الضربات الصاروخية السورية تضع ترامب في منطقة مجهولة

بقلم كابي طبراني

صار أبو إيفانكا الأميركي بين ليلة وضحاها بطلاً وطنياً لكثير من السوريين المُعارضين للرئيس بشار الأسد. وأبو إيفانكا هو لقب إختاره البعض تحبباً للرئيس الأميركي دونالد ترامب لإطلاقه ضربات صاروخية على مطار الشعيرات العسكري السوري في حمص بعد 72 ساعة من قيام النظام بشن هجوم كيماوي على المدنيين في خان شيخون في محافظة إدلب. وتعكس روح الدعابة “الشَرَفية” الإحساس الواسع بالإبتهاج بين السوريين حول تسديد الولايات المتحدة ضربة في النهاية، وإن كانت رمزية، ضد النظام.
الواقع أن هذه الضربة الواحدة بعثت رسالة مفادها أن سياسة واشنطن على مدى السنوات الست الفائتة يمكن أن تتغيّر. لذا حلّ الفرح، في الوقت الراهن، محل الإحساس العميق باليأس الذي ساد داخل المعارضة في الأشهر الأخيرة، وخصوصاً منذ إستعادة النظام شرق حلب. وجاء فقدان منطقة رمزية وسط خروج العديد من مؤيدي وداعمي المعارضة من المشهد ومكاسب متزايدة للنظام على المستويين العسكري والسياسي.
إن الردود على الضربات الأميركية الصاروخية في سوريا والمنطقة تفتح إمكانات جديدة، وقد تكون الآثار الجانبية لها أكثر دواماً من الهدف المباشر للتدبير العقابي.
أولاً، هناك رد فعل إيجابي محدود حول الدور الأميركي في سوريا الذي نشأ من الرد على إستخدام النظام للغاز الكيماوي السام. وقد يكون هذا الوضع قصير الأجل، لكنه يساعد صانع السياسة الأميركية على إدراك وفهم ما يلزم فهمه لتغيير الطريقة التي يُنظَر بها إلى الدور الأميركي داخل البلاد. وفيما تزيد الولايات المتحدة أثرها بشكل كبير في سوريا، تحضيراً لمعركة الرقة، فإنه يجب عليها تحديد مشاركتها بطريقة مغايرة عن السابق.
إن أميركا تحتاج إلى إنتاج سياسة لسوريا ترتبط بالمرحلة التي وصلت إليها في القتال ضد الجهاديين. إن الرقة، وليست دمشق أو حلب، هي المكان الذي يحدث فيه كشف السياسة السورية. إنها المكان الذي تصطدم فيه مصالح الدول الأجنبية مثل تركيا والولايات المتحدة وروسيا. ويرى النظام أيضاً زيادة مشاركة الولايات المتحدة كتهديد. ومن جهتها تعتبر المعارضة السياسة الأميركية هناك مواتية إما للنظام أو للقوى الراغبة في العمل مع النظام.
يجب على واضعي السياسات في واشنطن أن يفهموا أن إسقاط القنابل والصواريخ من الجو ليس سياسة ولا يحمي المكاسب التي تحققت ضد التطرف. من الضروري إيجاد سياسة للتورط الأميركي في السياسة السورية والتي تضع أيضاً الأسس للتعامل مع معركة الرقة ضد الإرهابيين. هل تريد الولايات المتحدة تسليم الأراضي التي إستولت عليها من “داعش” إلى النظام؟ كيف ستسعى إلى الحفاظ على قدرتها في إملاء أفضل السبل لمنع تنظيم “الدولة الإسلامية” من العودة أو المجموعات الأخرى من ملء الفراغ؟ إن الضربات الجوية قد وضعت على الطاولة خيارات جديدة لم تكن الإدارة الأميركية السابقة على إستعداد للنظر فيها. الواقع أن الولايات المتحدة تخلق مجالاً من النفوذ في المناطق التي يحتلها “داعش” حالياً أو كان يحتلها في السابق على شكل قوس يمتد من شرق حلب إلى العراق وحتى جنوب سوريا. ومن جهته يسعى النظام على نحو متزايد إلى أن يتواجد هناك، لذا سوف يكون على ترامب أن يقرر ما إذا كانت المصلحة الطويلة الأجل لمكافحة الإرهاب تتطلب إعادة هذه المناطق إلى النظام أم لا.
بعبارة أخرى، إن الولايات المتحدة تدخل منطقة مجهولة – مجازياً وحرفياً.
ثانياً، إن البلدان الإقليمية التي تخلّت فعلياً عن قضية المتمردين ضد بشار الأسد قد تعود الآن إلى المشهد. حتى قبل الغارات الجوية، فإن تركيا أدركت بأن روسيا تتلاعب وليست جدية معها في شمال سوريا بعد أن توصل الطرفان إلى تفاهم حول التدخل التركي في الصيف لعرقلة توسع الميليشيات الكردية ومحاربة تنظيم “داعش”. وكان شهر العسل بين البلدين قد إنتهى في الشهر الفائت، عندما عارضت روسيا ومعها النظام في دمشق المزيد من التوسع التركي.
إن عودة داعمي المعارضة في المنطقة، بما في ذلك دول الخليج والأردن، يمكن أن تكون دفَعَتها آفاق تغيير النهج الأميركي في سوريا. وقد أشار مسؤولون خليجيون بالفعل إلى أن التصعيد الأخير قد يؤدي إلى حالة جديدة من اللعب في الطريقة التي يتعاملون بها مع نظام الأسد وإيران في سوريا.
ثالثاً، يمكن أن تساعد الضربات الصاروخية على إبراز السياسة الخارجية التي تخطط لها إدارة ترامب والتي لديها النية والخطة لرد وردع النفوذ الإيراني في سوريا وجيرانها. إن إعادة تنشيط الدعم الإقليمي للمعارضة هو حالياً إمكانية حقيقية، وخصوصاً لمواجهة نفوذ إيران وإزالته في سوريا.
وقد أشارت الجهات الفاعلة الإقليمية إلى أنها ستعود إلى حلبة الصراع إذا كانت الولايات المتحدة تسعى فعلاً إلى تنفيذ مثل هذه الخطة ضد إيران في بلاد الشام. ويمكن أن تكون للضربات الصاروخية نتيجة غير مقصودة لتعزيز وتمكين أولئك المسؤولين داخل فريق ترامب الذين يريدون أن يفعلوا ذلك تماماً.
ولا يرتبط أيٌّ من التغييرات الثلاثة المُحتمَلة أعلاه إرتباطاً مباشراً بأهداف الإنتقال إلى معاقبة نظام الأسد على إستخدامه الأسلحة الكيميائية. وقد تجد أميركا نفسها مضطرة إلى زيادة تعاونها مع روسيا، والتي ستسعى بالتأكيد إلى منع إمكانية وجود سياسة أميركية نشيطة في سوريا.
لكن الضربات الصاروخية تفتح إمكانات جديدة للولايات المتحدة والسوريين المعارضين للنظام وداعميهم في المنطقة – وهي إحتمالات كانت تبدو بعيدة جداً قبل أسبوع فقط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى