لماذا ينبغي أن يبقى رياض سلامة حاكماً لمصرف لبنان

بقلم دكتور عبدالله ناصر الدين*

هو أول حاكم مصرف مركزي عربي يقرع جرس إفتتاح بورصة نيويورك في آذار (مارس) 2009. حصد العديد من الجوائز والأوسمة أهمها: “جائزة أفضل حاكم مصرف مركزي في العالم العربي في العام 1996، ووسام جوقة الشرف الفرنسي من رتبة فارس في العام 1997، ثم الوسام نفسه لكن برتبة ضابط في العام 2009. إنه رياض سلامة، الذي عُيّن حاكماً لمصرف لبنان منذ الأول من آب (أغسطس) 1993 وحتى اليوم، ليصبح الشخص الخامس الذي يتسلم هذا المنصب منذ تأسيس مصرف لبنان في العام 1964.
وعلى الرغم من قضائه حوالي 24 عاماً في منصبه فإن إنجازاته ما زالت مستمرة. وفي عددها الصادر في تشرين الأول (أكتوبر) الفائت ركّزت مجلة “غلوبال فاينانس غرايدز”على مدراء البنوك المركزية في العالم لسنة 2016، وصنّفت حاكم مصرف لبنان ضمن لائحة الفئة “أ” أي ضمن الأفضل في العالم خلال العام المنصرم وذلك تقديرًا لإنجازاته وتحقيقه أحسن أداء.
لقد أصبح سلامة إسماً موازياً للثقة والاستقرار داخل بلاد الارز وخارجها، ولطالما أثبت جدارته كمهندس للسياسة النقدية، وحامي الليرة اللبنانية، والساعي الاول إلى الدفاع عنها. فمنذ العام 1993 يدير بكل حنكة الأزمات المالية والمحطات الخطيرة التي رافقت وترافق كل إنعطافة سياسية كانت أو أمنية تحصل في الوطن، حيث منعت هندساته المُبتَكرة حصول إنهيار نقدي محتم في أصعب الظروف التي عاشها لبنان . وهذا ما يؤكد الدور المحوري الذي إضطلع به المصرف بقيادة الحاكم، كصمام أمان، وكخط دفاع.
لا شك في أن الآراء حول سلامة تنقسم، ففي وقت يعتبره البعض رمز إعادة إعمار البلاد، يصفه آخرون بأنه رمز الليبرالية المالية المتفلتة؛ وقد طُرح إسمه في العام 2016 مرشحاً مُحتمَلاً لرئاسة الجمهورية خلفاً للرئيس ميشال سليمان الذي إنتهت ولايته في 24 أيار (مايو) 2014.
ولد سلامة في 17 تموز (يوليو) 1950- وهو الابن البكر لتوفيق سلامة ورينيه رومانوس- في بلدة كفرذبيان/ جبل لبنان. تابع دراساته في مدرسة سيدة الجمهور للآباء اليسوعيين ثم التحق بالجامعة الأميركية في بيروت حيث نال إجازة في الإقتصاد.
وتعود خبرته العريقة إلى عمله في الأسواق المالية العالمية خصوصاً في مكاتب “ميريل لينش” في بيروت وباريس ولندن، وهي إحــدى أكبر الشركات المالية العالمية التي تشكل دعامة للرأسمالية الأميركية (1973 -1993) حيث تبوأ منصب نائب للرئيس كما عمل مستشاراً مالياً للمجموعة. وقد عمل سلامة بمهنية ملحوظة مع الدائنين الغربيين لتعزيز الليرة اللبنانية، وراهن على شبكة علاقات وإتصالات تطورت خلال علاقته مع تلك الشركة.
إن تفوّق سلامة وتألقه دفع بعدد من كبار مسؤولي صندوق النقد الدولي (IMF) إلى توصية الرئيس الراحل الياس الهراوي به، ثم رشحه رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري لولاية أولى مدتها ست سنوات كحاكم للبنك المركزي، في العام ١٩٩٣. لكن اللافت كان إعادة تعيينه من قبل الرئيس إميل لحود لفترتين متتاليتين في ١٩٩٩ و٢٠٠٥، والرئيس ميشال سليمان في ما بعد في العام ٢٠١١.
وفي الواقع، ربما لأن سلامه عمل مع مختلف القادة السياسيين الذين نادراً ما توافقوا، فقد تعززت مصداقيته وتحسنت بعد أن ركز على المسائل المالية والنقدية البحتة.
وعندما تولى منصب الحاكمية، كانت إحتياطات مصرف لبنان من العملة الصعبة لا تتجاوز ال٣٠٠ مليون دولار، وإستطاع أن يصل بها اليوم إلى أكثر من ٤٠ مليار دولار. وفي العام ١٩٩٣ كان القطاع المصرفي بأمس الحاجة إلى قوانين و تعاميم جديدة والتي من شأنها السيطرة على الأوضاع المالية والنقدية بعد معاناة صعبة مع مشكلة التضخم.
قبل عهد سلامة في الحاكمية خسرت الليرة ما يقارب ال٢٢٠٠٠% من قيمتها وعجز المصرف المركزي آنذاك على مواجهة تراجع الليرة وتآكل الإحتياطات. وقد أدت الإستراتيجية التي وضعها منذ البداية تدريجاً إلى كسب الثقة بالبنك المركزي والقطاع المصرفي اللبناني بشكل عام، الأمر الذي جعله قادراً على التعامل مع عدوان تموز وعناقيد الغضب، إضافةً إلى المرحلة الحساسة التي مر بها لبنان مع إستشهاد الرئيس رفيق الحريري ومفاعيل حرب تموز في ما بعد. طيلة فترة ولايته تسلسلت الأزمات السياسية والتي ترافقت مع فترات من الفراغ واجهها بالحوافز الكبيرة التي ضخ بها المصرف من أجل دعم الإقتصاد في السنوات الأخيرة.
يمكن الخروج بالعديد من الخلاصات المهمة إذا ما أمعنا في مرحلة حاكمية رياض سلامة والمراحل التي سبقتها :
– أولاً، تعتبر العلاقات الوطيدة بين الحاكم والقطاع المصرفي (بل وأهم أركانه) إضافةً إلى العلاقات القوية مع الجهات الإقتصادية الدولية الفاعلة، كشرط أساسي لنجاح الحاكم في مهمته؛
– ثانياً ، من الأفضل أن يكون الحاكم ممن يعمل في القطاع المصرفي المحلي والدولي لكي يكون بإستطاعته تأمين الدعم اللازم عند الضرورة.
إن الحقبات التي سبقت حقبة رياض سلامة عانت من إنعدام الثقة بين الحاكم والقطاع المصرفي. وقد أدّى الخلاف إلى تدهور الليرة في عهد الحاكم ادمون نعيم بسبب ضعف التنسيق. ويحتاج المصرف المركزي إلى تعاون إيجابي مع القطاع المصرفي الذي يملك قدرات هائلة في تسهيل أو عرقلة السياسات النقدية. فليس من المجدي أن يكون الحاكم أكاديمياً بقدر ما يملك مفاتيح الحلول مع القطاع المصرفي.
يصوّب العديد من المحللين على سياسات مصرف لبنان النقدية. ويعتبر هؤلاء أن المصرف منحاز إلى مصالح المصارف اللبنانية، إضافةً إلى الهندسات المالية التي يقوم بها بل وقام بتنفيذها في منتصف العام المنصرم. وقد قدرت تكلفة الهندسة المالية الأخيرة التي قام بها المصرف المركزي بأكثر من خمسة مليارات دولار.
و لكن هل من بدائل متوفرة لدى المصرف المركزي لحماية العملة؟ يسعى مصرف لبنان، وبأي ثمن أن يحافظ على إحتياطاته بالعملات الأجنبية في عالم تعاني فيه دول كبيرة عربية وغير عربية من مشاكل نقدية هائلة، وهي دول ذات إقتصادات كبيرة. فما بال لبنان الذي لا يملك إقتصاده مؤهلات إستقطاب عملات صعبة بسبب ضعف قطاعاته الإنتاجية وضعف صادراته والإستثمارات الأجنبية المباشرة؟ من هنا تحتاج سياسة المصرف إلى تكامل أكبر مع السياسة المالية من أجل أن تكون السياسات النقدية أكثر فاعلية في تحقيق النمو.
وفي الختام لقد أصبحت الثقة بالليرة والقطاع المصرفي تتجسد في شخص رياض سلامة، وأي تعديل متهور في شخص الحاكمية قد تكون له نتائج أقل ما يمكن وصفها ب” الكارثية”.

• خبير إقتصادي، وأستاذ الإقتصاد في قسم إدارة الأعمال في جامعة بيروت العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى