بدأت الإستعدادات: دراجات الأجرة آتية إلى لبنان!

بعدما بدأت عواصم العالم الغربية تعتمد على الدراجة الهوائية كوسيلة للتنقل، ها هي بيروت تبدأ بدورها إستعداداتها تدريجاً لإستخدامها أيضاً، الأمر الذي سيقلل من إزدحام السير، ويسمح للعاصمة اللبنانية بالتنفس من جديد.

جواد سبيتي: مؤسس "بيروت بالدراجة"
جواد سبيتي: مؤسس “بيروت بالدراجة”

بيروت – مازن مجوز

بيّنت دراسةٌ لجامعة كليمسون الأميركية في ولاية كارولينا الجنوبية في حزيران (يونيو) 2014 أن راكبي الدراجات الهوائية هم أسعد من سائقي السيارات، ما يشتد الدافع للعودة إلى “البيسيكلات” وإلى الدَّوس والمضيّ فيها لمسافاتٍ وأماكن بعيدة.
وقد أوضح المشرف على الدراسة الأستاذ الجامعي إيريك موريس أن ركوب الدراجة الهوائية مفيدٌ للصحة الذهنية وأيضاً للصحّة الجسدية، وأن مَن يستخدمون الدراجة الهوائية كوسيلة أساسية لتنقّلهم يتمتعون في شكلٍ عام بقدرٍ أكبر من السعادة، خلافاً لراكبي السيارة أو الباص أو أي وسيلة نقل أخرى ذات حجم كبير، إذ لاحظت الدراسة أن مزاج الدّرّاجين غالباً ما يكون إيجابياً مقارنةً بالآخرين، فحلّوا في المرتبة الأولى كالأكثر سعادة، تلاهم في المرتبة الثانية راكبو السيارات، ثمّ في المرتبة الثالثة سائقو السيارات، ليتبيّن أن مستقلي الباص أو القطار هم الأقل سعادة.

إستعمالٌ خجول في لبنان

في نظرةٍ عامة وسريعة إلى المجتمع اللبناني، يتبين أن إستعمال الدراجات الهوائية كوسيلة نقل خجولٌ ومحدود، فالدراجون يكونون فقط بالعشرات وأحياناً أقل من 10 أشخاص في الحدائق والساحات العامة، نراهم أيضاً قرب المراسي أو “المارينا”، أو في أعالي الجبال حيث لا زحمة سير، إذ إن السيارة تظلّ هي الوسيلة الأكثر رواجاً على الرَّغم من أرَقِها وضغطها النفسي على اللبناني جرّاء زحمة السير وحالة الطرقات، فإستعمال الدراجة الهوائية يعرّض الشخص للخطر في لبنان، إذ لا طرقات مخصصة للدراجات، ولا “إحترام” للدراجين في تنقلهم.
ولكن ماذا عن بيروت؟
في مدينة مكتظة بالسكان مع نظام نقل عام فقير، فإن السيارات تتحكم بطرقات وشوارع العاصمة اللبنانية. ولكن يبدو أن نظاماً جديداً لتقاسم وإستئجار الدراجات بدأ يلوح في الأفق ويأمل في تغيير هذا الواقع.
من سائقي سيارات الأجرة الذين يقودون سياراتهم المرسيدس التي يعود تاريخها إلى سبعينات القرن الفائت، إلى سيارات البوغاتي والفيراري التي يفضّلها الأثرياء في المجتمع، فإن السيارات تنتشر في كل مكان.
إن وسائل النقل العام في البلاد قد أُهمِلت ولا يمكن الإعتماد عليها. إن أسهل طريقة للإلتفاف عليها هي إستخدام سيارة أو الإنتقال بواسطة سيارات الأجرة المشتركة. علماً أن الحافلات الصغيرة غير الرسمية تسير أيضاً صعوداً وهبوطاً على ساحل البلاد، وداخل المدن.
الواقع أن الإزدحام، لا محالة، هو مشكلة كبيرة. إن الرحلة التي ينبغي أن تأخذ نصف ساعة يمكنها خلال فترة الذروة أن تستغرق ساعات عدة.

نقل مستدام

جواد سبيتي، مؤسس “بيروت بالدراجة”، يأمل بأن تسمح المحطات الجديدة لتقاسم وإستئجار الدراجات الهوائية للبلاد بإحتضان الدراجات كوسيلة ل”النقل العام”. “الأمر يتعلق بالنقل المستدام”، كما يقول.
مضيفاً أن “كل شخص في لبنان لديه سيارة خاصة … أو سيارتان”، قائلاً أنه حتى لو إنخفض إستخدام السيارات بنسبة 20 في المئة، “فسوف تشعر بأنه سيكون شيئاً إيجابياً وجيداً”.
أسّس سبيتي “بيروت بالدراجة” قبل 20 عاماً كنادٍ للدراجات الذي يسعى إلى تثقيف الناس حول ركوب الدراجات في حين يعطي أيضاً المواطنين فرصة لإستئجار الدراجات مقابل 5000 ليرة لبنانية (3,31 دولارات) لكل ساعة.
عندما إنطلق في عمله في العام 1997، بدأ مع 60 دراجة ولديه الآن 2000، والتي يتم تأجيرها في الغالب بالساعة للأسر والشباب لركوبها وإستخدامها على طول كورنيش بيروت في إجازة نهاية الاسبوع.
إن محطات الدراجات الجديدة – ويأمل في إقامة 50 في جميع أنحاء المدينة بحلول العام 2020 – تستهدف مجموعة مختلفة من الركاب. “نريد ان نقول للناس أن يقودوا إلى ضواحي ومشارف بيروت، ويوقفون سياراتهم، ويأتون بعد ذلك إلى داخل المدينة بالدراجة”، يقول. “نأمل أن يساعد ذلك على الحد من حركة السير”، معلّقاً.
إن مواقف السيارات الكبيرة تبقى حالياً فارغة: واحد بالقرب من الميناء لديه مساحة تتسع ل3000 سيارة، وآخر إلى الجنوب من المدينة ومساحته تتسع ل5000.
لكن سبيتي يعرف أنه لن يكون من السهل إقناع الناس بالتخلي عن سياراتهم ووضعها جانباً. “سوف يستغرق الأمر أجيالاً، وأنا أعلم ذلك. إنه شيء من حلم”، على حد قوله.
تُفتتح محطة الدراجات الأولى، في أيار (مايو) المقبل، في وسط بيروت، والمحطات الأخرى التالية – 25 على مدى السنوات الثلاث المقبلة – سوف تقع بالقرب من الجامعات والمراكز التجارية والمناطق التي يتواجد فيها الكثير من المكاتب والشقق.

الدراجات سهلة الإستعمال

وخلافاً لمشاريع مماثلة في لندن وباريس، فإن نظام تقاسم وإستئجار الدراجات الجديد في بيروت ليس لديه راعٍ مصرفي رئيسي، و”بيروت بالدراجة” يموّله سبيتي جنباً إلى جنب مع محل لبيع اللعب والدراجات “نوني لبنان”.
وهناك مخطط شقيق مماثل في جبيل، على طول الساحل من بيروت، من المقرر إطلاقه قريباً، ولديه تمويل من بنك أنتركونتننتال لبنان (IBL)، وفقاً لسبيتي.
ويأمل في نهاية المطاف أن يفتتح محطات في طرابلس في الشمال وصيدا وصور في جنوب البلاد. وسوف يكون بإستطاعة المستخدمين الدفع من طريق بطاقة الإئتمان أو بطاقة الخصم، عبر التطبيق، أو بواسطة بطاقة مدفوعة مسبقاً، وهذا الخيار يستهدف الطلاب الذين غالباً لا يملكون بطاقات إئتمان، يقول سبيتي. وسوف تكون هناك أيضاً خصومات أسبوعية أو شهرية، “بالطريقة عينها التي تعمل بها أنظمة المترو في أوروبا”، وفقاً له.
ويفيد سبيتي بأنه لم ينتهِ بعد من وضع نطاق الأسعار، ولكن هذا لم يمنع النظام من جذب إنتقادات.
عندما تم تبادل الصور لأول محطة على نطاق واسع في وسائل الاعلام الاجتماعية في الشهر الفائت، كانت الإستجابة إيجابية في معظمها، وفقاً لسبيتي، ولكن كان هناك بعض المنتقدين الذي قال إن الطرق في البلاد خطيرة وغير مُجهّزة للدراجات.
على فايسبوك، قالت ميرنا رسلان: “هذه مبادرة جميلة جداً … ومع ذلك، هناك الكثير من العمل قبل أن نتمكن من ركوب الدراجة على طرق بيروت الفوضوية.
“القمامة بدأت تتراكم مرة أخرى في بعض المناطق؛ والأرصفة تصطف عليها السيارات أو تُقام عليها مواقع البناء، وليست هناك ممرات للدراجات الهوائية؛ وأعتقد أنه يجب على البلدية أن تحدد الأولويات بشكل صحيح قبل إنفاق المال. بيروت ليست فقط وسط المدينة الجميل!”
وعلّقت بيتي باشا: إن “[إعداد] محطة للدراجات في الوقت الذي ليست هناك “ممرات للدراجات “وتدابير السلامة لسائقي الدراجات على أي طريق لا في بيروت ولا في أي مكان آخر في البلاد، يعني إما أن الشخص الذي [كانت] لديه هذه الفكرة هو غبي، أو أن الأمر مجرد حيلة دعائية، أو أن هتاك ‘صفقة’ أخرى من ‘صفقات’ بلدية بيروت الفاسدة. إلى أي واحد من الأنواع الثلاثة ينتمي هذا المشروع؟”
من جهتها لا تشارك البلدية في تمويل المحطات، لكن سبيتي –على حد قوله – يقوم بالضغط لإقامة ممرات للدراجات في وسط المدينة، وربط وسط العاصمة إلى شارع الحمراء في الغرب وإلى الكورنيش. على الرغم من أن سبيتي يقول أنه يحظى بدعم الكثيرين في مجلس بلدية المدينة، فإنه لا يوجد جدول زمني واضح حتى الآن لممرات الدراجات، إذ أن الأمر يحتاج الى موافقة رسمية من الحكومة. لكنه واثق من أن ذلك سيحدث قريباً. وهذا برأي سبيتي سيشكل خطوة أولى لتشجيع المزيد من البيروتيين على ركوب الدراجات.
ولا يعني أن ممرات الدراجات ستمنع الخطر عن راكبي الدراجات بشكل كلي، لكنها سوف تعطي الثقة لمحاولة الإقدام على إستخدام الدراجات، ولتقول للسائقين أن” هذا هو ممري”.

من أين البداية؟

بالنسبة إلى مدينة فوضوية مثل بيروت، فمن أين ينطلق المبتدئون؟
سوار قريطم من عشاق ركوب الدراجة منذ سنوات، نشرت هذا العام دليلاً عن ركوب الدراجات في المدينة.
“يتضمن الكتاب موضوعات مثل كيفية الإستعداد للإنطلاق؛ كيف ينبغي أن تلبس؛ ما هي الأشياء التي يجب أن تحملها معك؛ كيف تخطط مسارك؛ إعتبارات السلامة، ويوفر أفكاراً حول أنواع الدراجات الموجودة هناك”، كما تقول.
““ABCycling in Beirut: a Guide to Cycling in the City of Organised Chaos هو دليل لركوب الدراجات في مدينة الفوضى المنظمة هو أيضاً شيء جميل، إذ أنه يبدأ كمشروع تصميم رسوم بيانية لها في الجامعة، ويشمل أقساماً وملصقات قابلة للإنسحاب.
ما تحبه قريطم بالنسبة إلى وجود الدراجة في بيروت هي الحرية التي تعطيها لها.
مع وسائل محدودة للنقل العام، ما لم يكن لديك سيارة، فإن الخروج في الليل للسهر، والذهاب إلى السوبر ماركت، والزيارات إلى الطبيب … غالباً ما تكون ممكنة إذا كان بإستطاعتك الوصول بواسطة صديق أو “أوتوستوب”، أو العثور على سيارة أجرة.
مع الدراجة، تقول قريطم، “ليس لديك أن نطلب من الناس “توصيلك”، لا تحتاج إلى البقاء في مكانك لمجرد أنك بحاجة إلى إنتظار شخص ما ليوصلك إلى مكان موعدك. أنت مستقل تماماً”، أضافت.

ثقافة متنامية

على الرغم من أن بيروت قد لا تبدو في البداية كمدينة صديقة للدراجة، فإن لديها صفات فريدة تجعلها بقعة مثالية للدراجات، وفقاً لقريطم.
“بيروت صغيرة جداً، يمكن إجتيازها من الشرق إلى الغرب في أقل من 30 دقيقة”، تقول قريطم. “تتمتع بطقس جميل، لا يقل عن 300 يوم في السنة، وهي مثالية لتوفير المال، و[خفض] حركة السير والإحباط”، على حد قولها.
وأضافت أن ركوب الدراجة يمكنه بسهولة أن يحل مكان الذهاب الى صالة الالعاب الرياضية، لأنه يحافظ على الرشاقة.
بالنسبة إلى مارك مُزَوَّق، مدرب التزلج على الجليد، فإن الدراجة هي وسيلة النقل الأساسية له في جميع أنحاء المدينة. وبصرف النظر عن ممرات الدراجات، التي يقول عنها بأنها مطلوبة بشدة نظراً إلى “القيادة المجنونة” في المدينة، فهو يتوق أيضاً إلى رفوف لإيقاف الدراجات، لأنه غالباً ما يجد نفسه يكبّل دراجته إلى “أعمدة الكهرباء، أو صناديق – ينبغي أن تكون خلاقاً” .
وهناك أيضاً عدم وجود أضواء في الشوارع، كما يقول، والقليل من الوعي العام بالنسبة إلى ركوب الدراجات بين السائقين، لكنه يشجع الجميع أن يحاولوا إستخدام الدراجات.
“ركوب الدراجات هي الوسيلة الأذكى والأكثر صداقة للبيئة للإنتقال من نقطة واحدة إلى أخرى”، كما يقول. “وهذا يعني أن هناك حركة سير أقل، والحد من التلوث، وهي أيضاً وسيلة أكثر صحية”.
في العقدين الفائتين منذ إفتتاح “بيروت بالدراجة”، فقد تغير الموقف كله نحو ركوب الدراجات في لبنان، يقول سبيتي، وذلك بفضل ظهور العديد من تعاونيات الدراجات الأخرى. “في أي ليلة في لبنان، هناك مجموعة تركب الدراجات في مكان ما. الثقافة تنمو”، مضيفاً.
عندما إفتتح سبيتي الشركة في العام 1997، قال الناس له في حينه: “هل أنت مجنون؟ ماذا تفعل؟”
“الآن في لبنان تستطيع أن ترى العديد من المحلات التجارية التي تبيع الدراجات في جميع الأنحاء، وهي تزدهر”، قال.

Cycling Circle

من ناحية أخرى، يوضح أحد مؤسسي حركة “Cycling Circle” الهادفة لنشر إستعمال الدراجة الهوائية والجامِعة للدّراجين في لبنان كريم السخّن أن “ركوب الدراجة الهوائية في لبنان صحيحٌ أنه خجول وليس منتشراً بكثافة، وذلك جرّاء الحرب التي مرّ بها البلد، إذ كان إستعمالها معدوماً حتى العام 2000، ولكنه بدأ يتطور منذ عامَي 2005 و2006″، مشيراً إلى النشاطات التي تقوم بها “Cycling Circle” كالرحلات إلى مناطق طبيعية أو في مخيمات صيفية خاصة بالأطفال، “نقوم من خلالها على التوعية على فوائد ركوب الدراجة الهوائية” ومؤكداً أن مسألة إنتشار “البيسيكلات” في تحسّن “ولكنها تأخذ وقتاً حتى يُكسَر حاجز الخوف عند اللبنانيين، فيتوجهون عندها خارجاً بإستعمالهم لها”، ويؤكد أن الإقبال على رحلاتهم يشمل كافة الأعمار: “يشاركنا كثيرون ويبلغ بعضهم من العمر 50 سنة، ولكن الغالبية تكون من اليافعين”.
عدا عن توعيتها لأهمية ركوب الدراجة الهوائية وتنظيمها لرحلاتٍ إلى أماكن طبيعية، تقوم ” Cycling Circle” بإيصال “ديليفري” عبر الدراجات الهوائية من خلال ” Deghri Messengers”، لتكون الجمعية الأولى في العالم العربي التي تقوم بالأمر، في محاولةٍ منها لتعزيز اللجوء إلى “الدراجة” كوسيلة نقل، لما لها من فوائد جمّة على الصّعيدَين الذهني والجسدي عند الإنسان، وفي هذا الإطار يشدّد السّخن أن “فوائد ركوب الدراجة تُكتشَف من الدّرّاجين أنفسِهم، إذ هم يلمسون تغييراً جذرياً في حالتهم النفسية وتحوّلاً إيجابياً في صحتهم الجسدية عند إستعمالهم لها”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى