصوات لأعلى هيئة في الحركة، اللجنة المركزية، في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت. وفي الإنتخابات نفسها، جاءت زوجته فدوى في المرتبة الأولى في الجهاز التشريعي للحركة. ويرى الفلسطينيون فيه أنه شخصية مُوَحِّدة إلى حد كبير لأنه يتعاون مع الأطراف المتنافسة في “حماس” و”الجهاد الإسلامي”؛ على سبيل المثال، قام بالتنسيق معهم من أجل إنجاح إضراب السجناء الحالي. وفي إستطلاعات الرأي، يحظى بإنتظام بدعم واسع النطاق. وكان إستطلاع للرأي أُجري في كانون الاول (ديسمبر) الماضي وَضَعه في المرتبة الأولى حيث فاز خلاله في إنتخابات رئاسية ثلاثية على عباس وإسماعيل هنية من “حماس”. وعلى الرغم من إنتقاده لقرارات عباس في الماضي، إلّا أنه لم يطعن فيه علناً وصراحة. وبدلاً من ذلك، فقد أعلن أنه سوف يترشح ببساطة لرئاسة السلطة الفلسطينية عندما يتنحّى عباس.
ولكن هذا لا يعني أن عباس لا يعتبر البرغوثي تهديداً لحكمه. في كلٍّ من مؤتمري “فتح” الرئيسيين الأخيرين، إستخدم عباس الإنتخابات الداخلية للحركة لإبقاء حلفاء البرغوثي خارج اللجنة المركزية. وفى وقت سابق من هذا العام، وسط تكهنات بأن عباس سوف يعيّن اول نائب لرئيس الحركة، قال حلفاء البرغوثي ان المنصب يجب ان يُعطى له لأنه حصل على أكبر عدد من الأصوات داخل الحركة. وبدلاً من ذلك، فقد مُنح منصب نائب الرئيس إلى محمود العالول، وهو محافظ سابق لنابلس. وأصبح الرجوب الأمين العام للحركة. ولم يُعطَ البرغوثي أي مركز.
بسبب إبعاده من قبل القيادة، فقد صعّد البرغوثي حملته ليحل محل عباس. إن الإضراب هو سيناريو مربح في كل الأحوال: إما أن تقاوم إسرائيل وترفض مطالبه وينزل الفلسطينيون إلى الشارع لدعم حملته، أو أن إسرائيل تقبل بشروطه ويظهر بمظهر الرجل القوي الذي إستطاع الحصول على تنازلات من الدولة العبرية. وفي كلتا الحالتين، لا يُمكن لعباس وبقية القيادة الفلسطينية إلّا الظهور بمظهر الداعم للبرغوثي والسجناء. وفي الواقع، فقد شارك مسؤولو السلطة الفلسطينية في إحتجاجات لدعم الإضراب، وأفرجوا عن بيانات تتضمن مطالب المُضربين، بل وضغطوا شخصياً على المسؤولين الأميركيين نيابة عنهم.
في مقاله الذي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، كتب البرغوثي أن الإضراب “سيوضّح مرة أخرى أن حركة السجناء هي البوصلة التي تُوجِّه نضالنا”. ويبدو أنها ستكون أيضاً المُحرِّك الذي قد يُمهّد طريقه إلى الرئاسة الفلسطينية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى