الجغرافيا السياسية تحرّك روسيا أقرب إلى دولة الإمارات

على الرغم من العلاقات الوثيقة التي تربط دولة الإمارات العربية المتحدة بالولايات المتحدة الأميركية، فإن أبوظبي بدأت أخيراً التطلع إلى روسيا لتوسيع دائرة صداقاتها.

سفير الإمارات في روسيا عمر غباش: دوره مهم في التقارب الإماراتي – الروسي

أبو ظبي – عمار الحلاق

يبدو أن روسيا والإمارات العربية المتحدة تقومان بتطوير علاقات ثنائية فريدة. وقد ظهرت آخر مظاهر هذه العلاقات المتنامية في معرض ومؤتمر الدفاع الدولي، الذي يُعقَد كل عامين، فى شباط (فبراير) الفائت عندما أعلنت موسكو وأبوظبي عن صفقة لإنتاج طائرة مقاتلة من الجيل الخامس في الإمارات. وعلى الرغم من أن البلدين يتعاونان في مجموعة من القضايا الإقتصادية والأمنية منذ سنوات، إلّا أن ذلك كان خطوة لم يسبق لها مثيل.
في كثير من الحالات، تتشارك دولة الإمارات وروسيا في تصورات مُماثلة لمشاكل الشرق الأوسط. وهي تتراوح بين الإرهاب وتطرف الشباب الإسلامي إلى الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، فضلاً عن أفكارٍ للتقارب بين العالمين الإسلامي وغير الإسلامي. إن المخاوف المشتركة حول الإسلاميين الذين يقاتلون فى الحرب الاهلية السورية التي دخلت عامها السابع، لم تُثِر توترات في العلاقات بين البلدين كما هو الحال فى علاقات موسكو مع السعودية وقطر. فى الواقع، فى حزيران (يونيو) الماضي، أشادت رئيسة المجلس الوطني الإتحادي الإماراتي أمل القبيسي بجهود موسكو لتعزيز المفاوضات السلمية فى سوريا. كما أبدت قيادة دولة الإمارات إستعدادها، من حيث المبدأ، للقبول بحلٍ للحرب الأهلية في البلاد، بما فيه مشاركة بشار الأسد، مسلطةً بذلك الضوء على بعض المسافة بين مواقف أبوظبي والرياض. في معرض الطيران والفضاء الدولي في آب (أغسطس) 2015، الذي أُقيم في موسكو قبل شهر واحد من بدء تدخل روسيا العسكري المباشر في سوريا، نسّق مسؤولون إماراتيون وروس إجتماعات مع نظرائهم المصريين والأردنيين لمناقشة الحلول الأمنية الإقليمية.
في هذا العام، في ما يتعلق بسوريا، تعترف أبوظبي بالتأكيد بأن الكرملين يقود المفاوضات بينما تستطيع موسكو فتح خطوط التواصل بين دول الخليج العربي وطهران. في مصر، إنضمّت الإمارات إلى روسيا في دعم حملة الرئيس عبد الفتاح السيسي ضد الجماعات الإسلامية. في العراق، تنسق أبو ظبي وموسكو في مجال مكافحة الإرهاب من خلال تجهيز قوات الأمن العراقية في معركتها ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش). وتُعتبَر ليبيا مهمة بالنسبة إلى البلدين اللذين يساورهما قلق مشترك بشأن مستقبل البلاد المُمزّقة، ويقدّمان الدعم للجنرال خليفة حفتر، الذي يتحالف مع حكومة طبرق التي إنبثقت عن البرلمان المنحل والمدعومة من مصر، والتي تُنافس حكومة الوفاق الوطني المُعترَف بها دولياً في طرابلس.
ويُعتبَر سفير دولة الإمارات في روسيا، عمر غباش، الذي يفهم بعمق مصالح الكرملين، لاعباً رئيسياً في هذه العلاقة. وقد تحدّث غباش علناً حول ضرورة مشاركة روسيا فى تسوية القضايا الإقليمية وتعزيز الإستقرار. وكثيراً ما يدعو إلى زيادة مشاركة موسكو في مواجهة الأزمات الأمنية في الشرق الأوسط وتعزيز الإستقرار الإقليمي. منذ العام 2008، كان غباش محاوراً حيوياً بين أبوظبي وموسكو. ونمت إستثمارات الإمارات في روسيا بمقدار 8 مليارات دولار على مدى السنوات القليلة الماضية، وذلك في جزء كبير منه بفضل عمل السفير الدؤوب.
وترى روسيا أن أفكار غباش لمحاربة سرد “داعش” مفيدة. ويقول بأن محاربة هؤلاء المتطرفين هي مسؤولية عالمية وأن مشاركة جميع الدول أمر ضروري، لا سيما في ما يتعلق بالأفكار، التي تتجلّى بشكل جيد مع الخبراء الروس ذوي الدراية الجيدة في الإسلام في المجتمعات العربية. إن رؤية غباش لروسيا كحضارة مسيحية كبيرة تتناسب مع وجهة نظر أبوظبي بشأن الإعتدال، خصوصاً مع محنة الأقليات المسيحية القديمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كتابه، “رسائل إلى شاب مسلم”، يولّد إهتماماً كبيراً لتعزيز الكفاح ضد التطرف الإسلامي.
يُذكَر ان الإمارات العربية المتحدة وروسيا قامتا أيضاً ببناء علاقة إقتصادية قوية. إن الصادرات الروسية إلى الإمارات هي أساساً سلع أساسية، مثل المعادن الثمينة والأحجار والصلب، فضلاً عن منتجات المعادن الحديدية والآلات والمعدات والسيارات والمواد الكيميائية والأغذية والخشب والورق والكرتون. ومنذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قامت الشركات الروسية العملاقة الرسمية والخاصة بأعمال تجارية في الإمارات وتنافست على بعض مناقصات المشاريع في البلاد. وبالنسبة إلى روسيا، فإن الإمارات تُمثل مركزاً تجارياً جذاباً لإفريقيا وآسيا وأوروبا والشرق الأوسط. كما عززت السياحة العلاقات الثنائية مع أكثر من 600 الف سائح روسي زاروا الإمارات على مدى العامين الماضيين. وفي الوقت نفسه، إستثمرت الدولة الخليجية في قطاعات الغاز والنفط والعقارات والبنية التحتية والخدمات اللوجستية الروسية، وتسعى إلى تعزيز وجودها في قطاع إنتاج الأغذية في روسيا. بالإضافة إلى ذلك، تشترك هاتان الدولتان في إستخراج الموارد الطبيعية، وهما من المراكز التجارية الناشئة في مجال الماس. إن المعرفة الروسية في المعادن الإستراتيجية، والموارد غير المُستَغلّة في سيبيريا، قد تستفيدان من إستثمارات وتمويل الإمارات. وفعلياً تستكشف شركة “دي بي وورلد” (D.P. World) الفرص المُحتملة في الشرق الأقصى الروسي.
ومع ذلك، فإن علاقة روسيا المستقبلية مع إيران والتحالف الوثيق بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، يمكن أن يحدّان من نمو العلاقات بين موسكو وأبو ظبي. والسؤال الذي يطرحه الكثير من المسؤولين الخليجيين هو ما إذا كانت روسيا محايدة حقاً في التنافس السعودي – الإيراني أو أنها تقف إلى جانب طهران وحلفائها الشيعة ووكلائها في جميع أنحاء العالم العربي.
في حين أن موسكو وأبو ظبي تنظران إلى الجماعات الجهادية السنية من خلال العدسة عينها، فإن وجهات نظرهما بالنسبة إلى الفصائل الشيعية / العلوية/ الزيدية في بلاد الشام واليمن تتباعد. إن تعاون روسيا بحكم الأمر الواقع مع “حزب الله”، الذي صنّفته دول مجلس التعاون الست منظمة إرهابية، في سوريا مثالٌ على ذلك. إن قرار روسيا بالإبقاء على سفارتها مفتوحة في صنعاء حتى بعد إستيلاء الحوثيين في أيلول (سبتمبر) 2014 وإستقبال نائب وزير الخارجية الروسي لوفد حوثي في موسكو في كانون الأول (ديسمبر) الماضي يسلّطان الضوء على المسافة التي تُبعد الكرملين عن السعودية / الإمارات بالنسبة إلى الوضع في اليمن. وعلاوة على ذلك، كان من المثير للقلق بالنسبة إلى معظم المسؤولين الخليجيين مشاهدة إستخدام روسيا لقاعدة جوية في شمال غرب إيران في آب (أغسطس) الماضي للعمليات العسكرية في سوريا، والتي أكدت بشكل غير مسبوق قدر التعاون بين موسكو وجمهورية إيران الإسلامية في وقت يعتبر قادة الإمارات هذه الأخيرة بأنها تشكل التهديد رقم واحد لبلدهم.
وكشف تقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست” انه قبل أشهر عدة، رتّبت حكومة الإمارات إجتماعاً فى جزر “سيشيل” بين مؤسس شركة “بلاك ووتر” المقرب من الرئيس دونالد ترامب ومسؤول روسي من دائرة الرئيس فلاديمير بوتين الداخلية لإقامة خط إتصال بين الرئيس الأميركي المنتخب والكرملين، مؤكداً على العلاقات الوثيقة بين ابو ظبي وموسكو. وذكر التقرير ان الإمارات قامت بترتيب الإجتماع في هذه الدولة الأرخبيلية للبحث عن السبل التي يمكن فيها للقادة الأميركيين والإماراتيين إقناع روسيا بالإبتعاد عن إيران، وهو تطور يرغب فيه كل من الإدارة الأميركية والمسؤولين في أبوظبي.
على الرغم من هذا الجهد، فإن قيادة الإمارات تبدو واقعية في فهم وإدراك بأنها لا تستطيع أن تفعل شيئا يُذكَر لعكس إتجاه تعميق علاقة روسيا مع طهران. وقد إختارت أبوظبي بدلاً من ذلك الإستثمار في علاقات أوثق مع موسكو لأنها عازمة على تعزيز جهودها مع القوى العالمية لمكافحة الإرهاب والاستفادة من الفرص الجديدة للتجارة والإستثمار. وبالنظر إلى ما يجب وما تستطيع أن تقدمه هاتان الدولتان في المجالات الجيوسياسية والإقتصادية والطاقة والأعمال الخاصة والمجالات السياحية، فمن المنطقي أن نستنتج أن العلاقات بين روسيا ودولة الإمارات من المرجح أن تنمو بشكل كبير في السنوات المقبلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى