لكي لا تكون قمة البحر الميت قمة مُميتة

بقلم كابي طبراني

فيما يجتمع القادة العرب وغيرهم من صناع القرار في الأردن هذا الأسبوع في القمة العربية السنوية، فإنهم يحتاجون إلى أكثر من توافق في الآراء. إنهم بحاجة الى إختراقات.
وفي حين تستمر الأزمات بلا هوادة وتزيد القوى الأجنبية من نفوذها وتدخلها في الشؤون العربية، فقد حان الوقت لكي ترتقي الجامعة العربية إلى ميثاقها وتضع سياساتٍ مُوحّدة للدول العربية، وتُدافع عن مصالحها قبل أن تُملَى عليها من قبل قوى أجنبية.
على الرغم من أن الإنقسامات كانت سائدة في كثير من الأحيان، جنباً إلى جنب مع عبقٍ من الدراماتيكية الذي كان يبثّه بعض القادة العرب “الصامدين” طويلاً في سدة الحكم، فإن مؤتمرات القمة العربية السابقة قد أدّت إلى بعض التنازلات الإختراقية ووضعت سياسات إتُّبِعت لسنوات.
بعد نكسة 1967، أصدرت الدول العربية “اللاءات الثلاث” التي كانت المعيار في سياستها تجاه الدولة العبرية على مدى ما يقرب من ثلاثة عقود: لا سلام مع إسرائيل، ولا إعتراف بإسرائيل، ولا مفاوضات مع إسرائيل.
وقد دفعت هذه السياسة بالجامعة وبعض الدول العربية إلى قطع العلاقات مع مصر بعد أن وقّعت القاهرة على إتفاقات كامب ديفيد.
وفي مؤتمرات القمة العربية اللاحقة في ثمانينات القرن الفائت، عملت القوى العربية على مبادرات وجهود ديبلوماسية لإنهاء الحرب الأهلية في لبنان، وساعدت على التوصل إلى إتفاق الطائف الذي أنهى الصراع في العام 1989.
وفي قمة بيروت في العام 2002، وافق الزعماء العرب على مبادرة السلام العربية البارزة، التي بموجبها تعترف جميع الدول العربية بإسرائيل وتؤسس علاقات طبيعية معها مقابل الإنسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة والإعتراف بدولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وحتى لمّا فشل القادة العرب في التأثير في الديناميات الخارجية التي تُشكِّل المنطقة، فقد وقفوا جبهة واحدة وقدّموا رسالة موحّدة إلى الغرب والعالم.
في العام 2003، عندما غزت الولايات المتحدة وبعض حلفائها العراق، إستخدم القادة العرب القمة للإعتراض على حرب العراق في الوقت الذي دعوا صدام حسين إلى الإمتثال لقرارات ومفتشي الأمم المتحدة في محاولة إستغرقت 11 ساعة لتجنّب الحرب.
ومع ذلك، فيما يجتمع القادة العرب في البحر الميت يوم الأربعاء في 29 آذار (مارس) الجاري، فإن اللاعبين الرئيسيين في الأزمات التي تشلّ المنطقة هم بشكل متزايد ليسوا عرباً.
طهران تواصل تمويل وتسليح وكلائها في سوريا والعراق واليمن، بارزةً عزمها العسكري من بلاد فارس على طول الطريق حتى لبنان. وتركيا أعادت تأكيد نفسها كقوة إقتصادية وعسكرية، مما أدى إلى إغراق الأسواق العربية بالسلع التركية ووضع دبابات تركية على الأراضي السورية والعراقية. وواشنطن تدعم الميلشيات الكردية ليكون لها موطىء قدم في حل الصراع السوري. كما برزت روسيا كلاعب جديد في المنطقة، تتطلع للتأثير في التطورات من سوريا إلى إسرائيل/ فلسطين وحتى ساحل ليبيا.
وبدلاً من التصرف والعمل كالمعتاد، فقد حان الوقت للقادة العرب للتصدي للتدخل الأجنبي المتزايد. وكل ذلك يبدأ من سوريا.
إن شبح بشار الأسد سوف يلوح في الأفق كما كان عليه الأمر على مدى السنوات الخمس الماضية. وفيما يبدو أنه على وشك الفوز في حرب أهلية زاد عمرها على سنوات خمس، جالباً خلالها النفوذين الروسي والإيراني إلى قلب بلاد الشام، فقد أصبح الأسد لاعباً ومنبوذاً في آن واحد.
وتماشياً مع قرار جامعة الدول العربية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، لم يُدعَ الأسد إلى حضور قمة الأردن. ولكن يجب على القادة العرب أن يتوصّلوا إلى نتيجة نهائية حازمة بشأن مصير الأسد. إما أن يدعموا بقاءه في السلطة لفترة مؤقتة – وهي حالة فرضها واقعاً الدعم العسكري الروسي والإيراني — أو أن يقفوا بقوة ويُعلنوا بشكل واضح أنه ينبغي عليه أن يتنحّى، مستخدمين القوة الكاملة لقدراتهم الديبلوماسية والسياسية والإقتصادية.
وأي شيء أقل من موقف عربي مُوحَّد بشأن سوريا سيترك الجامعة العربية أكثر من أي وقت مضى متخلِّفة عن التطورات السريعة التغيّر على أرض الواقع.
بعد سنوات من تركهم الصراع يشتعل على نار هادئة، فإنه يجب على القادة العرب أيضاً أن يضعوا أخيراً جهوداً ديبلوماسية وسياسية لتحقيق الإستقرار والوحدة في ليبيا. وعلى الرغم من دعم الأمم المتحدة والغرب والعديد من الدول العربية لها، فإن حكومة الوفاق الوطني المُعترَف بها دولياً تفقد أرضيتها، بينما تدعم روسيا عسكرياً ولوجستياً قوات الجنرال خليفة حفتر. لذا، بدلاً من أن تَتَحوَّل ليبيا إلى سوريا أخرى، يجب على الدول العربية أن تعمل وتجد حلاً وتنفّذ الآن.
والأهم من ذلك أن قمة الأردن ستكون أيضاً فرصة للقادة العرب لإعادة تقييم وتقويم علاقاتهم مع الولايات المتحدة والقضية الفلسطينية.
فبدلاً من التوصل إلى تسوية نهائية تُملَى على العالم العربي، فإن الفرصة تُتاح مرة أخرى أمام قادته لإملاء شروطهم على إسرائيل والغرب.
إذا مات حقاً حلّ الدولتين، ومعه مبادرة السلام العربية، كما تدَّعي إدارة دونالد ترامب والحكومة الإسرائيلية، فإنه يجب على قمة الأردن في هذه الحالة إيجاد إقتراح بديل.
من ناحية أخرى، يتعيّن على القادة العرب تَوَخّي الحذر عندما تتحوّل القمة الى موضوع الإرهاب و”داعش” والقاعدة”… من جهة، ينبغي التصدّي لمشكلة الإرهاب ومعالجتها، ولكن، من جهة ثانية، ينبغي ألّا يسمحوا بأن تُلقي هذه المسألة بظلالها على الأسباب الاقتصادية والسياسية والإجتماعية التي تؤثّر في 360 مليون شخص في جميع أنحاء المنطقة.
يجب على القادة العرب إستخدام القمة كفرصة لتحديد وتعريف ما هو الذي يشكّل إرهاباً والذي لا يُشكّل إرهاباً، والإستغناء عن إستخدام المصطلح كتعريف شامل لتعزيز المصالح الغربية أو الروسية أو الإيرانية، وحرمان المطالب المشروعة للمواطنين في جميع أنحاء المنطقة العربية.
بعد عقود من النضال، لم يعد العالم العربي وقمة جامعته يخاطران بالإنقسام فقط؛ إنهما يخاطران أيضاً بتهميشهما دوراً ونفوذاً. الإنقسام يُمكن حلّه، لكن التهميش قد يكون دائماً.
الواقع يمكن أن تكون قمة البحر الميت واحدة من الفرص الأخيرة للعرب لمنع الخسارة الكبرى في المنطقة التي قد لا تتعافى منها. والرجاء هو بأن لا تصبح القمة إسماً على مُسمّى المكان الذي تُعقَد فيه … “القمة الميتة” أو “المُميتة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى