القِمَّةُ لإيران والفُرصَةُ للبنان

بقلم سجعان قزي*

ماذا بقيَ للقِــمّــةِ العربيّــةِ اليومَ في الأردنِ بعدَ القِــمّــةِ الإيرانية / الروسية (روحاني وبوتين) يوم أمس(27 آذار/ مارس الجاري)، والقِــمّــةِ التركية / الروسية (أردوغان وبوتين) في العاشرِ من الشهرِ الجاري، والقِــمّــةِ السعوديّــةِ / الأميركية (محمد بن سلمان وترامب) منذ أسبوعين؟ الأولى وَجَّـــهت رسالةَ حُــفِظِ حقِّ الردِّ إلى القِــمّــةِ العربية، الثانيةُ وسَّعت المشاركةَ فيها، والثالثةُ وضَعت إطاراً لــــمُـــقـــرّراتِـــها. بارقِةُ الأملِ الآن، أنْ تُـــعقَدَ قِــمّــةٌ مِصرية / سعودية (سلمان والسيسي) على هامشِ إجتماعاتِ عَــمّان لِمَحوِ سوءِ التفاهمِ القائمِ بين الدولتين إثرَ تصويتِ مِصر ضدَّ السعوديّــةِ في مجلسِ الأمنِ الدوليِّ لصالحِ مشروعٍ روسيٍّ يتعلَّق بسوريا (08 تشرين الأول / أكتوبر 2016)؛ فلَـــعَلَّ هذه المصالحةَ بين قُطــبَي العروبةِ تُــنقِذ أعمالَ قِـــمّــةٍ لا تَتوافَر لها الظروفُ الموضوعــيّـــةُ لـــتَّـــتِخذَ قراراتٍ على مستوى الوضعِ المضطَرِب.
بين آخِر قِــمّــةٍ عربيةٍ في موريتانيا (25 و26 تموز/ يوليو الماضي) وقِــمّــةِ الأردن اليوم (28 و 29 آذار/ مارس الجاري) ثمانيةُ أشهرٍ تَـميّـــزت بتحوّلاتٍ نوعــيّــةٍ في الشرقِ والعالم. أبرزُ هذه التحوّلات: معركةُ حلَب، إستدراجُ لبنانَ نحو المدارِ الإيرانيّ، الدخولُ الأميركيّ والتركيّ العسكريّ إلى سوريا، تَــقدُّمُ معركةِ إسقاطِ تنظيمي “داعِش” و”جبهة النصرةِ” في سوريا والعراق، إخفاقُ مساعي التقريبِ بين السعوديّــةِ وإيران، إنتخابُ رئيسٍ أميركيٍّ فريدٍ من نَوعِه يُزمِعُ إعادةَ النظرِ بأهمِّ مُرتكــزَين للسلامِ في المِنطَقة (الاتفاقُ النوويّ الإيراني وحلُّ الدولتين بين فلسطين وإسرائيل)، إنتشارٌ مكَـــثَّــفٌ للإرهابِ التكفيريِّ في العالم، المصالحةُ بين روسيا وتركيا، إهتزازُ الوِحدةِ الأوروبيّــةِ بإنسحابِ بريطانيا، إتفاقٌ على تقليصِ إنتاجِ الــنَــفط، إنعقادُ مؤتمرَين لا مؤتمرٍ واحِدٍ بشأنِ سوريا (أستانا وجنيف)، وإنتخابُ أمينٍ عامٍّ جديدٍ للأممِ المتّحدة.
لذا، يُــفتَرض بالقادةِ العربِ أن يُــبلوِروا موقِفاً عربيًّاً حِيالَ قضايا المِنطقةِ السياسيّـــةِ والإقتصاديّـــةِ والأمنيّــةِ والإستراتيجيّـــةِ وأن يُــصدروا مواقفَ بشأن: القضيةِ الفلسطينيّــةِ، الحربِ السوريّــةِ بأوجُهِها الأربعة (النظامُ، الارهابُ، النازحونُ والتدخّلُ الأجنبيّ العسكريّ فيها)، التمدُّدِ الإيرانيُّ في العالمِ العربيّ، الإمتدادِ التركيِّ في سوريا والعراق، مأساةِ النازحين السوريّين وأزمةِ الدولِ المُضيفة، مصيرِ الثرواتِ والثوراتِ العربيّــة، وكيفيةِ التعاطي مع المجتمعِ الدوليِّ الجديد.
طريقةُ مقاربةِ هذه القضايا، تبيِّنُ ما إذا كانت الأنظمةُ العربيّــةُ الحاليّــةُ قادرةً على التمَوْضُعِ من جديدٍ كمحاورٍ للمجتمعِ الدوليّ وإقامةِ عَلاقاتِ شَراكةٍ إستراتيجيّـــةٍ معه مِن جهةٍ، وعلى استعادةِ ثقةِ شعوبِــها الضائعةِ بين الأنظمةِ القائمةِ والثوراتِ الجانحةِ من جهةٍ أخرى. لكنْ إلى أيِّ مدى يُمكن للقادةِ العربِ أن يـــتَّـــفقوا على مواقفَ عمليةٍ حيالَ هذه القضايا والتحديات، خصوصاً وأنَّ هذه قِــمَّــةُ كلِّ الدولِ العربيّــةِ المتخاصِمةِ وليست فقط قِــمَّــةَ دولِ مجلسِ التعاونِ الخليجيّ المتفاهِمة؟
لا شكَّ أنَّ الحاضِرَين الأكبرَين في قِمّـــةِ الأردن هما سوريا وإيران. وإذا كانت طبيعةُ المعاركِ الجاريةِ في سوريا ـــــ ونحن عشيَّــةَ معركةِ “الرَقَّــــة” ـــــ تَستبعِدُ إعادةَ النظامِ السوريِّ إلى أحضانِ جامعةِ الدولِ العربيّــة (ويَــا لها مِن أحضان)، فـــتَــوسُّع إيران المتزايد في قلبِ العالمِ العربيِّ يُــحــتِّم تحديدَ موقفٍ واضحٍ منها، خصوصاً وأنَّ الإيرانــيّين يَتحضَّرون للانتخاباتِ الرئاسيّــةِ في أيار/ مايو المقبل. إن القادةَ العربَ أمامَ احتمالين: توجيهُ رسالةِ تَـفاوضٍ إلى إيران بغيةَ تسويةِ العَلاقاتِ المتوتّرةِ جدًّا، أو تأمينُ تغطيةٍ للإدارةِ الأميركــيّــةِ الجديدةِ ضدَّ إيران. بتعبير آخر، أتكونُ قِــمّــةُ عَمّان قِــمّــةَ ردِّ التحدّي أم قِـــمّــةَ فتحِ الحِوار؟ المُرجَّحُ أنها ستكون قِــمَّــةَ ردِّ التَــحدّي مع تحفُّظات البعض.
إستناداً إلى المعطيات، تَرغب دولُ الخليجِ شدَّ العصَبِ العربيِّ ضدَّ الدورِ الإيرانيِّ والحدَّ منه في العراقِ وسوريا في ضوءِ القضاءِ على دولة “داعِش” والسياسةِ الأميركــيّـــة الجديدة. لكنَّ تقريرَ مصيرِ الدورِ الإيراني في المشرِقِ العربيِّ ليس قراراً عربيّـــاً، بل هو قرارٌ أميركيّ / روسيَ. ومِعيارُ موقِفِ الدولتين الكبريَين يَتعدّى المصالحَ العربيّــةَ إلى مصالحِهما الثنائية. من هنا إنَّ التصلُّبَ العربيَّ من شأنِه أن يُــعقِّــدَ العَلاقاتِ مع إيران أكثرَ ما هي مُعقَّدة ومن دونِ أن يؤثّـــِرَ في القرارِ الروسيِّ / الأميركيّ. والدليلُ على ذلك، أنَّ معارضةَ العربِ لمشروعِ الإتفاقِ النوويِّ بين الغرب وإيران، ومعارضَتَهم التدخّلَ الإيرانيِّ في شؤونِ الدولِ العربيّــةِ، لم يَمنعا أميركا من توقيعِ الاتفاقِ النوويِّ مع إيران ولا روسيا من التنسيقِ معها في سوريا.
ليتَ لبنانَ يستطيع أن يَلعَبَ بعدُ دورَه التاريخيَّ بين الدولِ العربية، وبين العربِ وإيران، فيدخُلُ رئيسُه القِمّــةَ لا ممثِّـــلاً لإيران على حسابِ انتماءِ لبنانَ العربيّ ولا منحازاً كُــلّياً إلى دولِ الخليجِ على حسابِ دورِه الحِيادي، فيحْظى بتضامنٍ عربيٍّ إفــتــقَـــدَه أخـيــراً. لبنانُ الذي نَــتطلَّعُ حضورَه في قِمّـــةِ الأردن هو لبنانُ بيانِ الحكومةِ الاستقلاليّـةِ الأولى الذي تلاه رياضُ الصلح، لبنانُ الوطنُ النهائيُّ الذي وَردَ في اتفاقِ الطائف، لبنانُ مصالحةِ الجبل، لبنانُ التحريرِ والشهداء، لبنانُ “إعلانِ بعبدا” الذي وافقَ عليه كلُّ الأطرافِ المشارِكةِ في هيئةِ الحوارِ الوطنيّ، لبنانُ خِطابِ القسَمِ، لبنانُ الخارجُ من شغورٍ رئاسيٍّ على ألّا يَــدخُلِ في شغورٍ آخَر، “لبنانُ الخارجُ من حروبِ الآخَرين على أرضِه من دونِ دخولِه حروبِ الآخَرين على أراضيهم” (عنوانُ مقالتي في جريدةِ السفير 05 نيسان / إبريل 2013).
لبنانُ هذا قادرٌ على لَعبِ دورٍ ناجحٍ في قِــمّــةِ عَــمّان لثلاثةِ أسبابٍ على الأقل. الأولُ: نوعيّــةُ وفدِه حيث يَحضُر رئيسُ الحكومةِ الوطنيُّ إلى جانبِ رئيسِ جُمهوريَّــتِه القويِّ. الثاني: نَــوعـــيّـــةُ عطاءاتِه إذ لا يستطيعُ أحدٌ أن يزايدَ عليه بالعروبةِ والديموقراطيّــةِ والإنتصارِ على إسرائيلِ وبإحتضانِ اللاجئينَ الفلسطينيّين وبإيواءِ النازحينَ السوريّين. والثالثُ: نَــوعـــيّـــةُ تسويتِه الرئاسيّـــةِ إذ أن التلاقي السعوديَّ الإيرانيَّ حولَ لبنانَ الذي أنهى الشغورَ الرئاسيَّ في الخريفِ الماضي، يُمكن أن يكونَ قُدوةً لتلاقٍ أخَرَ بينهما حول قضايا المِنطقة هذه المـــرّة. الأملُ جائـــزٌ والخيبةُ أيضاً.

• وزير العمل اللبناني السابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى