هل يستطيع ترامب إنهاء الحرب في سوريا؟

منذ دخول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 كانون الأول (يناير) الفائت وأنظار العالم منصبة عليه، وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، لمعرفة ما إذا كان سينخرط أكثر في حل الصراع السوري وسيتبع سياسة أكثر ديناميكية لإنهائه. التقرير التالي الذي شارك فيه 3 خبراء أميركيين يعطي صورة واضحة عن قدرة الرئيس الجديد بالنسبة إلى إمكانية إيجاد حل للأزمة السورية التي دخلت عامها السابع.

الحرب السورية الأهلية: دخلت عامها السابع

بقلم كولين كاهل، إيلان غولدنبرغ، نيكولاس هيراس*

مع تضاعف عدد القوات الأميركية في شمال سوريا، وربما سيرتفع أكثر مستقبلاً، يتحرك الرئيس دونالد ترامب بقوة بالنسبة إلى تعهده ب”القضاء (على) وتدمير” ما تبقى من تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش). فالقوات الأميركية، التي تدعم تحالفاً من الأكراد والعرب المعروف بإسم “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد)، تقف الآن على مشارف الرقة، عاصمة “الخلافة الإسلامية” التي أعلنها تنظيم “داعش” من جانب واحد. وفي الوقت عينه، زادت إدارة ترامب حدة حملة القصف الجوي والمدفعي ضد الشبكة السورية لتنظيم “القاعدة”، “جبهة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً). لكن الهزيمة الدائمة لل”الدولة الإسلامية” و”القاعدة” ستأخذ أكثر من قوة النيران الأميركية – ستحتاج إلى إستراتيجية واضحة لإنهاء الحرب الأهلية السورية. وما دام الصراع قائماً، سيكون من المستحيل معالجة الدوافع الكامنة وراء التطرف وإعادة توجيه المقاتلين للقضاء حقاً على التهديد الإرهابي.
تركت ست سنوات من الحرب الطاحنة سوريا أرضاً مُمَزَّقة ومُجَزَّأة ومُقَسَّمة بعمق. إلا أن هذا التجزّؤ الشديد يوفّر لإدارة ترامب فرصة للعمل مع روسيا والدول الإقليمية الرئيسية لتخفيف حدة الصراع والتوصل إلى تسوية سياسية دائمة. وسيتطلب القيام بذلك تنسيقاً وثيقاً مع الحلفاء الإقليميين. ولكن، أكثر من أي شيء آخر، فإنه سيتطلب أيضاً من إدارة ترامب أن تفعل ثلاثة أشياء حتى الآن لم تكن حريصة على القيام بها: اللعب بجدية وصلابة أكثر مع موسكو، وتقديم المساعدات الخارجية لسوريا، وإشراك إيران.
لقد قسّمت الحرب السورية البلاد إلى ست مناطق جغرافية، كلٌّ منها تهيمن عليها مجموعة مختلفة من المجموعات المحلية المدعومة من قوى خارجية. نظام الرئيس السوري بشار الأسد – الذي تدعمه إيران و”حزب الله” اللبناني وروسيا والميليشيات الشيعية المُجنَّدة من أفغانستان والعراق وباكستان – يحكم دولة تقع في المنطقة الساحلية والغربية الوسطى من البلاد. وفي شمال غرب البلاد، تشكّل محافظة إدلب موطناً لمعظم المعارضة المسلحة، بما فيها الكتلة المتطرفة القوية التي تقودها “القاعدة”، “جبهة تحرير الشام”. شمال وشرق حلب، قامت القوات العسكرية التركية وقوات المعارضة المدعومة من أنقرة – مع دعم من الولايات المتحدة – بإنشاء منطقة عازلة بمساحة 500 ميل مربع، مع هدفين مزدوجين هما دفع تنظيم “الدولة الإسلامية” بعيداً من الحدود التركية ومنع الأكراد السوريين من ربط الأراضي التي يسيطرون عليها لتشكيل دولة مستقلة. وفي مناطق أخرى من الشمال، دعمت واشنطن الأكراد أنفسهم الذين تحاربهم تركيا مع بعض المقاتلين العرب الذين جمعتهم معاً “القوات السورية الديموقراطية” التي قامت بتطهير منطقة شاسعة من شمال سوريا وشرقها من “داعش”. وفي أجزاء أخرى من شرق سوريا يقيم ما تبقى من “خلافة الدولة الإسلامية”، بما فيها المعاقل الرئيسية الرقة ودير الزور (حيث يحافظ نظام الأسد أيضاً على بؤرة مراقبة). وأخيراً، في أقصى الجنوب، يقوم إئتلاف من قوات المعارضة في الجبهة الجنوبية المعتدلة، بدعم من الأردن و(بشكل غير مباشر) إسرائيل، بالسيطرة على الأراضي على طول الحدود الأردنية.
وفي كانون الثاني (يناير)، وفّرت مناطق الأمر الواقع هذه الأساس لإيران وروسيا وتركيا للتوسط في الوصول إلى وقف هشّ للأعمال الحربية في غرب سوريا. وإذا تحركت إدارة ترامب بشكل حاسم، فقد تُتاح لها الفرصة لبناء وتشكيل عملية أستانا، والإستفادة من التأثير المُستَمَدّ من المنطقة الإقليمية التي تديرها الولايات المتحدة في شمال وشرق سوريا، من أجل التوصل إلى حل للنزاع.
وينبغي أن يبدأ هذا الجهد بالسعي إلى توسيع نطاق الترتيبات القائمة للتوصل إلى وقف وطني عام لإطلاق النار، حيث يكون في كل منطقة من مناطق المراقبة ممثلاً أجنبياً رئيسياً مسؤولاً أساساً عن الإنفاذ والأمن وضمان التوزيع غير المُقيَّد للمساعدة الإنسانية. وسيتطلب تحقيق هذه النتيجة ديبلوماسية خاطفة وحازمة لمعالجة التوترات الأساسية على طول طبقات المناطق القائمة – أبرزها إدارة المخاوف التركية من التوسع الكردي في شمال سوريا. لكن، في حال نجاحها، فيمكنها أن تنتج “مناطق آمنة مؤقتة” التي ألمح إليها وزير الخارجية ريكس تيلرسون خلال إجتماع عُقد أخيراً لوزراء خارجية 68 دولة من الدول المناهضة لتنظيم “الدولة الإسلامية”، وتمكين أطراف النزاع من تحويل تركيزهم وإهتمامهم إلى هزيمة تنظيمي “الدولة الإسلامية” و”القاعدة”.
ومن ثم يُفتَح المجال أمام التفاوض على تسوية سياسية تعكس الحقائق الراهنة على أرض الواقع، وتحوّل وتنقل السلطة بعيداً من دمشق (والأسد)، وتسمح للجماعات المعارضة السيطرة على الأمن المحلي والحكم. في حين أن المعارضة ومؤيديها يفضّلان بوضوح الإنتقال بعيداً من الأسد تماماً، فإنه من الصعب رؤية الولايات المتحدة وحلفائها يحشدان الضغوط العسكرية الكافية على النظام أو الروس والإيرانيين للحصول على مثل هذه النتيجة. ومن شأن إتّباع نهج أكثر واقعية أن يسعى إلى تعزيز إستنفاد جميع الأطراف، وعدم قدرة النظام على إستعادة السيطرة على البلد بأسره، وحساب التفاضل والتكامل بين الدول الإقليمية المهتمة بمكافحة الإرهاب أكثر من تنحية الأسد، والضغط على النظام والمعارضة بقبول ترتيب لامركزي.
إن الوصول إلى هذه النتيجة سيكون صعباً للغاية وسيتطلب من إدارة ترامب أن تُعارض وتسير عكس غرائزها في عدد من الجوانب المهمة. أولاً، يتطلب الأمر من واشنطن أن تتصارع وتكون أكثر صلابة مع موسكو من أجل دفع الأسد إلى تجميد الصراع وقبول حلّ سياسي لامركزي. وتتمتع الولايات المتحدة بنفوذ مهم – في شكل تعاون محتمل لمكافحة الإرهاب – للحثّ على موافقة روسيا. على الرغم من أن ترامب كثيراً ما يتحدث عن فوائد التعاون مع موسكو لهزيمة “الإرهاب الإسلامي الراديكالي”، فإن أميركا لا تحتاج إلى روسيا لسحق “الخلافة” أو إستهداف إرهابيي “القاعدة” في سوريا. بل على العكس من ذلك، فإن موسكو تريد بشدة التعاون الأميركي لمكافحة الإرهاب لإضفاء الشرعية على التدخل الروسي.
يمكن لإدارة ترامب أن تعرض تنسيقاً مع روسيا بشأن تطهير، والسيطرة على، النقاط الساخنة لل”الدولة الإسلامية” في الشرق والعمل معها للقضاء على تنظيم “جبهة تحرير الشام”، التابع ل”القاعدة”، في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة في إدلب. ولكن أي ترتيب مع موسكو يجب أن يأتي مع شروط كبيرة مُعلَّقة أو من المرجح أن يؤدي الأمر إلى تفاقم العنف. إن المعارضة لن توافق أبداً على وقف دائم لإطلاق النار أو على نتيجة سياسية تحافظ على بقاء الأسد في دمشق، حتى مع تقلّص سلطاته بشكل كبير، إذا بقي النظام (أو الروس) حراً في قصف مناطق المعارضة بشكل مُتعمَّد بإسم مكافحة “الإرهاب”. من الضروري أن تشترط إدارة ترامب بالنسبة إلى أي تعاون لمكافحة الإرهاب مع روسيا بأن تلتزم الأخيرة الحفاظ على عدم السماح لقوات الأسد الجوية العمل فوق المناطق المتبقية التي تسيطر عليها المعارضة في جميع أنحاء البلاد. ويتعيّن على الإدارة الأميركية أيضاً دفع روسيا الى وقف هجمات إيران الأرضية التى بدأتها فى هذه المناطق، كما يجب ان تُعلّق أي مشاركة وتبادل في المعلومات بالنسبة إلى الأهداف الأميركية على إلتزامات روسية موثوقة لمواءمة العمليات الجوية مع قوانين الحرب وتوفير حقوق الفيتو لواشنطن بشأن الأهداف. وفي المقابل، ستنسق الولايات المتحدة مع الأردن وقطر والمملكة العربية السعودية وتركيا للضغط على المعارضة المسلحة لكي تنأى بنفسها وتتصدى، حيثما أمكن، للجماعات المتطرفة، ولا سيما تنظيم “القاعدة” وأخوته وأخواته.
عندما حاولت إدارة أوباما التفاوض على شروط مماثلة في الخريف الماضي، في سياق هجوم النظام على حلب، أثبتت روسيا أنها غير راغبة أو غير قادرة على تلبيتها. والشيء نفسه قد يصدق اليوم. ولكن نظراً إلى تغيّر الظروف على الأرض والتكلفة الباهظة للأسد ومؤيديه إذا حاولوا إستعادة البلد بأكمله بالقوة، يجدر بإدارة ترامب إعادة إختبار الإقتراح. إذا بدلاً من ذلك أقدمت إدارة ترامب على السعي إلى التعاون غير المشروط لمكافحة الإرهاب مع روسيا، فإن الفظائع الإنسانية في حلب سوف تتكرر في مناطق المعارضة الأخرى، ودفع المزيد من المتمردين إلى أيدي المتطرفين.
إن الإلتزامات الأميركية بتعبئة الموارد الدولية لتمويل تحقيق الإستقرار وإعادة الإعمار في سوريا في إطار إتفاق السلام هي جزء أساسي آخر من النفوذ الذي تتمتع به واشنطن بالنسبة إلى علاقتها مع روسيا والأسد والأطراف الرئيسية الأخرى في الصراع. وتشير التقديرات التقريبية إلى أن هناك حاجة إلى مئات المليارات من الدولارات لإعادة بناء البلاد. وفي غياب الجهود المتضافرة من جانب الولايات المتحدة، جنباً إلى جنب مع الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي ودول الخليج الغنية، سيُترَك النظام وداعموه يحملون الحقيبة والعبء. وهذا يعطي إدارة ترامب وحلفاءها نفوذاً هائلاً لتشكيل نتائج الصراع السوري، إذا كانوا على إستعداد لإستخدامه.
من الواضح أن ترامب يكره أي شيء يتعلق ب”بناء بلد”، والتخفيضات العميقة التي إقترحها على موازنتي وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية تشير إلى أنه لا يضع قيمة كبيرة على المساعدات الأجنبية والإنسانية. ومع ذلك، فإن عرض العمل مع المجتمع الدولي لجمع الأموال لإعادة بناء سوريا يجب ألا يُنظَر إليه على أنه عملٌ خيري – بل ينبغي النظر إليه بإعتباره ضرورة إستراتيجية. إنها الطريقة الوحيدة لمنع المتطرفين من الظهور مجدداً من تحت أنقاض المناطق المُحرَّرة.
إن حلّ الحرب السورية سيتطلب من ترامب أن يتخطى منطقة راحته في نهاية المطاف أيضاً: إذ يتعيّن على إدارته أن تتحدث مع إيران. وقد هاجم ترامب الاتفاق النووي الإيراني ووضع الجمهورية الإسلامية “على علم” (أي حذّرها) لإختباراتها الصاروخية الباليستية وغيرها من السلوك المزعزع للإستقرار. ولم يُظهِر الرئيس الأميركي رغبة في حل التوترات مع طهران من خلال الحوار، ولكن في سوريا، ليس لديه خيار آخر.
من جهتها، إستثمرت إيران في سوريا منذ عقود. وعلى مدى ست سنوات من الحرب، قامت طهران ببناء شبكات نفوذ كبيرة في جميع أنحاء البلاد التي هي تحت سيطرة الأسد. ونظراً إلى إعتماد الأسد على إيران، فإن الأهمية الإستراتيجية التي توليها الجمهورية الإسلامية للحفاظ على علاقاتها مع النظام كوسيلة لنشر نفوذها في المشرق العربي، والإستثمارات الكبيرة في الدم والمال التي قام بها الحرس الثوري الإسلامي، فمن غير المنطقي التوقّع أن ينخفض تأثير إيران بشكل كبير في أي وقت قريب. لذلك، إذا إعتمدت إدارة ترامب إستراتيجية المواجهة الخالصة مع طهران في سوريا، أو وضعت شروط أي صفقة أميركية مع روسيا ودول إقليمية أخرى متعلقة بالإنسحاب الإيراني الكامل، فإن هذا النهج سيفشل. وبدلاً من ذلك، يتعيّن على الإدارة إشراك إيران مباشرة – على الأقل في ترتيبات متعددة الأطراف – لتحديد حلّ عملي.
والتواصل مع إيران سوف يقلق بعض الشركاء الإقليميين لأميركا، وخصوصاً السعودية ودول الخليج الأخرى التي دعمت المعارضة في سوريا إلى حد كبير لمواجهة إيران وإسرائيل. لكن هناك خيارات لمعالجة مخاوف الدول الخليجية بشأن إيران بطرق أخرى. في مقابل دعم دول الخليج لتخفيف حدة التصعيد واللامركزية في سوريا، فضلاً عن المساعدة في تمويل إعادة الإعمار، يمكن لإدارة ترامب أن تُقدم تعاوناً أميركيا أكثر حزماً لمنع وعرقلة الدعم الإيراني للمسلحين الحوثيين في اليمن – وهو شكل من أشكال التأثير الإيراني أكثر مباشرة لمصالح السعودية، وهو ذات أولوية أقل لإيران. ويمكن لإدارة ترامب أن تقدم أيضاً توسيع الجهود التي بدأت في ظل إدارة أوباما لتعزيز القدرات العسكرية الخليجية – وبخاصة في مجالات مثل العمليات الخاصة والدفاع البحري والصاروخي والسيبراني – لمواجهة قدرات إيران غير المتماثلة وتأثيرها في جميع أنحاء المنطقة.
كما أن إسرائيل، أقرب حليف إقليمي لأميركا، ستكون مستاءة من إستمرار تأثير إيران في سوريا. ومع ذلك، من المرجح أن يرى القادة الإسرائيليون قيمة حقيقية في إتفاق يرسّخ منطقة عازلة في جنوب سوريا للمساعدة على إبقاء الحرس الثوري الإسلامي خارج حدود إسرائيل وتمكين قوات المعارضة المعتدلة من إستهداف المتطرفين السنة الذين قد يهدّدون الدولة العبرية. ويمكن لإدارة ترامب أن تعالج المخاوف الإسرائيلية من خلال التعاون الاستخباراتي الذي يهدف إلى إحباط نقل أنظمة الأسلحة الإيرانية المتقدمة عبر الحدود السورية إلى “حزب الله” في لبنان.
لقد أعطى ترامب الأولوية لتدمير المنظمات الإرهابية مثل تنظيم “الدولة الإسلامية” وتنظيم “القاعدة”. ولكن، إذا كان يريد أن يُزيل هذه التهديدات حقاً بطريقة مستدامة، ليس لديه خيار سوى التصدي للحرب السورية. وتتيح التطورات على أرض الواقع فرصة للقيام بذلك. إن “فن الصفقة السورية” ممكن. ولكن الأمر يتطلب قيادة حقيقية، وإستعداداً لعقد صفقات صعبة مع الخصوم والحلفاء على حد سواء، وإستخدام جميع أدوات القوة الأميركية – وليس القوة العسكرية وحدها – لتحقيق سلام دائم.

• كولن كاهل أستاذ مشارك في برنامج الدراسات الأمنية في كلية إدموند والش للشؤون الخارجية بجامعة جورجتاون. وفي الفترة بين عامي 2014 و2017، كان نائباً مساعداً للرئيس باراك أوباما ومستشار الأمن القومي لنائب الرئيس جو بايدن. ايلان غولدنبرغ هو زميل كبير ومدير برنامج الأمن في الشرق الأوسط في مركز الأمن الأميركي الجديد. وفي السابق، شغل منصب رئيس الأركان للمبعوث الخاص للمفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية. ونيكولاس هيراس هو باحث مشارك في برنامج الأمن في الشرق الأوسط في مركز الأمن الأميركي الجديد.
• كُتِب هذا التقرير بالإنكليزية وعرَّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى