إيران، روسيا وتركيا ومستقبل سوريا الأسد

بعدما عُقدت مفاوضات جنيف لحل الصراع في سوريا، لا يبدو أنها تسير على ما يرام، إذ أن أجندات أجنبية عدة تتصارع للحفاظ على مصالحها من خلال تلك المفاوضات والمعارك التي تصاحبها في بلاد الشام.

مفاوضات جنيف الأخيرة: هل تؤدي إلى نتيجة؟
مفاوضات جنيف الأخيرة: هل تؤدي إلى نتيجة؟

دمشق – محمد الحلبي

أبرَزَ الموضوع الذي نشرته صحيفة “الحياة” السعودية، الصادرة في لندن في 18 شباط (فبراير)، الطبيعة المُعقّدة للتدخلات الأجنبية في سوريا. فقد أشار المقال إلى أن الولايات المتحدة تدرس ثلاث خطط لطرد تنظيم “الدولة الإسلامية” والإستيلاء على مدينة الرقة السورية. واحدة من تلك الخطط قدّمتها تركيا، التي لا تريد أن ترى قوات سوريا الديموقراطية، التي يُهيمن عليها الأكراد، تدخل المدينة.
ومع ذلك، فإن الحدّ من نوايا تركيا في سوريا لمنع نشوء كيان كردي يتّسم بقصر النظر. إن أنقرة تتحيّن الفرصة أيضاً للعب دور في سوريا ما بعد الحرب. والمثير للدهشة، أن المساعدة في ذلك تأتيها من روسيا، التي رعت مفاوضات أستانا مع تركيا وإيران، وساعدت على التقدم العسكري التركي ضد “داعش” في مدينة الباب.
إن الإنفتاح الروسي على مشاركة تركيا في ترتيبات ما بعد الحرب يُستمَدّ من قراءة واقعية لضعف بشار الأسد. في بيانٍ له في منتصف شباط (فبراير) تعهّد الرئيس السوري بإستعادة السيطرة على “كل شبر” من الأراضي السورية. ومع ذلك، لا يوجد لديه ما يكفي من القوات البرية السورية لكي يحقق مثل هذا الشيء، كما أن الأسد، نظراً إلى الجرائم الفظيعة التي إرتكبها نظامه، ليس في وضع يمكّنه من قيادة المصالحة بعد الحرب.
في هذا السياق، إذن، قد يكون الروس رأوا فرصة لجلب تركيا وايران للمساعدة على تشكيل الوضع بعد الحرب الذي يمكن ان يُعيد الإستقرار بشكل أفضل إلى سوريا. وقد تمت مناقشة قضية واحدة مع كلا الجانبين وتتمثل بإنشاء مجلس عسكري جنباً إلى جنب مع حكومة وفاق وطني، الذي من شأنه أن يجمع قادة جيش الحكومة والمعارضة.
الدور الحقيقي لمثل هذا المجلس ما زال مثار تكهنات. لقد إقترح تقرير لقناة “العربى الجديد” في تموز (يوليو) 2016 أن الفكرة نوقشت أيضاً بين الولايات المتحدة وروسيا. وفي حين أن الأسد قد ينظر إليها على أنها آلية لتحييد خصومه وتوطيد سيطرته على الدولة، فلا بدّ له أيضاً أن يكون حذراً من أنها قد تجعله زائداً عن الحاجة، مع ضمان أن خروجه في نهاية المطاف لن يقوّض إتفاق ما بعد الحرب.
وأياً كان التفسير، يجب أن يرى الأسد التعاون الروسي مع تركيا بأنه تهديد بطبيعته. فهو يجلب أنقرة إلى أي حل سياسي حيث يشعر الرئيس السوري اليوم بالثقة في أنه ينبغي عليه وحده إدارته، نظراً إلى المكاسب العسكرية الحاسمة لنظامه في الأشهر الأخيرة.
لكن يبدو أن الروس يفكرون أبعد من ذلك. إنهم يُدركون أن هناك عشرات الآلاف من الرجال المسلحين في المعارضة يجب إعادتهم ووضعهم تحت السيطرة، ويمكنهم الإدراك بأنه ما دام الأسد في السلطة، فإنه سيكون من المستحيل إعادة بناء سوريا. إن كلا الحقيقتين تؤكدان على مدى الصعوبة التي ستكون لترسيخ نظام ما بعد الحرب في ظل الظروف الحالية، بغض النظر عما إذا هُزمت المعارضة بشكل نهائي أم لا.
هذا هو المكان الذي سيكون دور تركيا فيه حيوياً. إن الأتراك وحدهم يسيطرون على شريان الحياة لكثير من جماعات المعارضة، وحتى الجماعات المتطرفة القوية مثل جبهة “فتح الشام” (سابقاً “جبهة النصرة”)، لذلك فإن مشاركتهم في التسوية أمر ضروري. وعلاوة على ذلك، يجب أن تكون هناك دولة ما في المنطقة قادرة على التحدث بالنيابة عن مصالح السنّة في سوريا، وأنقرة وحدها، المدعومة من دول الخليج العربي، لديها تلك القدرة اليوم.
يمكن أن يكون هذا هو أحد الأسباب التي من أجله وافقت موسكو على التدخل العسكري التركي في سوريا في آب (أغسطس) الماضي، في مقابل سحب تركيا لعدد كبير من مقاتلي المعارضة من حلب وإعادة انتشارهم في المنطقة الحدودية. وقد مَهّدت هذه الخطوة الطريق لسقوط حلب، لكنها جلبت أيضاً الأتراك إلى سوريا، الأمر الذي جعل إشراكهم في نهاية اللعبة السياسية لا مفر منه.
كل هذا يشير بقوة إلى أن سوريا قد تكون متجهة نحو نظام غير مركزي في المستقبل. إن العودة إلى فترة ما قبل 2011 من الصعب تصورها اليوم. إذا وسعت تركيا نفوذها في بلاد الشام، وهذا من المرجح أن يُمارَس بشكل رئيسي في مناطق نفوذها على طول الحدود التركية، فسيتم تسوية قضية اللاجئين السوريين الموجودين الآن في بلاد أتاتورك. ومن الخيال تقريباً التصور بأن سلطة الأسد سوف تمتد إلى هذه المناطق. كما أن قبول روسيا بهذا الأمر مُعبّرٌ في حد ذاته.
ولا يبدو أن إيران ستعارض مثل هذه الخطوة إذا تم ضمان مصالحها في سوريا، قبل كل شيء الحفاظ على خطوط الإمداد ل”حزب الله” في لبنان. الواقع، قد يكون على الأسد القبول بأن سلطته قد تقلصت بسبب إعتماده على قوى خارجية من أجل بقاء نظامه، وبأن كلمته في أي نتيجة نهائية في سوريا ستكون محدودة نسبياً.
مع الجيوش الروسية، الإيرانية، والتركية على أرضه، فإن الرئيس السوري يكاد يكون في موقف لا يُحسَدُ عليه. ستبقى بلاده تعاني من الأجندات السياسية الخارجية، التي تمثّلت أخيراً بطريقة وحشية في حقيقة بأن المفاوضات في أستانا تمت برعاية روسيا وتركيا وإيران، التي وضعت بشكل كبير في ما بينها البيان الختامي، في حين كان المشاركون السوريون مُتفرّجين عملياً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى