الكويت تسعى إلى التكيُّف مع مناخ الطاقة الجديد

أجبر إنخفاض أسعار النفط دولة الكويت على بناء قطاعات أخرى -لا سيما الرعاية الصحية – لدعم قدرتها في مواجهة العواصف الإقتصادية التي تحملها الأزمات المحلية والمشاكل الدولية.

الهيئة العامة للإستثمار في الكويت: الذراع الرئيسية لمواجهة التغيير
الهيئة العامة للإستثمار في الكويت: الذراع الرئيسية لمواجهة التغيير

الكويت – علي الشعلان

تواجه الكويت، مثل جيرانها في الخليج، تحدّيات إقتصادية كثيرة مع إنخفاض أسعار النفط الذي ينهش مالية الحكومة. على الرغم من أن وضعها المالي جيد، فإن الإمارة تعتمد بتبعية خانقة على دخل النفط والغاز، وهو ما يمثل أكثر من 90٪ من الإيرادات الحكومية، وفقاً لوكالة التصنيف الإئتماني “موديز لخدمات المستثمرين”. وعلى الرغم من أن البلاد قد سرّعت جهودها في مجال التنويع الإقتصادي، فإن الإنتخابات الأخيرة التي جرت في العام الفائت شهدت مكاسب لمرشحين معارضين لحملة التقشف الحكومية. وهذا الأمر يمكن أن يضع مراقبة على الإصلاحات وبعض العراقيل.
الواقع إن الإصلاحات ليست فقط حول توسيع الإقتصاد، بل هي أيضاً حول التكيّف مع التغيير. ويقول محللون إن أقدم صندوق ثروة سيادي في العالم، “الهيئة العامة للإستثمار”، قد يراجع إستراتيجيته الإستثمارية في أعقاب الصفقة الرائدة بين “سوفتبنك” (SoftBank) وصندوق الإستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية. وتسعى ذراع الثروة السيادية التي أعيدت هيكلتها في الإمارة إلى بناء صندوق تصل قيمته إلى 100 مليار دولار مع شركة تكنولوجيا يابانية، مما يشير إلى تحوّل تركيز الصندوق المحلي سابقاً. وترمز هذه الخطوة إلى ظهور ما يُسمّى صناديق المشاريع السيادية التي تستثمر في مجال الإبتكار والتكنولوجيا فيما تسعى إلى الريادة.
عادةً، إكتسبت صناديق الثروة السيادية في الخليج تعرّضاً لقطاع التكنولوجيا من خلال شركاء رأس المال الإستثماري في وادي السيليكون في كاليفورنيا، بل ساهمت “الهيئة العامة للإستثمار” الكويتية في وقت سابق ب10 ملايين دولار في جولة تمويل سلسلة “C” في “كَريم” (Careem)، وهي شركة شرق أوسطية منافِسة لتطبيق شركة “يوبر” (Uber). وقد قادت الإستثمار مجموعة “أبراج”، وهي شركة إستثمارات خاصة مقرها دبي. وتأمل “الهيئة العامة للإستثمار” أن تصبح “كَريم” وحيدة من نوعها – شركة تكنولوجية مبتدئة التي تصل قيمتها إلى مليار دولار. ومع ذلك، فإنه من غير المحتمل أن تستتثمر “الهيئة العامة للإستثمار” في تمويل المرحلة المبكرة في قطاع التكنولوجيا — ببساطة لأن المبالغ غالباً ما تكون صغيرة جداً. ومع ذلك، لا تزال هناك شائعات تفيد بأن الكويت قد تنشئ صندوقاً إستثمارياً.
ما هو أكثر إحتمالاً هو أن إهتمام صناديق الثروات السيادية في القطاع المالي سيؤدي إلى إستثمارات أكثر رسوخاً في مجال التكنولوجيا المالية. “من المحتمل أن نشهد المزيد من ضخ الأموال في مرحلة متأخرة إلى شركات ترفع جولات ما قبل الإكتتاب العام للتمويل”، يقول فليكو فوتاك، أستاذ مساعد في الإقتصاد في جامعة ولاية نيويورك في “بوفالو” وزميل في مختبر “صندوق بافي كارفين للإستثمار السيادي”. “لقد أظهرت صناديق الثروة السيادية حباً للمالية، لذلك ربما يمكن لبعض الوحدات التكنولوجية أن ينتهي على الطرف المتلقي”، حسب قوله.
من ناحية أخرى، يمكن لفوز دونالد ترامب في الإنتخابات الرئاسية الأميركية أن يؤثر في إستراتيجية الهيئة العامة للإستثمار الكويتية، التي لديها أصول خاضعة لإدارتها تصل إلى حوالي 600 مليار دولار، والتي إستثمرت 300 مليار دولار في الولايات المتحدة، وفقاً لنقارير حديثة. ويفيد مدير أصول يعمل على ولايات صندوق الثروة السيادية، والذي طلب عدم الكشف عن هويته نظراً إلى إمتياز العميل، بأن الهيئة العامة للإستثمار تواجه بسرعة عالماً متغيّراً وسط تزايد التقلبات في أسواق الطاقة العالمية. لكن فوتاك بدا أكثر تفاؤلاً: “الغموض المتصل بفوز ترامب قد يؤدي إلى تغييرات طفيفة في المخصصات — ستكون آسيا-المحيط الهادئ من المستفيدين المحتملين، بدلاً من أوروبا، ولكن هذه التغييرات من غير المرجّح أن تكون كبيرة”.
وفي الوقت عينه، إستمر العمل والبناء ليكون المستفيد الرئيسي هو الإنفاق على البنية التحتية الذي أُعلن عنه في خطة التنمية الكويتية 2015-2020 ، التي تتضمن مشاريع تصل الى اكثر من 100 مليار دولار، ويُتوَقَّع أن تكون المحرك الرئيسي للنمو الذي تشتد الحاجة إليه في القطاع غير النفطي. وفقاً ل”مجموعة أكسفورد للأعمال”، تستهدف خطة النمو غير النفطي من 5٪ إلى 6٪ في السنوات القليلة المقبلة، وتلتزم زيادة الشراكات بين القطاعين العام والخاص. إن زيادة الإنتاج الصناعي هو الهدف الأساسي للسياسات، مع التوسع في صناعات البتروكيماويات والبلاستيك هو الرائد. في آب (أغسطس) أُعلِن عن مشروع مشترك بين شركة “داو كيميكال” وثلاث شركات محلية: شركة صناعات البتروكيماويات، شركة بوبيان للبتروكيماويات، وشركة القرين لصناعة الكيماويات البترولية — لبناء مجمع صناعي مساحته 200,000 متر مربع.
كما أعلنت وزارة التجارة والصناعة الكويتية في تشرين الأول (أكتوبر) بأنها قد وافقت على طلبٍ من شركة البترول الكويتية لإنشاء شركة تابعة لها جديدة، “الكويتية للصناعات البترولية المتكاملة”، لمشروعات التكرير والبتروكيماويات. ومن المتوقع أن تركّز هذه الشركة، مع رأسمال قدره 6 مليارات دولار، على مشاريع المصب، كما تفيد “مجموعة أكسفورد للأعمال”. بالإضافة إلى ذلك، فإن الكويت تستثمر بكثافة في المناطق الصناعية، بما في ذلك منطقة النعايم الصناعية التي إستثمرت فيها الهيئة العامة للصناعة 160 مليون دينار كويتي (525 مليون دولار) وأطلقتها في العام الماضي. وتقول الهيئة العامة للصناعة بأن الكويت تعتزم زيادة الإنتاج الصناعي بنسبة 25٪ في السنوات المقبلة. وفي محاولة لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فقد تمّ تعديل شروط السماح بالملكية الأجنبية ورفعها إلى نسبة 100٪ في بعض القطاعات.
من جهة أخرى، الكويت في طريقها إلى إفتتاح أكبر مستشفى في الشرق الأوسط (سادس أكبر مستشفى في العالم) في إطار جهودها لإصلاح قطاع الرعاية الصحية الذي يمكن أن يؤدي إلى واحد من أنظمة الرعاية الصحية الأكثر كفاءة في العالم. إن مشروع مستشفى جابر الأحمد جابر الصباح، الذي يقوم على مساحة 270 ألف قدم مربعة وبلغت تكاليفه مليار دولار، هو محاولة للحصول على ميزة تنافسية في القطاعات الرئيسية. والواقع أن خطة التنمية الكويتية 2015-2020 إعتبرت الرعاية الصحية من أهم أولويات الحكومة، حيث كُلّفت وزارة الصحة بتحسين الخدمات وخفض التكاليف في حقلٍ كانت رائدة فيه سابقاً.
يقول نيكوس سافا، أستاذ مشارك في العلوم وإدارة العمليات في مدرسة لندن للأعمال، إن أهداف الرعاية الصحية في الكويت مدعومة ب4.2 مليارات دولار من خطة التنمية التي تشمل بناء تسعة مستشفيات إضافية وخلق 15,000 فرصة عمل جديدة. وحتى مع ذلك، يمكن لقطاع الرعاية الصحية في الكويت أن يصبح دعامة أساسية للإقتصاد إذا أعطى صنّاع السياسة الأولويات للتخصص في هذه الصناعة، كما يدّعي.
“يجب على الكويت أن تستثمر في نوعين من المرافق”، بوضّح سافا، “المستشفيات الكبيرة لحالات الطوارئ التي تعالج جميع أنواع المرضى الذين تستدعي حالتهم عناية فورية، ووحدات خدمة واحدة مركّزة التي تقدم رعاية إنتقائية”. وهذه ليست وحدها كفيلة بتطوير هذا القطاع. لقد أنشأت دبي من جهتها مدينة طبية في محاولة لمحاكاة إمتياز سياحة الرعاية الصحية التي تم إنشاؤها في سنغافورة.
على الرغم من أنها جديرة بالثناء، فإن طموحات الكويت لتنويع إقتصادها قد تتعثر. لقد فاز منتقدو الحكومة ب24 من أصل 50 مقعداً التي جرى التنافس عليها في الإنتخابات النيابية في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، مع تسجيل إقبال الناخبين نسبة 70٪، وهي الأعلى على الاطلاق منذ تسعينات القرن الفائت. وكانت المعارضة لتدابير التقشف، وخصوصاً خفض دعم الوقود، مكثّفة، مما إضطر الحكومة إلى التراجع عن بعض الإصلاحات. من جهته يعتقد طارق قاقيش، العضو المنتدب لإدارة الأصول في شركة “المال كابيتال” في دبي أنه سيكون هناك عدم تطابق بين ما تريد الحكومة الكويتية تحقيقه وما سيسمح به البرلمان الجديد: “سيتم تركيز الحكومة على الحدّ من الضغوط على المالية العامة، [ولكن] البرلمان الجديد سوف يستمر في دعم الإصلاحات الشعبوية”.
لكن ستيفن دايك، محلل وكالة “موديز” الرئيسي عن شؤون الكويت، يعتقد أن الزخم في نفقات الموازنة سوف يواصل تعويم الإقتصاد في المدى القصير. “على النقيض من سوء التنفيذ السابق لخطة التنمية الوطنية لفترة خمس سنوات”، كما يقول، “فإن المؤشرات تدل على تحسّن في تنفيذ الموازنة هذه المرة، حيث بلغ إجمالي المشاريع التي تقرر تنفيذها خلال الارباع الثلاثة الاولى لهذا العام 12 مليار دولار”. وحتى مع ذلك، فإن وكالة “موديز” أقرّت بأن “الإئتمان السلبي” لنتائج الإنتخابات يمكن ان يعرقل الإصلاحات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى