ماذا بعد فوز أردوغان في الإستفتاء؟

بقلم كابي طبراني

فيما كان المراقبون يشهدون نتائج الإستفتاء الدستوري التركي يوم الأحد الفائت (16/04/ 2017)، بدا لبضع ساعات قصيرة أن شيئاً مهماً كان يحدث. في جميع أنحاء تركيا، بدا أن أصوات “نعم” التي من شأنها تحويل بلاد أتاتورك من نظام برلماني إلى نظام رئاسي وإنشاء رئاسة تتمتع بقدر كبير من السلطة مع عدد قليل من الضوابط والتوازنات المفيدة، كانت أضعف من التوقعات. وفيما إسطنبول وأنقرة وإزمير – أكبر ثلاث مدن في تركيا وأول معقلين موثوقين ل”حزب العدالة والتنمية” خلال فترة حكمه التي دامت 15 عاماً تقريباً — صوّتت “لا”، كانت هناك لحظة وجيزة حيث ظهر أن الرئيس رجب طيب أردوغان سيواجه أول هزيمة حقيقية له. وعلى الرغم من أن التصويت ب”نعم” فاز وتعديلات الدستور مرّت أخيراً، فإن كثيرين في معسكر المعارضة ومؤيديها أخذوا العزاء من هامش النصر الضيِّق ورفض العاصمة التركية مع أكبر مدينة (مدينة أردوغان) جدول أعمال الحكومة، حيث حداهم الأمل في أن يثير ذلك إستعداداً جديداً لدى فريق أردوغان لإعادة النقاش والتوصل إلى حل توفيقي.
ويبدو أن هذا الأمل ليس في محله. إن الإنتصارات الضيِّقة ليست جديدة بالنسبة الى أردوغان و”حزب العدالة والتنمية” اللذين عرفت مقاعدهما فى الجمعية الوطنية الكبرى إنخفاضاً خلال ثلاثة إنتخابات برلمانية متتالية”، وهبطا تسع نقاط مئوية كاملة من إنتخابات حزيران (يونيو) 2011 الى جولة حزيران (يونيو) 2015 . بعد إنتخابات العام 2015، لم يغيّر أردوغان “لحنه” بل ضاعفه، حيث شارك في حملات “حزب العدالة والتنمية” على الرغم من أن الدستور يمنعه من القيام بذلك، وتعدّى على خصومه السياسيين، وكثّف حملته ضد حزب العمال الكردستاني من أجل تأكيد الحجة القائلة أنه بمجرد تأييد ودعم أقوى ل”حزب العدالة والتنمية” سيعود الإستقرار إلى تركيا. إن آثار هذا الانتصار الأخير سيكون مشابهاً. لن يكون أردوغان مهتماً بأحدث أدلة على الإستقطاب التركي. بل سيبذل كل ما في وسعه لتعميق هذا الإستقطاب.
كانت الفترة التي سبقت الإستفتاء نموذجاً مُصغّراً لكل شيء أدّى إلى إستبدال الديموقراطية التركية بإستبداد تنافسي. الإنتخابات نفسها لم تكن حرة أو عادلة، حيث أن الحكومة فعلت كل ما في وسعها لقمع أصوات الأكراد في جنوب شرق البلاد، وسجن سياسيي المعارضة، وضمان أن وسائل الإعلام تُعطي تغطية حصرية تقريباً إلى أنصار “نعم”، والإعتداء على أو إعتقال أنصار “لا”. وجاء هذا كله على خلفية ما حدث بعد محاولة الإنقلاب الفاشلة في 15 تموز (يوليو) التي تبعها وضع مئات الآلاف في السجون وتطهير موظفي الحكومة. وقد دأب أردوغان و”حزب العدالة والتنمية” على القول بأن التصويت على تعديل الدستور وإنشاء رئاسة تنفيذية أمرٌ بالغ الأهمية من أجل كسب الكفاح والمواجهة ضد متآمري إنقلاب أتباع الداعية فتح الله غولن و”حزب العمال الكردستاني”، وأن التصويت ب”لا” يشبه الإقتراع للإرهابيين. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها أردوغان لوضع اليد على نطاق العملية الإنتخابية وتحديد النتائج سلفاً، فضلاً عن الأعباء الهائلة التي وضعتها الحكومة على فريق “لا”، فإن أردوغان فاز بفارق ضئيل (51.3% مقابل 48.7%). الآن وقد حصل على فوزه، فإنه لن يغيّر فجأة مساره، ويقرر أن إستراتيجيته حتى الآن كانت خاطئة أو ضارة بالبلاد، مما أدى إلى إنتصار صغير بدلاً من إنتصار واسع كبير. وسوف يستنتج أن المشكلة هي أنه لم يذهب بعيداً بما فيه الكفاية في قمعه.
إن تركيا على وشك أن تصبح أكثر انقساماً من أي وقت مضى. إن الغالبية صوّتت على قلب نظام الحكم في تركيا، حيث وضعت صلاحيات السلطة التشريعية والقضاء في يدي شخص واحد، وحوّلت أردوغان إلى سلطان والبرلمان إلى بلاطه، وأبقته في منصبه لعقد آخر على الأقل. وتساءل الكثيرون في فريق “لا” عن شرعية التصويت حالما أعلنت الحكومة فوزها، وطعنت المعارضة فعلياً بنتائج الإستفتاء. وهذا من شأنه أن يضرّ بما فيه الكفاية بالنسيج السياسي والإجتماعي للبلد الذي تتمتع مؤسساته بوضعية صحية جيدة، ولكن في تركيا – حيث قضت الحكومة على إستقلال القضاء وأزاحت البيروقراطية – لديها القدرة على إنتاج إنقسام كامل ونهائي بين أولئك الذين يدعمون شرعية الحكومة وأولئك الذين لا يفعلون ذلك. لا أحد من مؤيدي المعارضة يعتقد أو يؤمن بإستقلالية المحكمة التي تُعلن أو ستُعلن عدم وجود مخالفات في الإنتخابات أو عدّ الأصوات المشبوهة، وأي شخص صوّت ب”لا” لن يكون لديه أي صبر لسماع إعلان أردوغان بأنه إنتصر على قوى الإرهاب والهيمنة الأجنبية والفوضى. إن القائد المسؤول هو الذي يفعل كل شيء لخفض النيران وتوحيد الصفوف، ولكن سجل أردوغان يوحي بأن إستجابته ستأتي مختلفة.
بصرف النظر عن الفترة الوجيزة عندما كانت إستدامة “حزب العدالة والتنمية” غير واضحة، فقد قضى أردوغان حياته السياسية بأكملها في تعزيز الإنقسامات التي يمكنه إستخدامها لصالحه. وإن فقدان إسطنبول وأنقرة سوف يقنعه فقط بأنه يجب أن يكون أكثر يقظة في بحثه عن “وحوش” لتدميرها، وأن التصويت كان قريباً جداً لأن غولن والأكراد، والمتعاطفين معهما من وسائل الإعلام، وأنصارهما الأجانب لم تتم إزالتهم بشكل كاف من تركيا. إن القمع ضد الصحافيين والأكاديميين والموظفين الحكوميين غير الموالين على وشك أن يزداد سوءاً ولن يتحسّن. وسوف يصوِّر أردوغان أي شخص لا يؤيد النظام الرئاسي الجديد الذي صوّت عليه الشعب التركي كعدو للبلاد الذي يخدم سادةً خائنين. وسيؤدي التقارب في نتيجة الإستفتاء إلى تجديد المبادرة للقضاء على الأعداء، الحقيقيين والمتخيَّلين، بدلاً من إعادة النظر في الأسباب الحقيقية التي جعلت التصويت قريباً جداً. وبدلاً من السعي إلى سد الفجوة، سوف يحاول أردوغان دفع خصومه إلى القعر.
في بلد تعمل فيه مؤسسات ديموقراطية فعّالة، فإن إستقطاباً على هذا النحو يمنع فريقاً من القيام بما يريد. إن المؤسسات تعزّز الحلّ التوفيقي وتكسر سلطة الحكومة الأحادية الجانب. تركيا ليست مثل هذا البلد.
أردوغان ليس شهماً في النصر أو في الهزيمة، والإستفتاء قدّم له كلاهما. قد يأتي ظلام أكثر قتامة قبل الفجر، لكن بالنسبة إلى تركيا، فإن الظلام الأخير لن يفعل سوى تقريبها من منتصف الليل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى