لماذا ذهب الملك سلمان إلى آسيا؟

بدأ العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في 26 شباط (فبراير) رحلة تدوم شهراً يزور خلالها ماليزيا، وإندونيسيا، وسلطنة بروناي، واليابان، والصين، والمالديف، بالإضافة إلى الاردن (لحضور فعاليات القمة العربية) حيث تهدف إلى “تعزيز وتطوير علاقات المملكة في المجالات كافة مع الدول الشقيقة والصديقة”، حسب البيان الصادر عن الديوان الملكي. ولكن هل هذا هو الهدف أم أن هناك أسباباً أخرى؟

وزير الخارجية السعودي عادل الجبير: أشاد بإدارة ترامب

الرياض – سمير الحسيني

هناك أسباب كثيرة تدفع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز (82 عاماً)، المتردّد والكاره عادة للسفر إلى الخارج حتى في أفضل الأوقات، للقيام برحلة طويلة لمدة شهر إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ. فالصين واليابان شريكان إقتصاديان حرجان تحتاج إليهما السعودية لتحقيق برنامجها الطموح “رؤية 2030” للإصلاح الإقتصادي والإجتماعي. بروناي وإندونيسيا وماليزيا وجزر المالديف هي دول ذات غالبية سنية وأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، التي يقع مقرها الرئيسي في جدة وتقودها المملكة العربية السعودية. على هذا النحو، فهي دول حيوية لجهود الرياض لبناء جبهة سنية مُوحَّدة لتحدي طموحات إيران لجمع السلطة والقوة في العالم الإسلامي.
ولكن يرى بعض المراقبين أن هناك بُعداً خفياً ضمنياً لجولة الملك يتمثّل في محافظة السعودية على مرونتها عندما يتعلق الأمر بتعاملها مع الولايات المتحدة. لقد كان رد فعل الرياض على إنتخاب دونالد ترامب رئيساً لأميركا إيجابياً. كان الملك سلمان بين القادة الأُوَل الذين هنّأوا الرئيس الأميركي المُنتَخب في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. وسعى وزير خارجيته، عادل الجبير، بقوة إلى إقامة علاقات مع الإدارة الجديدة، وأشاد بها في تصريحات للصحافة وفي المحافل العامة.
ومن جانبها، تُظهِر إدارة ترامب كل العلامات على أنها تبادل السعودية رغبتها في إعادة بناء العلاقات التي قد ذبلت خلال السنوات “غير السعيدة” لرئاسة باراك أوباما. وكجزء من جهودها لتعزيز إستراتيجيتها لإحتواء إيران، فإن إدارة ترامب تزيد دعمها لقوات التحالف التي تقودها السعودية، والتي تدخل الآن في السنة الثالثة لتدخلها العسكري في اليمن. وقد أعلنت إدارة ترامب خططاً لرفع بعض القيود المفروضة على مبيعات الأسلحة إلى المملكة السعودية التي فرضها أوباما، ولا سيما تلك التي تتعلق بالذخائر الموجهة بدقة (ولكن ليس، على ما يبدو، الذخائر العنقودية). وذكر بعض المعلومات بأن وزير الدفاع جيمس ماتيس قد تعهّد بإتخاذ جهود أكثر عدوانية لإعتراض إمدادات الأسلحة الإيرانية من البحر إلى المتمردين الحوثيين في اليمن. وفي الوقت عينه، فإن المملكة العربية السعودية هي غائبة بشكل واضح عن قائمة الدول ذات الغالبية المسلمة “الخطرة” التي تخضع لقيود جديدة بالنسبة إلى تأشيرات دخول الولايات المتحدة، على الرغم من أن 15 من أصل 19 من المشاركين في أحداث 11 أيلول (سبتمبر) كانوا سعوديين.
ومع ذلك، فإن السعوديين يخشون من أن يتحول دعم ترامب بسرعة ويصبح ساماً. إن الإدارة الأميركية تعتقد على ما يبدو أنه يمكنها جذب السعوديين إلى خطة لحل المشكلة الإسرائيلية -الفلسطينية بشروط تُمليها تل أبيب. وكما قال المفاوض الأميركي السابق دينيس روس لصحيفة “نيويورك تايمز” في شباط (فبراير) الفائت، “إن المنطق السائد حالياً هو لأن الفلسطينيين ضعفاء جداً ومنقسمون – ولأن هناك علاقة ضمنية جديدة بين العرب السنة واسرائيل – فهناك أمل بأن يكون العرب على إستعداد لبذل المزيد من الجهد”. مثل هذه الفكرة تبالغ بتلاقي المصالح بين الإسرائيليين والسعوديين على أساس الكراهية المُتبادَلة تجاه إيران. إن الخطة المُعلَنة المحلّاة أو المُجَمَّلة – بصفقات إقتصادية وأمنية – لن تكون كافية لكي تتخلّى الرياض عن االفلسطينيين ورميهم تحت الحافلة. لقد كان الجبير واضحاً وضوح الشمس، في أعقاب تصريحات ترامب حول حل الدولة الواحدة المُحتَمَل خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة إلى واشنطن، عندما أعلن أن المملكة العربية السعودية لا تزال ملتزمة بحل الدولتين. وبالتالي، فإن السعودية لن تشارك في أي حلّ لا يتضمن إقتراحاً يمنح للفلسطينيين دولة آمنة وذات سيادة، أو على أقل تقدير، حقوق المواطنة الكاملة في دولة وحدوية.
مما لا شك فيه أن السعوديين أيضاً لم يكونوا سعداء من التأكيدات المتجددة المثيرة للرئيس ترامب بأنه ينبغي على المملكة العربية السعودية أن تكون على إستعداد لتكون بمثابة أجهزة الصراف الآلي لأميركا، ودفع تكاليف كافة المبادرات الإقليمية للإدارة من إقامة مناطق آمنة سورية إلى الحشد العسكري في مواجهة إيران. الواقع أن المملكة العربية السعودية لا تمتلك ثروة لا حدود لها. تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أنه في العام 2017، سيكون الناتج المحلي الإجمالي السعودي 690 مليار دولار. وهذا يجعلها على قدم المساواة مع ولاية أوهايو التي يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي 653 مليار دولار. مقابل هذا الدخل، فإن السعوديين يصارعون تحديات إقتصادية لإيجاد فرص عمل للشباب وتنمية وتنويع الاقتصاد الذي يرتكز بشكل مفرط على قطاع الطاقة. ومن المفارقات أنه من خلال الحفاظ على إنخفاض أسعار النفط العالمية، فإن سياسات ترامب الخاصة التي تؤكد على إستقلال الولايات المتحدة في مجال الطاقة تهدد بتفاقم التحديات الاقتصادية للمملكة السعودية وتقويض قدرة السعوديين على توفير هذا النوع من التمويل الذي يريده ترامب.
من جهتهم لا يشك المتابعون في أن الرياض ستكون حريصة على ايجاد سبل لملاقاة إدارة ترامب في منتصف الطريق. وإذا نجحت الإدارة الأميركية في جهودها لإنشاء مناطق آمنة للاجئين السوريين، فإن السعوديين سيوافقون بشكل مؤكد على المشاركة في التحالف الدولي لتمويل تلك العملية، لكنهم لن يكونوا المموّلين الوحيدين (أو أن يكونوا جزءاً من آلية تمويل موحدة أو وحيدة لمجلس التعاون الخليجي). وبالمثل، فإن المملكة العربية السعودية، التي هي بالفعل ثالث أكبر إحتياطي نفطي في العالم، وتستهلك ما يقرب من 14 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي (مقارنة مع 3.3 في المئة للولايات المتحدة) على نفقات الدفاع، فإنها تريد دعم التعزيزات العسكرية في المنطقة على غرار ما إقترح ماتيس، لكن السعوديين ليسوا في موقف لدفع الفاتورة وحدهم.
ونظراً إلى المأزق الذي تجد الرياض نفسها فيه مع إدارة ترامب، فإن سلمان كان مضطراً للسفر إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ. إن الرياض حريصة على فتح صفحة جديدة في علاقاتها مع الولايات المتحدة وإستئناف نوع من التعاون الوثيق الذي ميّز العلاقة لمعظم فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. لكن المملكة العربية السعودية، مع ذلك، تتحوّط لإحتمال تحوّل ترامب (المزاجي) إلى عدائي عندما يحدث الأمر الذي ما لا مفر منه حيث على الرياض أن تقول له أن توقعاته بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية هي خارج الخط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى