إدارة ترامب تتحوّل إلى دعم الإستراتيجية السعودية في حرب اليمن

بعدما فاجأ مستشار الأمن القومي الأميركي الجنرال مايكل فلين الصحافيين أخيراً في قاعتهم في بيت الأبيض حيث أطلق تحذيراً خطيراً ضد إيران بسبب تجاربها البالستية وتحرش قواتها بحلفاء أميركا الخليجيين. أفاد الناطق بإسم البيت الأبيض شون سبايسر بعده: “إننا نقيّم سعي إيران إلى الإستفادة من علاقتها مع الحوثيين لبناء وجود طويل الأمد في اليمن”. مضيفاً: “إن هذا الدعم بات يهدد بتوسيع وتكثيف الصراع في تلك البلاد”. وختم قائلاً: “هناك عدد كبير من الخيارات المتاحة للإدارة. نحن ندرس الوضع عن كثب لإتخاذ الإجراءات المناسبة”.
ماذا يعني هذا الكلام التحذيري؟ وهل هناك تغيير في الموقف الأميركي في اليمن؟ وبأي شكل؟

الجنرال جيمس ماتيس: لا ينظر إلى إيران بإيجابية
الجنرال جيمس ماتيس: لا ينظر إلى إيران بإيجابية

واشنطن – سمير الحلو

إذا كان إختيار الرئيس دونالد ترامب للجنرال مايكل فلين (المعادي لإيران) كمستشار للأمن القومي وللجنرال جيمس ماتيس لمنصب وزير الدفاع، يُعتبر مؤشراً إلى إتجاه السياسة الخارجية الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط، فإن موقف الولايات المتحدة بالنسبة إلى اليمن من المرجح أن يحاذي بشكل وثيق توجه دول الخليج لتحقيق نصر عسكري على تحالف الحوثيين – علي عبدالله صالح في صنعاء. لقد تباينت إدارة أوباما، على الأقل جزئياً، عن الموقف الخليجي في اليمن من طريق دفع دول مجلس التعاون وحكومة عبد ربه منصور هادي نحو تسوية من خلال التفاوض.
في منتصف العام 2016، تولى وزير الخارجية السابق جون كيري دوراً ديبلوماسياً نشيطاً في المنطقة، مصرّاً على أن الإئتلاف الذي تدعمه السعودية لن يتمكن من تحقيق نصر عسكري والحملة العسكرية لن تؤدي سوى إلى المزيد من زعزعة إستقرار اليمن. وأوقفت الولايات المتحدة تسليم القنابل العنقودية الى المملكة العربية السعودية بعد الكشف عن إستخدامها في اليمن وسحبت وحدة صغيرة من المستشارين من فريق التخطيط للحملة التي تقودها السعودية بعد التفجير الدامي الذي استهدف مسيرة جنازة في صنعاء.
ومع ذلك، فقد وافقت إدارة أوباما أيضاً على صفقة مبيعات أسلحة جديدة إلى الرياض، مما يشير إلى أنه فيما بدت واشنطن أنها كانت منزعجة من سقوط ضحايا من المدنيين في اليمن، إلا أنها ظلت ملتزمة بقوة بوجهة النظر السعودية بالنسبة إلى إحتياجاتها الأمنية. وفي اليمن، يرى السعوديون أن أمنهم في نظام سياسي مفروض سعودياً ليس ممكناً إلّا من خلال إستسلام تحالف الحوثيين – صالح. إن خطة كيري لتشكيل حكومة مصالحة وطنية بالتزامن مع تصعيد عسكري قد خدمت فقط لتخويف الرئيس هادي على سلامته في الرياض والعودة إلى مقر حكومته في عدن خوفاً من أن يكون وضعه الشخصي صار في خطر.
يشارك ماتيس وجهة نظر السيناتور جون ماكين من أن المشكلة الرئيسية في الشرق الأوسط هي الشيء المُحدَّد بغموض الذي يدعى “الإسلام الراديكالي”، والذي حسب رأيهما تمثله إيران وليس “داعش” أو تنظيم “القاعدة”. إن تنظيم “الدولة الإسلامية” هو ثانوي بالنسبة إلى التهديد الرئيسي لإيران. وقد إنتقد ماتيس إدارة أوباما ليس للإتفاق النووي مع إيران، الذي يعتبره إتفاقاً إستراتيجياً للحد من التسلّح، ولكن لعدم مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة. وبينما كان يعمل قائداً للقيادة المركزية الأميركية في عهد أوباما، فقد حثّ ماتيس الإدارة على بذل المزيد من الجهود لمنع إنتقال الأسلحة من إيران إلى الحوثيين. ومن المرجح أن يتفق ماتيس مع المملكة العربية السعودية على أن المشكلة الأساسية في اليمن تكمن في النفوذ الإيراني وليس من إنهيار النظام السياسي.
في اليمن، عرف الإئتلاف الذي تدعمه السعودية بعض النجاح العسكري أخيراً، لكنه لا يزال من الصعب أن نرى كيف يمكن للإستراتيجية العسكرية السعودية أن تؤدي إلى الأمن في المدى الطويل لليمن والمملكة العربية السعودية. يواصل التحالف السعودي الضغط العسكري على تحالف الحوثيين – صالح، فاتحاً جبهة جديدة على طول ساحل محافظة تعز، ومستمراً بالقصف الجوي، ودافعاً بعديده وعدته عبر الحدود السعودية إلى معقل الحوثيين في صعدة. في أواخر العام 2016، إستطاعت وحدات في صعدة تتألف من السلفيين الجنوبيين يقودها هاشم السيّد من عبور الحدود السعودية في منطقة البقع والتوجه نحو المركز السلفي القديم في القطيف. في مطلع كانون الثاني (يناير)، إندفعت القوات الجنوبية مدعومة من جيش الإمارات شمالاً على طول ساحل تعز، ووصلت إلى الميناء المشهور موكا. وكان للعملية، التي أُطلق عليها إسم “الرمح الذهبي”، هدفان مشتركان: قطع طرق التهريب المزعومة على طول الساحل، وتحسين ورقة مساومة التحالف السعودي على طاولة المفاوضات، وفقاً لوزير خارجية حكومة هادي، عبد الملك المخلافي، الذي رفض أن ينقل مقر إقامته إلى عدن، مفضّلاً البقاء في سلامة السفارة اليمنية في الرياض. ومع ذلك، ما زال على التقدم العسكري للتحالف السعودي أن يبرهن على أنه يؤثر في التوازن العسكري لمصلحته. لا تزال قوات الحوثيين وصالح تسيطر على جميع المرتفعات الجبلية في غرب اليمن.
من ناحية أخرى، حقق الإئتلاف الذي تدعمه السعودية أيضاً بعض التقدم في إعادة بناء المناطق الخاضعة لسيطرته، ومعظمها في الجنوب. وقد أنشأت القوات الإماراتية قوة “النخبة الحضرمية” التي توازي قوات “الحزام الأمني” في عدن. وتم إنشاء قوة مماثلة في شبوة كذلك. وهذه في الواقع قوى محلية مُدرَّبة من قبل الإماراتيين والأردنيين والسعوديين، ومُصَمَّمة للحفاظ على الأمن المحلي ضد تنظيم “القاعدة” أو غيره ممن يريد زعزعة إستقرار المناطق الجنوبية. وتُقاتل قوات “الحزام الأمني” أيضاً في محافظة تعز الشمالية، مما تسبب في بعض الجدل والخلاف بين الجنوبيين الذين يرفضون أي تدخل في شؤون الشمال ولا يريدون أن يُسفك الدم الجنوبي لقضايا شمالية. كما عيّن هادي قادة سياسيين محليين شعبيين في وظائف الحاكم في شبوة وحضرموت وذلك في محاولة لتحقيق الإستقرار في السياسة الجنوبية في ظل نظامه. وهذه هي حكومات محلية أُنشئت في إطار وصاية إماراتية لتأمين كلٍّ من المصالح اليمنية المحلية والإماراتية (والواقع أنها موالية هامشياً لهادي). لا تزال هذه الجهود تواجه تحديات كبيرة. في أبين، هددت قوات “الحزام الأمني” بالإنفصال بسبب دوامة من الاتهامات بين قادتها بعد هجوم شنه تنظيم “القاعدة” في “لودر” قتل خلاله عددا من جنود “الحزام” في 16 كانون الثاني (يناير) 2017. وفي حضرموت، إتُّهم علي محسن الأحمر، نائب الرئيس هادي الذي يقود القوات في الصحراء الشرقية من مأرب، بمحاولة تقسيم حضرموت إلى محافظتين، واحدة على الساحل وأخرى في الداخل، بسبب معارضته للنفوذ الإماراتي في الجنوب.
لكن الأكثر تهديداً هو الوضع الإقتصادي الذي لا يزال يغرق من دون أي بصيص من الأمل للإغاثة. كانت حكومة هادي وعدت بدفع رواتب الجنود والموظفين المدنيين، ولكن قلة تلقت بالفعل الرواتب وإستمرت الإحتجاجات في أماكن كثيرة في أنحاء الجنوب. وكان الأثر الرئيسي لطباعة العملة هو خفض قيمة الريال اليمني. في الشمال، يواجه تحالف الحوثيين – صالح تحديات أكبر: هناك مصادر قليلة جداً من الإيرادات والرواتب التي لم تدفع منذ آب (أغسطس). ويواجه تحالف الحوثيين – صالح أيضاً إحتجاجات وثورات بسبب عدم دفع الرواتب، بما في ذلك إحتجاج علني قام به أساتذة جامعة صنعاء.
لذا في حين بدأ الإئتلاف الذي تدعمه السعودية طريقاً لتحقيق الإستقرار في الجنوب، رغم بعض الصراعات الداخلية الصارخة، وظهر بعض الأمل على عدد قليل من الجبهات العسكرية الصغيرة، فلا شيء حتى الآن يشير إلى أن الإستراتيجية السعودية يمكنها تحقيق الإستقرار في المناطق الخاضعة لسيطرة تحالف الحوثيين – صالح، حيث لا سيطرة للإئتلاف على أراضيها في المقام الأول. إن إقتراح كيري بالشروع في عملية سياسية تشمل تحالف الحوثيين – صالح وحكومة مصالحة وطنية تكون موازية لفك الإرتباط العسكري، لديها فرصة أفضل لتحقيق الاستقرار في اليمن وتحقيق السلام. ومع ذلك، نظراً إلى النظرة السلبية لماتيس ومعه فلين بالنسبة إلى إيران، يمكننا أن نتوقع من أن الولايات المتحدة في ظل ترامب سوف تقوم بتقديم المزيد من الدعم للاستراتيجية العسكرية السعودية لإستمرار النزاع من دون أي قرار واضح في الأفق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى