هيمنة روسيا وإيران على سوريا تشلّ سلطات الأسد

يطرح بعض العارفين بالموضوع السوري سؤالاً: ماذا لو إتفق العرب على إبقاء بشار الأسد في موقعه، فهل يستطيع إخراج إيران وروسيا من بلاده؟ غالبية هؤلاء يشكون في الأمر كما يوضح التقرير التالي:

قاعدة حميميم الجوية: الوجود الروسي فيها يتذرع بحماية نظام واهن

دمشق – محمد الحلبي

يعتقد كثيرون أن التحوّل السياسي بعيداً من الرئيس بشار الأسد ومن دونه يشكّل قلبَ أيّ حلٍّ للصراع في سوريا. وعلى الرغم من أن هذا الأمر مرغوب فيه لدى الغالبية العُظمى محلياً وعربياً ودولياً، نظراً إلى الجرائم العديدة التي إرتكبها ويرتكبها النظام السوري، فلا ينبغي أن يتوقع المرء الكثير ويأمل بأنه سيكون هناك تغييرٌ كيير في بلاد الشام إذا حصل ذلك.
طالما ظلّ الأسد في منصبه، فإنه سيكون سبباً لمواصلة تعبئة وتحريك المجموعات العديدة المعارضة له. ولا شك أن بقاءه في منصبه سيُعيق إعادة إعمار سوريا. ومع ذلك، فمن الصحيح أيضاً القول بأن الرئيس قد أصبح رجلَ واجهة عاجزاً إلى حد كبير لنظام تسيطر عليه إيران وروسيا. بعبارة أخرى، حتى لو تمّت تنحيته، فإن علاقات القوة في سوريا ستبقى إلى حد كبير على حالها.
وقد لاحظ سياسي لبناني قريب من النظام السوري أخيراً بأن الأسد لم يعد قادراً على تجنيد رجال في جيشه. وإذا لم يكن لدى النظام القدرة على زيادة الأفراد الذين يقاتلون نيابة عنه، فهذا يعني أنه سيظل يعتمد بشكل مفرط على الميليشيات الموالية لإيران والقوات الجوية الروسية للحفاظ على حملاته العسكرية.
ويبدو واضحاً بشكل متزايد بأن الأسد لديه القليل للقول في هذه الحملات. وهذا يعني أيضاً أن قدرة الرئيس على تحديد نهاية سياسية تنال رضاه قد تقلّصت إلى حد كبير. والواقع أن السبب الرئيسي لبقاء الأسد في السلطة هو، على ما يبدو، السماح لإيران وروسيا بالحفاظ على الوهم والإدعاء بأن هناك دولة ونظاماً سورياً يمكنهما الدفاع عنهما بصورة مشروعة في الوقت الذي يسعى كلّ منهما إلى تحقيق مصالحه الخاصة في سوريا.
منذ العام 2011، عمل نظام الأسد بجد للحفاظ على هذا الوهم على قيد الحياة. وفي المدن الواقعة في المحافظات التي تخلّت عنها قواته – على سبيل المثال دير الزور والحسكة – إحتفظ النظام بالسيطرة على المنشآت الإدارية الرئيسية مثل سجلات الأراضي أو المطارات.
وستكون هذه السيطرة حيوية عندما يُعيد النظام، كما يأمل، فرض سلطته في هذه المناطق. ولكنها تخدم أيضاً غرضاً آخر: فهي تخلق مظهراً لإستمرارية النظام، مشيرةً إلى أن الإمبراطور ما زالت لديه ملابس.
مع ذلك، فإن خدعة الأسد لا يمكنها أن تحلّ محل الواقع. وظهر مثالٌ جيّد على قوة النظام الحقيقية في جولة أستانا الأولى من المفاوضات في شباط (فبراير) الماضي. وهذه المفاوضات كانت مدفوعة أساساً من قبل روسيا وتركيا وإيران، حيث بدا أن الممثلين السوريين كانوا مشاركين من الدرجة الثانية. وهذا يعني أننا نتجه نحو وضع يتمّ فيه تحديد مستقبل سوريا بشكل رئيسي من خلال التوصل إلى توافق في الآراء بين القوى الأجنبية.
يجب أن يكون الرئيس الراحل حافظ الأسد يتحرّك ويبكي في قبره. لقد كان الدافع المركزي في سياساته منذ توليه السلطة في العام 1970 هو ضمان عدم تعرض دمشق بعد الآن لمنافسات إقليمية خارج سيطرتها والتي إتسمت بها العقود الأولى بعد الإستقلال. في خمسينات وجزء من ستينات القرن الفائت، كانت سوريا قد شُكِّلت من خلال المنافسة بين مصر والعراق، قبل أن تتورّط في الحرب الباردة الأميركية – السوفياتية.
بالنسبة إلى حافظ الأسد، كان من الضروري أن يضع حداً لأوجه الضعف الإقليمية في سوريا ويفرض نفسه كممثل ولاعب لا غنى عنه ومستقل في شؤون الشرق الأوسط. وهذا ما فعله إلى حد كبير، حيث لعب على الإفادة من تناقضات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي لصالحه الخاص. حتى علاقته مع إيران كانت أيضاً دائماً واحدة حيث كانت فيها دمشق وطهران متساويتين في تحالف يخدم كلاهما.
في ظل بشار الأسد فقد ولّت تلك الأيام منذ فترة طويلة. لقد أصبحت سوريا كرة قدم إقليمية، وشريكاً صغيراً قاصراً في علاقته مع إيران، في حين صار الأسد زعيماً غير شرعي لا تنشده غالبية السوريين.
ومن المحتمل أن يؤدي إبعاده من منصبه إلى رد فعل سلبي فقط من المسؤولين الذين يخشون من أن يؤدي سقوطه إلى سقوطهم. وإلّا، لا شيء على الاطلاق يجعل الرئيس لا غنى عنه.
ولهذا، في حين أن تنحي الأسد قد يريده ويلتمسه خصومه، فإن عليهم ألّا يفترضوا أن شيئاً كثيراً سيتغيّر إذا حصل ذلك. الرئيس هو في السلطة بالإسم فقط. وبمجرد فهم ذلك، يمكن أن تصبح معايير أي اتفاق مستقبلي في سوريا أكثر وضوحاً.
بالنسبة إلى خصوم الأسد، ينبغي الإعتراف بأن ما هو أكثر أهمية من تنحي الرئيس هو التركيز على طرقٍ للحدّ من النفوذ الإيراني في سوريا، الذي هو أكثر فعالية على الأرض من الوجود الروسي. ولن يكون ذلك سهلاً، لأن طهران ستسعى إلى تقويض أي اتفاق يخفف سلطتها وهيمنتها على الدولة السورية في نهاية المطاف. ولكن بالنسبة إلى أولئك الذين يريدون تغييراً حقيقياً في سوريا، فإنهاء وجود إيران هو أمر ملح وضروري، أكثر من إزالة الأسد.
ولا ينبغي أن يعتمد المرء كثيراً على روسيا في أي مسعى من هذا القبيل. إن قدرة موسكو على إحتواء إيران ليست كبيرة، ولا الروس لديهم مصلحة حالياً في تهميش الجمهورية الإسلامية. إن طهران تساعد على إبقاء حكم الأسد “الصوري”، والذي من دونه لن يكون لروسيا أي مبرر لوجودها في سوريا.
لذا فإن ضعف الأسد هو قوته. ومع ذلك، فإن هذا لا ينبغي أن يُطمئن الرئيس، أو في الواقع خصومه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى