ملاحظات بسيطة على ثغرات الموازنة في لبنان

بقلم البروفسور غسان الشلوق*

يغوص النقاش الدائر منذ فترة حول مشروع الموازنة اللبنانية في تفاصيل ومعطيات بعضها مهم، لكن ملاحظات عدة اخرى بسيطة على ثغرات الموازنة تظل منسية او غير واضحة منها:
1- إن الموازنة واحدة من أهم أعمال الدولة، وهي – في صورة مناقضة تماماً – واحدة من اكثر المشاريع التي … لا تُدرس. وهذا الامر لا يقتصر على دول العالم الثالث بل يشمل أيضا” دول العالم المتقدم؛
2- إن “اعداد” و “درس” الموازنة يتم عادة بشكل تلقائي و”ميكانيكي”، وقليلة هي الحالات التي تعكس تغييراً جوهرياً إستناداً الى رؤيا وبرامج؛
3- إن اول الذين لا “يدرسون” الموازنة هم، بالتأكيد، المعنيون المباشرون بها، ولا “عجب” بالتالي أن يكون بين هؤلاء وزراء ونواب كثر؛
4- إن بعض الذين يشاركون في النقاش لا ينتمون، في قسم كبير منهم، الى الخبرة المالية والإقتصادية، والأمر ليس معيباً بالضرورة حصوصاً أن مسألة الموازنة مسألة عامة بإمتياز، وأن المهم الاراء الصائبة من أينما اتت، لكن المعيب ان تُقَدَّم الاراء على إنها العلم … والعلم منها براء؛
5- إن “الدرس”، متى حصل، يقتصر على “مجاميع” (ensembles) من دون التفاصيل، ولا يشمل “الدرس” كل المجاميع، كما ان بعضها يضاف الى بعضها الآخر بشكل غير سليم بما يؤدي الى مغالطات فاضحة؛
6- إن قصر البحث على المجاميع يساعد – بل يشجع – على تمرير تفاصيل بعضها الكثير يُمثّل الهدر الكبير، وهو ما يحصل سنوياً منذ فترة طويلة. ولا ننسى ردة فعل مسؤول كبير لدى مراجعته بلائحة من أمثلة الهدر لم يكن يعرف أنها مدرجة في الموازنة. وما زالت هذه اللائحة تطول وتتردد في الموازنات؛
7- إن من أبرز المغالطات الفاضحة، على سبيل المثال لا الحصر، أن الأجور وخدمة الدين (كذا) تأكل القسم الأكبر من نفقات الموازنة. وهذا التجميع صحيح في الشكل لكن الخطأ عندما يُقصَد به أن الأجور – وأجور الموظفين تحديداً – هي المشكلة، اذ أن الصحيح أن المشكلة هي في خدمة الدين أولاً، وأن باب الأجور يشمل، في حساب الباحثين عن تورية، التعويضات المختلفة (ومنها تعويضات السلطات)، ثم أجور العاملين ومنهم فئات مختلفة أقلها فئة الموظفين الإداريين؛
8- إن من العجب أن الحكومة تضيف سنوياً – وربما شهرياً – مئات من غير العاملين، على أنهم عاملون، من تسميات مختلفة وليس غالباً من مجموعات تحتاج اليهم الادارة؛
9- إن من المغالطات أيضاً أن تعويضات المتقاعدين باتت حملاً ثقيلاً على الموازنة. قد يصح الأمر على البسطاء، لكن الحقيقة أن الموازنة لا علاقة لها بالمتقاعدين، وأن هؤلاء يتقاضون جزءاً بسيطاً من أموال وفّروها ودفعوها هم، ويُفترَض أن تودَع صندوقا” (أين هو؟؟؟) خاصاً ومستقلاً طبعاً عن الموازنة؛
10- إن التهرّب الضريبي – ولا نقول الثروات المتروكة والمهدورة في غير مجال – يُمكن أن يتجاوز 40% من الواردات، أي ما يُغطِّي العجز وكلفة ما سمي سلسلة الرتب والرواتب مُجتمعَين. والمضحك ان الحكومة تبحث عن ضرائب جديدة تفرضها على المساكين بينما يُترَك المُتهرّبون من دون ملاحقة؛
11- إن الفضيحة الكبرى أن دولة مرهونة بهذا القدر للمدينين لا تبحث مُطلقاً وجدياً في الموضوع، ولا تؤسّس لبرنامج معالجة على رغم كل الكلام عن خطط. والصحيح ان الكارثة هي هنا.
… والحل متوافر متى صدقت النيات.
وللتفاصيل … تتمات.

• خبيرٌ إقتصادي وعميد سابق لكلية العلوم الإقتصادية وإدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى