وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض يُنعِش “الآمال” في مصر وتركيا وإسرائيل

بعدما تميزت العلاقات بين إدارة أوباما مع مصر وتركيا وإسرائيل بالسوء ها هي الآمال تنتعش من جديد لدى زعماء الدول الثلاث مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بتحسنها. فهل هناك من أسباب جدية لذلك أم أن الأمر مجرد أوهام؟

الرئيس عبد الفتاح السيسي: لماذا إبتهج بفوز ترامب؟
الرئيس عبد الفتاح السيسي: لماذا إبتهج بفوز ترامب؟

واشنطن – محمد زين الدين

حوالي الساعة 03:30 من صباح 9 تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، إستقبل دونالد ترامب أول مكالمة تهنئة هاتفية لنجاحه في الإنتخابات الرئاسية. وقد جاءت من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وفي الأسابيع التي تلت، أشار المسؤولون المصريون إلى المكالمة بأنها تمثّل رمزاً لحقبة جديدة في العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر، التي توترت بشكل كبير بعد تموز (يوليو) 2013 إثر الإنقلاب الذي أطاح الرئيس المنتخب محمد مرسي، العضو في جماعة “الإخوان المسلمين”، وأوصل السيسي إلى السلطة. وكان المسؤولون المصريون سعيدين جداً من نتائج الإنتخابات الأميركية إلى درجة أنه يُقال أن السيسي كان يود حضور حفل تنصيب الرئيس في 20 كانون الثاني (يناير) بنفسه.
بقي السيسي في القاهرة، ولكن وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، حضر شخصياً. ليس من غير المألوف أن يحضر بعض السفراء الأجانب إحتفالات التنصيب؛ لكن وجود شخص مرموق مثل تشاووش أوغلو كان غير مألوف. كما قام وفد من المستوطنين الإسرائيليين أيضاً برحلة للإحتفال برئاسة ترامب. لم يحضر أحد من دول الخليج العربية. على عكس المصريين والإسرائيليين والأتراك، الذين بدوا متفائلين ومنتعشين بفوز ترامب، فقد إتخذ السعوديون والإماراتيون نهجاً أكثر حذراً بالنسبة إلى التغيير في البيت الأبيض – ولكن مع ذلك فقد بدوا أنهم مسرورون بنهاية عهد باراك أوباما.
كل ذلك يبدو غريباً نوعاً ما نظراً إلى كيفية وصول ترامب إلى السلطة، الذي ظهر في بعض الأحيان مضاداً للإسلام وللسامية وجذاًباً للإنعزالية. إذا كانت هناك أي إشارة خلال الحملة الإنتخابية الطويلة حول نهج ترامب بالنسبة إلى سياسته الخارجية في الشرق الأوسط وسياسة الولايات المتحدة بشكل عام، فقد كان التقشف وتخفيض التدخل. وهذا ليس جيداً لحلفاء واشنطن الإقليميين الرئيسيين، ومع ذلك يبدو أن القادة في هذه الدول هم على إستعداد للتغاضي عن هذه الحقيقة غير المريحة لصالح الخيال والفانتازيا بأن ترامب سوف يكون وكيلاً أفضل لأمنهم والمصالح الأميركية مما كان أوباما.
المصريون، على سبيل المثال، مقتنعون بأن إدارة ترامب ستقدّم دعمها غير المشروط للسيسي وتُسقط إعتراضات إدارتي بوش وأوباما حول سجل مصر السيئ في مجال حقوق الإنسان. من جانبهم، يدرك الأتراك أن الإدارة الجديدة سوف تدعم نضالهم ضد القومية الكردية. والإسرائيليون واثقون الآن من الغطاء السياسي والديبلوماسي الأميركي لمواصلة سياسة الضم البطيئة والتدريجية والثابتة للضفة الغربية. ومن جهتها تعوّل دول الخليج العربية وإسرائيل، الغاضبة من تواصل أوباما مع إيران، على ترامب لإعادة علاقة واشنطن العدائية مع طهران.
حتى لو فعل ترامب كل ما يريده منه قادة الشرق الأوسط، على المرء أن يتساءل: إلى أي حد؟ كيف يستطيع أن يجعل الأمور أفضل؟ أليست هناك فرصة كبيرة في أن يجعل ترامب الأمور أسوأ بدلاً من ذلك؟ من الجدير التذكر بأن الأوهام هي مُغرية حسب تعريفها، ولكن نادراً ما تكون مرضية عندما يحاول شخص ما جعلها حقيقة واقعة. يبدو من المرجح أن يحصل المصريون على ما يريدون: تغيير في اللهجة بالنسبة إلى علاقات القاهرة الثنائية مع واشنطن. ومع ذلك، ينبغي عليهم إبقاء حماسهم تحت المراقبة.
بالإضافة إلى الدفعة السياسية المؤقتة التي سيمنحها تحسين العلاقات مع واشنطن للسيسي، فإنها لن تستطيع القضاء على التمرد في شبه جزيرة سيناء أو جعل الإقتصاد المتعثر في مصر ينمو فجأة. ليس هناك ما يدل على أن إدارة ترامب ستكون أكثر إستعداداً من أوباما لتقديم مساعدات عسكرية أو إقتصادية أكثر. إن ترامب يجيد “فن الصفقة”. في عالم معاملاته، ما هي عملة مصر؟ والقول المصري القديم بأن مصر “قوة للاستقرار في المنطقة” صار قديماً – ولم يعد دقيقاً. الى جانب ذلك، ما هو الأمر الذي يثير إهتمام ترامب في المنطقة غير “قصف تنظيم “الدولة الإسلامية””؟
ما يريد السيسي أن يقدمه للإدارة الجديدة – دعم دولي ضد جماعة “الإخوان المسلمين” – هو شيء قدمه المصريون فعلياً إلى ترامب مجاناً. بعد لحظة من الرضا الذاتي والنشوة بأن أوباما قد ترك المكتب البيضاوي، فمن المحتمل أن يواجه المصريون حقيقة أن المشكلة في علاقتهم مع الولايات المتحدة كانت في القاهرة، وليس في واشنطن. مصر مهمة بسبب مشاكلها، واحدة منها فقط تهم الرئيس الأميركي الجديد – الإرهاب. وكما تقترح التجربة الأميركية على مدى السنوات ال16 الماضية، فإن رفع مستويات القمع والقوة للقضاء على المشكلة لا يعمل.
والمشكلة متشابهة مع الأتراك، الذين يبدون خيبة أمل بأن حضور شاووش أوغلو لحفل التنصيب لم يفعل شيئاً. فقد أفاد وزير الخارجية الأميركي الجديد، ريكس تيلرسون، في جلسات تأكيده في منصبه أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ أن القوة الكردية السورية القتالية الرئيسية – “وحدات حماية الشعب” — التي تعتبرها الحكومة التركية تابعة ل”حزب العمال الكردستاني”- هي “الحليف الأكبر” لواشنطن ضد “الدولة الإسلامية”.
بدأ حزب العمال الكردستاني شن حملة إرهابية ضد تركيا منذ كان ترامب متزوجاً إلى زوجته الأولى، إيفانا. وقد رفعت إدارة أوباما حفيظة أنقرة لأنها قامت بالتنسيق مع “وحدات حماية الشعب” في سوريا في الحرب ضد “الدولة الإسلامية”، التي هي أيضاً تشكل أولوية لدى ترامب. كيف يمكن أن يتم إعادة العلاقات بين واشنطن وأنقرة “عظيمة مرة أخرى”؟ على الأقل يمكن للمصريين أن يبرروا قضيتهم في البيت الأبيض بأنهم حلفاء في معارضة جماعة “الإخوان المسلمين” ومحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” في سيناء. من ناحية أخرى، إن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا هو حركة إسلامية منحت “الإخوان المسلمين” في مصر ملجأ ومنبراً لنزع الشرعية عن الحكومة المصرية. هذا التاريخ ليس من المرجح أن يلقى مكاناً وإستحساناً لدى إدارة ترامب التي تنظر بريبة عميقة إلى كل ما يتعلق بالإسلام.
الحكومة الإسرائيلية أيضاً متحمسة بالنسبة إلى ترامب، الذي يخطط لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وعيّن محامياً من نيويورك مؤيداً للمستوطنات، ديفيد فريدمان، سفيراً للولايات المتحدة. وكانت هذه إشارة واضحة، عكس أوباما، إلى أن ترامب في الواقع يدعم “ويحمي ظهر إسرائيل”. مع ذلك، هناك دلائل على إضطرابات محتملة. كمرشح، قال ترامب أن السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين هو “صفقة أساسية وحتمية”. وعلى الرغم من قائمة طويلة من الجهود الأميركية التي فشلت في إنهاء هذا الصراع (أو ربما بسبب ذلك)، فمن الصعب التصور بأن لا يخوض ترامب في عملية السلام في مرحلة ما. وهذا الأمر لا بدّ أن يسبّب إحتكاكاً بين واشنطن وتل أبيب، بغض النظر عن مدى سعادة إسرائيل لضم أراضٍ فلسطينية الآن. ثم مرة أخرى، قد يسمح ترامب بتمكين المشروع الإستيطاني الإسرائيلي، الذي سوف يساعد على ديمومة الاحتلال الإسرائيلي، وزرع المزيد من العنف، الأمر الذي يجعل من الصعب عليه تطوير علاقاته مع دول عربية مهمة وربما تقويض الديموقراطية الإسرائيلية.
أكثر من أي شيء آخر، كان عداء ترامب الواضح تجاه إيران هو الذي جعل إسرائيل ودول الخليج العربية متفائلة بالنسبة إلى الإدارة الأميركية الجديدة. خلال حملته الإنتخابية، قال الرئيس أنه سيقوم بتمزيق الخطة الشاملة للعمل المشترك، أو (JCPOA)، والمعروفة أيضاً باسم الإتفاق النووي الإيراني. وأعلن أيضاً أن إيران هي “أكبر راع للإرهاب في العالم”، وأنه سيقوم بمواجهة “حملتها العدوانية لزعزعة الإستقرار والهيمنة” على الشرق الأوسط.
الجمهورية الإسلامية هي من دون شك لاعباً سيئاً، ولكن إذا سحب ترامب بلاده من الإتفاق النووي، فإنه على الأرجح لن يغير في الأمر كثيراً. هذا هو إتفاق متعدد الأطراف الذي ما زالت دول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين ملتزمة به. وأشار السعوديون والإماراتيون إلى أنهم يستطيعون العيش مع الإتفاق طالما أن واشنطن هي صارمة مع طهران. هناك منطق لهذا، بطبيعة الحال، ولكن ترامب قد يكون أقل تهديداً مما يشير خطابه. يبدو انه يميل الى إبرام صفقة مع الروس على سوريا من شأنها أن تترك الرئيس السوري بشار الأسد في منصبه. وسيكون ذلك فوزاً كبيراً للإيرانيين.
من المعقول أن تتوقع دول الخليج زيادة الدعم الأميركي في حملتها ضد المتمردين الحوثيين في اليمن، حيث إستطاعت إيران الإستفادة من الفوضى لنزف السعوديين. أبعد من ذلك، من الممكن أن تصاب المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بخيبة أمل. أفادت معلومات بأن وزير الدفاع الأميركي الجديد، الجنرال جيمس ماتيس، إقترح مهاجمة إيران رداً على إستهداف الميليشيات المدعومة من طهران الجنود الأميركيين في العراق في العام 2011.
قد يكون ترامب في الواقع أقرب إلى أوباما من ماتيس بشأن هذه المسألة. شمل جانب كبير من الحملة الانتخابية للرئيس الجديد إنتقاده للغزو الأميركي الذي أقدم عليه جورج بوش في العراق وإحتقاره لنخبة السياسة الخارجية التي أغرقت الولايات المتحدة عميقاً في وحول الشرق الأوسط. لن يكون هناك تقارب شبيه بتقارب أوباما مع إيران، ولكن قد يقرر ترامب عدم ملاحقة الإيرانيين في العراق وسوريا ولبنان واليمن وأماكن أخرى.
بالطبع ليست هناك طريقة للمعرفة بالضبط كيف سيتعامل ترامب مع المشاكل المتعددة والمعقدة في منطقة الشرق الأوسط. ويبدو أن لديه ثلاث أفكار فقط حول السياسة الخارجية الأميركية: تدمير “الدولة الإسلامية”، والتعاون مع روسيا واليابان وتحدّي الصين. قد يترك له هذا الأمر مجالاً للمناورة، ولكن ذلك سيأتي على حساب التماسك و”القيادة” التي زعم منتقدو أوباما أنه يفتقر إليها. أكثر من محتمل، فإن البيت الأبيض في عهد ترامب سيفعل ما فعله المرشح ترامب: معالجة كل مشكلة في حينها عندما تطرأ. وهذا لا يبشر بالخير. فمن غير المرجح أن تستطيع القوة الأميركية إعادة الشرق الأوسط إلى ما كان عليه سابقاً مرة أخرى. ولكن يمكن بالتأكيد أن تجعل الأمور أكثر سوءاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى