الموقف التونسي القاتل في ليبيا

بقلم عبد اللطيف الفراتي*

في السابع من تموز (يوليو) 2014 جرت إنتخابات عامة في ليبيا إنتهت بفوز الجانب المدني بغالبية ساحقة، وهزيمة ماحقة لجماعة “الإخوان المسلمين” والداعين إلى دولة إسلامية.
غير أن ذلك لم يُرضِ “الإخوان” والجماعة المُقاتلة وعبد الحكيم بالحاج وأزلامه، ممن يسيطرون على ميليشيات مُسلّحة، بعكس الداعين إلى دولة مدنية، التي كانت موضع تأييد غالبية الناخبين، فإنقلبوا على الشرعية الإنتخابية، وسيطروا على المنطقة الغربية بما فيها العاصمة طرابلس، الأمر الذي أجبر نواب الأغلبية الأحرار الذين صوت لهم الشعب، على الإنتقال إلى الجهة الشرقية، فإختاروا مدينة طبرق التاريخية كمقر للبرلمان المُنتَخَب.
وإرتأت الحكومة التونسية إرضاءً لشريكها حزب “النهضة”، أن تكون في صف المُنقَلِبين، وقطعت كل علاقة مع الشرعيين. وجاء “بول بريمر” جديد إسمه مارتن كوبلر مبعوثاً من الأمم المتحدة لإيجاد حلّ ” أميركي”. فأنشأ سلطة جديدة إعتبرها شرعية لتسلم مقاليد الأمر لم يعترف بها أحد وإن كانت قريبة من الإسلاميين، وإضطر إلى وضعها، أي تلك السلطة، في قاعدة بحرية عسكرية ليبية تحت السيطرة الغربية.
وفي الوقت الذي كانت السلطة الأميركية بين يدي الرئيس باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، اللذين عُرِف عنهما تأييدهما ل”الإخوان المسلمين”، إنغمست واشنطن في تأييد الجهات الاسلامية حتى المتطرفة، على حساب الشرعية الناتجة من إنتخابات حرة ونزيهة وشفافة، إذ لا ننسى أن الجهة الغربية من طرابلس الواقعة إنقلابياً تحت سطوة أشتات من الإسلاميين، من بينهم عبد الحكيم بالحاج الذي يُستقبَل بحفاوة في تونس، تؤوي المتطرفين التونسيين بمن فيهم سيف الله بن حسين المعروف ب”أبو عياض”. ولعلّه من حسن الحظ أن جهةً لم تُعلِن عن نفسها قَنبَلت قاعدة لهؤلاء كانوا يعدّون لهجومٍ على بنقردان (تونس)، فقتلت منهم 100، وبقي 50 الذين نظموا تلك العملية الإرهابية التي كان الجيش والأمن التونسيين لها بالمرصاد في بنقردان إنطلاقاً من ليبيا. ونجحت قوات الجيش والأمن في تحجيمها قبل القضاء عليها، وسحق رأس الثعبان وأعطاها دروساً في الشجاعة جديرة بالإشادة والتنويه. ولنتصور أن الهجوم شمل 150 قُتِل ثلثاهم، فإن أفراد الجيش والأمن والحرس في تونس كانوا قادرين على المواجهة ورد الرماح إلى رقابهم ولكن بأي خسائر يا ترى؟
ودارت عجلة الزمن، وأُنهيت مهام المبعوث الأممي كوبلر الذي يُذكّر ببريمر في العراق، وعُيِّن مكانه سلام فياض، رئيس الحكومة الفلسطينية السابق، المعروف بمدنيته وحزمه، الأمر الذي أثار حفيظة الولايات المتحدة وإسرائيل اللتين إعترضتا ومنعتا تعيينه حتى الآن.
أما تونس فإنها لم تجد نفسها لا في العِير ولا في النَفير، فقد إمتنعت عن تأييد الشرعية في الجماهيرية السابقة، التي إعتمدت على الجنرال خليفة حفتر، والجيش الليبي الذي يقوده، وتنكرت لبرلمان طبرق تحت ستار حيادٍ مغشوش، تحت عملية إرضاء لحزب “النهضة” شريك الحكم، وبدعوى أنها “لا تريد إغضاب المنطقة الغربية التي تُجاور تونس، ويمكن أن تصل تأثيراتها إلى بلادنا”، رغم أنها لا تخفي إيواء الإرهابيين التونسيين وفي مقدمتهم أبوعياض، ورغم التجاوزات التي تأتيها من حين إلى آخر.
وبالتالي فإن تونس في النهاية، ستجد نفسها في وضع صعب، إذ وضعت كل بيضها في سلة واحدة، بعكس ما يدعو إليه المثال الإنكليزي الشهير، بل عادت جهة متنفّذة تملك الشرعية ورفضت الإعتراف بها، وهي تحقق اليوم إنتصارات حاسمة، وغالباً لا أريد أن أقارن مع الرئيس الحبيب بورقيبة، الذي كان يتمتع ببصيرة سياسية، والذي كان عند الإختيار لا ينجرّ إلّا إلى الجهات التي يُدرك وفقاً لمسار التاريخ أنها ستنتصر، وبعضنا أي المرزوقي بالذات أقدم على إفساد علاقاتنا مع دولة الإمارات كما سبق له أن أفسدها في الأمم المتحدة مع مصر، حيث خلط بين مواقفه الشخصية ومقتضيات الدولة، لتقربه من حركة “النهضة” التي يظن خطأ أنها ستعطيه أصواتها في إنتخابات رئاسية مقبلة، كما سبقت أن منحته أصواتها جملة وتفصيلاً، إلا بعض الأذكياء، فيتربع على عرش قرطاج، كما حصل له في مرة سابقة في غفلة من الزمن فرفعته إلى سدة الرئاسة، عندما تنكرت “النهضة” لوعودها للباجي قائد السبسي وللولايات المتحدة وفضّلته لسدة الرئاسة في 2011 ، بسبب ما أحرزه من مقاعد في المجلس التأسيسي، بعضها إخواني وبتصويت شعبي نهضوي .
ولعل الغلطة في الحسابات السياسية التي تم إرتكابها خلال سنتين ونصف السنة، سيكون لها أكبر الأثر، فحفتر ينتقل من الجزائر إلى مصر، وتستضيفه البوارج الحربية الروسية، وعموماً فهو مقبول عربياً بينما تساعده طائرات الهيليكوبتر الفرنسية، فيما ستضطر إدارة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب إلى السير في إتجاه معاكس لإدارة أوباما/ كلينتون.
تلك عواقب السياسات التي لا تقرأ حساباً للمستقبل.

كاتب وصحافي تونسي، ورئيس تحرير سابق لصحيفة “الصباح” التونسية. fouratiab@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى