ترامب والمملكة السعودية: كيف ينبغي على واشنطن أن تُعيد النظر في العلاقة مع الرياض

قام ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في 14 آذار (مارس) الجاري بزيارة رسمية إلى الولايات المتحدة بهدف تحسين العلاقات بين واشنطن والرياض وإعادة الحياة إلى “العلاقة الخاصة” التي كانت سائدة قبل مجيء باراك أوباما إلى البيت الأبيض. ولكن هل نجح في المهة؟ وهل سيجدد دونالد ترامب تلك العلاقة أم أنه ينبغي عليه درس طرق أخرى أكثر إفادة للسعودية والولايات المتحدة على حد سواء. دكتورة مضاوي الرشيد، حفيدة آخر حاكم لحائل، لها رأي آخر متشدد في هذا المجال تبرزه في التقرير التالي:

مجلس الشورى السعودي: 30 إمرأة فيه … لتجميل صورته!

بقلم مضاوي الرشيد*

منذ تَولّي الرئيس الأميركي دونالد ترامب منصبه (20/01/2017)، لم يضع إطاراً واضحاً بَعد للسياسة الخارجية التي ستقوم عليها العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية. بدلاً من ذلك، ينبغي على المراقبين الغوص في مستنقع من التعليقات المتفرّقة التي أُدليت في هذا المجال. هذا الشهر، أعلن ترامب رأيه بشكل واضح أن واشنطن لا ينبغي أن توفّر الحماية المجانية لدول الخليج. وقال أيضاً أن دول الخليج “لا تملك شيئاً سوى المال” وهو يعتزم على جعلها تدفع تكاليف”المناطق الآمنة” في المستقبل في سوريا. وفي الوقت عينه، أعرب الرئيس الأميركي الجديد عن رغبته في تحسين العلاقات مع دول الخليج بشكل عام من أجل التصدي لإيران و”أنشطتها الإقليمية لزعزعة الإستقرار”.
من جانبهم، وعلى الرغم من تصريحات ترامب المتشدّدة، فإن السعوديين يرون في الرئيس الجديد فرصة لتعزيز علاقتهم مع الولايات المتحدة، ورأب الصدع الذي ولّده تبنّي الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما للإتفاق النووي الإيراني. لقد كانوا سعداء وفرحين، على سبيل المثال، عندما وصف ترامب إيران بأنها في المقام الأول دولة راعية للإرهاب في العالم، وتساءل عن الأسباب الكامنة وراء الإتفاق النووي. وإذا قوّض ترامب هذا الإتفاق وإستمر في الحفاظ على، وحتى توسيع، العقوبات ضد إيران، فإن السعوديين سوف يرحّبون بذلك. إن مثل هذه التحركات سوف تضمن وتؤكد للرياض بأن المملكة العربية السعودية لا تزال تشكّل مركزاً أساسياً للسياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط.
مع ذلك، بغض النظر عن المسار الذي تسعى إليه واشنطن مع إيران، فإن على ترامب إعادة النظر في العناصر المهمة لما يُسمّى العلاقة الخاصة مع المملكة العربية السعودية. على وجه التحديد، ينبغي على أميركا أن تكفّ عن تقديم الدعم غير المشروط للنظام، إذ أن مثل هذا الدعم يضفي الشرعية على تجاوزات النظام ويجعل واشنطن عرضة لإتهامات بدعم الديكتاتورية. وللتأكيد، لا ينبغي على واشنطن قطع العلاقات مع الرياض، ولكن هناك أسباباً وجيهة لإعادة تعريف العلاقة بطرق تحمي أميركا.

تحالف عفا عليه الزمن

منذ أن إلتقى الرئيس الأميركي فرانكلين ديلانو روزفلت مؤسس المملكة، الملك عبد العزيز بن سعود، على متن حاملة الطائرات “كوينسي” في شباط (فبراير) 1945، كان النفط، والأمن، والموقع الإستراتيجي للمملكة العربية السعودية سبباً كافياً لواشنطن لدعم هذا البلد رغم كل الصعاب. لأكثر من سبعة عقود، ظل الإطار الأساسي لهذه العلاقة سليماً.
ولكن ما قد يكون شكّل منطقاً إستراتيجياً خلال الحرب الباردة لم يعد كذلك اليوم. لننظر إلى الطاقة. إن الولايات المتحدة اليوم لم تعد تعتمد على النفط السعودي كما كانت في العقود الماضية. ما هو أسوأ من ذلك، إن المملكة العربية السعودية حاولت في السنوات الأخيرة دفع شركات النفط الصخري الأميركية إلى التوقف عن العمل من خلال إغراق السوق بالنفط الرخيص، مما جعل مصادر الطاقة البديلة أكثر تكلفة وغير جذابة في هذه العملية.
بطريقة مماثلة، كانت المملكة العربية السعودية حليفة مفيدة لأمن الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة. بالإضافة إلى نفطها وموقعها الإستراتيجي، فقد إستطاعت نسختها الوهابية المحافظة من الإسلام تحقيق غرض إبعاد المسلمين في المنطقة من القومية المتطرفة والشيوعية. ومع ذلك، فقد ساعدت هذه السياسة في المدى القصير على إشعال الأزمة الجهادية العالمية التي كانت تختمر في كهوف أفغانستان في ثمانينات القرن الفائت، مما أدى إلى عواقب شديدة غير مقصودة على الغرب لا يزال يتعامل معها حتى اليوم. كما أدّت هجمات 9 أيلول (سبتمبر) 2001 في حينه إلى كسر الشراكة الوثيقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. وبالنظر إلى أن 15 من أصل 19 مهاجماً كانوا سعوديين، فقد بدأ الأميركيون يتساءلون عمّا إذا كانت المملكة صديقة أم عدوة لهم. للأسف، فإن الإدارات الأميركية المتعاقبة لم نتعامل مع هذه المسألة بالطرق التي من شأنها أن تسمح إعادة النظر أو إعادة تشكيل التعهد بدعم غير مشروط للمملكة لأنها لا تزال تعتقد أن السعوديين هم أفضل الحلفاء في الحرب على الإرهاب بدلاً من حاضنين للإرهاب.

سجلٌّ بالغ السوء في مجال حقوق الإنسان

وفقاً لمنظمة العفو الدولية، و”هيومن رايتس ووتش”، ومنظمات حقوق الإنسان في العالم العربي، فإن النظام السعودي قد سجن المئات من النشطاء السلميين والمدوّنين والمحامين والقضاة والصحافيين وعلماء الدين منذ بداية “الربيع العربي” في العام 2011. وإذا تجرّأ شخص وإنتقد سياسات الملك في الصحافة أو على تويتر، على سبيل المثال، فإن ذلك يُعتبَر عملاً إجرامياً وقد يؤدي بالشخص إلى السجن. إن تأسيس حزب سياسي، والتوقيع على عريضة تدعو إلى الإصلاح السياسي، وكتابة أو حتى قراءة شيء يُعتبَر تخريبياً: كلها تُعتبَر أعمالاً إجرامية.
في الوقت عينه، تم إطلاق النار على نشطاء ومتظاهرين سعوديين سلميين من قبل قوات الأمن (منذ العام 2011، أكثر من 25 ناشطاً شيعياً سعودياً قتلوا في المنطقة الشرقية) أو واجهوا عقوبة الإعدام في السجن. في ليلة رأس السنة الجديدة في العام 2016، أعدمت السلطات السعودية 49 سجيناً في ليلة واحدة. ولأن الحكومة لا تسمح بأي نوع من الإحتجاجات والمظاهرات والإعتصامات أو الإلتماسات السلمية فإن بعض الشباب السعوديين إتجه نحو التطرف الديني والإرهاب. في سوريا والعراق وحدهما، بحلول العام 2013 إنضم حوالي 2500 سعودي إلى المتمردين الراديكاليين، ثاني أكبر مجموعة من المقاتلين الأجانب بعد التونسيين.
من ناحية أخرى، لا تزال حقوق المرأة محدودة جداً في المملكة العربية السعودية. لدى البلاد واحدة من أسوأ الفجوات بين الجنسين في العالم، حيث إحتلت مرتبة 134 من أصل 145 دولة في هذا المجال وفقاً للمنتدى الإقتصادي العالمي. إن التمييز يذهب إلى ما هو أبعد من مجرد عدم السماح للنساء بقيادة السيارة. بغض النظر عن العمر، فإن المرأة السعودية تحتاج إلى إذنٍ من ولي أمرها للدراسة والسفر والبحث عن عمل والزواج وفتح حساب مصرفي. حتى أنها لا تستطيع الحصول على الرعاية الطبية من دون الحصول على إذن من ولي أمرها. ولا تتجاوز مشاركة المرأة في القوة العاملة نسبة ال20 في المئة، على الرغم من حقيقة أنها حققت مستويات عالية من التعليم.
الواقع أن السعوديات هن محرومات تماماً. فقد أخّر النظام مشاركتهن في الإنتخابات البلدية حتى العام 2015، على الرغم من أن المجالس البلدية مختلة وغير مُنتَظِمة ولا تزال تخضع لسيطرة الحكومة. (البلديات ليست مجالس الحكم المحلي، وتتلقى موازناتها من الحكومة وصلاحياتها محدودة. ولم تكن قادرة على التأثير في خطط التنمية الحضرية بطرق تمنع الفيضانات في المدن الكبرى بعد إزالة السيول أو تحسين المناطق الترفيهية المحلية مثل الحدائق العامة). العاهل السعودي السابق الملك عبد الله قد يكون عيَّن 30 إمرأة في مجلس الشورى (وهي سياسة واصلها الملك سلمان)، ولكن هذه الخطوة كانت إلى حد كبير رمزية ولم تُتَرجَم إلى تمكين حقيقي.

مُقوِّضة الإستقرار الإقليمي

هناك سبب آخر لإعادة النظر في العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ويكمن في طموحات البلاد وحروبها الإقليمية. في اليمن، إستخدم السعوديون القوة العشوائية ضد المدنيين في حملتهم للقضاء على الحوثيين الشيعة. وحتى الآن، أكثر من 10,000 مدني قتلوا في الصراع بواسطة الأسلحة المُصنَّعة في أميركا التي إشترتها الرياض. لقد مكّنت الحرب أيضاً كلاً من تنظيمي “القاعدة” و”الدولة الإسلامية” (المعروف أيضاً ب”داعش”)، لأن كلاهما يسعى إلى تدمير الحوثيين.
في العام 2011، دخلت قوات سعودية إلى البحرين لدعم حكام الجزيرة، آل خليفة، في جهودهم لسحق الحركة المؤيدة للديموقراطية في البلاد. بين عامي 2011 و 2013، قُتل أكثر من 122 من المواطنين البحرينيين من قبل قوات الأمن والنظام. حدث هذا فقط على بُعد بضعة أميال من الأسطول الخامس للبحرية الأميركية، الذي يتمركز في الجزيرة الصغيرة.
على الرغم من أن المملكة العربية السعودية قد إدّعت دعم المتمردين المعتدلين في سوريا مثل “الجيش السوري الحر” البائد، فإن الأسلحة التي أُعطيت للمتمردين قد وجدت طريقها إلى الجماعات المتطرفة، على سبيل المثال “أحرار الشام” و”جبهة تحرير الشام” (سابقاً جبهة النصرة). وقد عزّزت التدخلات السعودية المتطرفين الإسلاميين على حساب القوى المؤيدة للديموقراطية. في سوريا، كان الهدف الرئيسي للمملكة كسب حرب بالوكالة ضد إيران بدلاً من جلب الديموقراطية للشعب السوري.

تشكيل مستقبل العلاقات

لا ينبغي أن يُنظَر إلى واشنطن على أنها داعمة من دون شروط لقوة معادية للثورة والإصلاح مثل النظام الملكي السعودي. أولئك، مثل البروفسور ف. غريغوري غوز والسفير الأميركي السابق لدى تركيا والعراق جيمس جيفري، الذين يقولون أن الولايات المتحدة ليس لديها خيار سوى الإستمرار في دعم النظام في منطقة عربية غير مستقرة ومتقلبة، هم قصيرو النظر. مثل إيران، فإن المملكة العربية السعودية ليست قوة إستقرار ولكن ملكية رجعية تسعى إلى بقاء الأنظمة الأستبدادية الأخرى المتحالفة معها في العالم العربي. وقد ساهمت تدخلاتها في المنطقة إلى فشل المحرك الحقيقي نحو الديموقراطية الذي بدأ في العام 2011.
إن الدعم الأميركي للنظام يجب أن يكون مشروطاً بإدخال إصلاحات سياسية حقيقية بدلاً من أن تكون تجميلية. على واشنطن أن تضغط على الملك سلمان بن عبد العزيز وخلفه لوضع البلاد على الطريق نحو حكومة حرة ومُنتَخَبة. إن الإصلاح السياسي فقط سيفتح حقاً الفضاء العام ويخنق التطرف. الواقع أن حكومة ديموقراطية يمكنها أن تستوعب الدوافع الجهادية، وتُلهم الشباب المُهمَّشين والغاضبين، ووضع المملكة العربية السعودية على الطريق الصحيح لدخول القرن الحادي والعشرين على أساس متين بإعتبارها دولة قومية حديثة. يجب على واشنطن أيضاً جعل مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية والتجارة معها مشروطة بإنفتاح النظام على هذا النوع من الإصلاح السياسي.
إن إجبار السعوديين على الدفع من أجل حمايتهم، كما إقترح ترامب، ليس هو الحل. إن القيام بذلك لن يؤدي فقط إلى إظهار الولايات المتحدة كمرتزقة ولكن ستسمح أيضاً للنظام السعودي وأمثاله بمواصلة الإبتزاز الجيو – سياسي. “إما نحن أو الإرهابيون” ليس سرداً منطقياً للنظام. مثل هذا الخطاب يقوّض قدرة السعوديين على تخيّل المستقبل الذي يقودون فيه بلادهم سلمياً إلى مصاف الدول التي تحترم مواطنيها والمجتمع الدولي. إن لدى ترامب الآن فرصة لإعادة تشكيل العلاقة بين أميركا والسعودية بطرق تحمي المصالح القومية الأميركية. في هذه المناسبة، إن الإستمرار بالعمل والتعامل كالمعتاد قد يكون في الواقع أخطر سياسة للجميع.

• مضاوي الرشيد، حفيدة آخر حاكم من أسرة الرشيد التي كانت حاكمة في حائل (1830 – 1921)، أستاذة زائرة في مركز الشرق الأوسط في معهد لندن للإقتصاد. كتابها الأخير (بالإنكليزية): “حداثة غير واضحة: الصراع على السياسة الإلهية في المملكة العربية السعودية”، 2015.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى