روسيا – إيران: أولوياتهما الإقليمية المتضاربة تهدّد علاقتهما

بقلم هاني مكارم

لا شك أن النظام الإيراني لديه مشاعر مختلطة حول روسيا. على الرغم من أن موسكو كانت أساسية في المساعدة على إنقاذ نظام بشار الأسد، فإن الإيرانيين لا بدّ أنهم يندبون حظهم بسبب عودة روسيا إلى الشرق الأوسط والتي تجري في اللحظة التي تبذل طهران مساعيها الخاصة للهيمنة الإقليمية.
كانت هناك تكهنات منذ فترة طويلة حول ما إذا كانت الإختلافات الروسية -الإيرانية في سوريا ستخرج إلى العلن. لقد بقيت هذه الخلافات تحت السيطرة، حتى جاء الإنتصار العسكري في حلب ليُظهر ويكشف تباين الأولويات.
لقد سعى الروس إلى ترسيخ مكاسبهم في العملية السياسية السورية التي يودّون تحديدها. وإيران بدورها شعرت بأنها كان لها الدور الأكبر في دعم نظام الأسد من خلال إنتشار ومشاركة الميليشيات الشيعية التابعة لها ومقاتلين إيرانيين، لذلك ترى أنه ينبغي أن يكون لها القدر عينه من التأثير والنفوذ مثل روسيا، إن لم يكن أكثر، في تشكيل النتيجة.
ربما جاءت أول علامة علنية للإحتكاك فيما كانت تجري الإستعدادات لمؤتمر “أستانا” الأخير حول سوريا في 24 كانون الثاني (يناير)، عندما عارض الإيرانيون علناً دعوة وفد من الولايات المتحدة للحضور، وأعلن في المقابل مسؤولون روس أن الوجود الأميركي كان ضرورياً لضمان نجاح المفاوضات.
وردّد هذا الأمر صدى الجهود الروسية في كانون الأول (ديسمبر) الفائت التي ضغطت على إيران لقبول وقف إطلاق النار في سوريا بعد سقوط حلب، الذي تليه عملية سياسية. لم يكن الإيرانيون مسرورين بالتعاون الحاصل بين روسيا وتركيا لرعاية محادثات أستانا، وذلك خوفاً من أن تخرج إيران من أي مفاوضات بأقل مما تستحق.
أكثر عموماً، فيما كان المسؤولون في طهران يمسحون المنطقة، فقد لاحظوا أن إدارة أوباما تركت فراغاً يودون ملأه بأنفسهم. لكن المشكلة الوحيدة هي أن روسيا وتركيا تريدان الشيء عينه، إذ أن كلاً منهما تسعى إلى تعزيز حصصها الإقليمية الخاصة.
هذا لا يعني أن مصالح إيران في سوريا سوف تُقوَّض بالضرورة – في الواقع من غير المرجح أن يحصل ذلك. لكن هذا يعني أن النفوذ الإيراني في دمشق سوف يكون عليه غالباً أن يتوافق مع نفوذ الروس وحتى ربما الأتراك وغيرهما. وعندما يتعلق الأمر بسوريا، يرى الإيرانيون قوتين أو ثلاث قوى عدداً كبيراً.
هذا هو السبب، في الفترة التي سبقت مؤتمر أستانا، أن المسؤولين الإيرانيين قد رفضوا المطالب التركية بأن تسحب إيران “حزب الله” من سوريا. بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية فقد بدا هذا الطلب وكأنه محاولة تركية وقحة لإضعاف إيران في البلاد. وآتياً فيما كان الأتراك والروس يحضرون إطاراً سياسياً جديداً، فإن ذلك قد عزز الشكوك الإيرانية.
يبدو أن وراء الطموحات الإيرانية في سوريا يقف هدفاً أعمق. بالنسبة إلى المسؤولين في إيران الآن، لقد رأوا أنهم أصبحوا أقرب من أي وقت مضى قادرين على تهميش الدور الأميركي في المنطقة. طبعاً قول ذلك أسهل من فعله. في حين أن باراك أوباما قد حدَّ من المشاركة الأميركية الإقليمية، فإن إلتزام دونالد ترامب ب”أميركا أولاً” يشير إلى أنه قد يلعب حتى أقلّ من دور الحامي الإقليمي مما كان عليه الأمر في الماضي.
وهذا ربما كان السبب وراء عدم سعادة الإيرانيين من الدعوة الروسية للأميركيين للانضمام إلى محادثات “أستانا”. وهنا كانت فرصة لروسيا وتركيا وإيران لرسم الخطوط العريضة لنهاية اللعبة السياسية في سوريا من دون واشنطن. مع ذلك فإن الدعوة الروسية تركت النافذة مفتوحة للولايات المتحدة لكي تشارك في حل الأزمة السورية.
وهذا يوضح إختلاف الأولويات الروسية والإيرانية في سوريا والعالم العربي. بالنسبة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن المنطقة هي تذكرة روسية أساسية ورئيسية لإستعادة النفوذ العالمي. وبالنسبة إلى إيران، فإنها منطقة مهمة بحد ذاتها لأنها تشكّل المكان الذي يمكن للجمهورية الإسلامية تحقيق طموحها للعب دور إقليمي مهيمن.
إن سوريا تشكل أمراً حيوياً، جنباً إلى جنب مع لبنان واليمن والبحرين، فهي تسمح لإيران بعرض قوتها الإقليمية.
هل هذه الأولويات المختلفة تعني أن روسيا وإيران يمكنهما التعايش في المنطقة؟ أحياناً نعم. بعد كل شيء، إن إنعدام الثقة بين العرب وإيران قد يساعد على تعزيز حقيقة أن روسيا، مع علاقاتها المفتوحة مع جميع الاطراف، ستكون وسيطاً مثالياً في معالجة الخلافات في المستقبل. وقد تجد روسيا نفسها في كثير من الأحيان “الشرطي الصالح” بالنسبة إلى “الشرطي السيّئ” إيران، مما يعود بالنفع على كليهما.
ومع ذلك، فإن الطموح هو أيضاً شيء لا يُشارَك بسهولة. ستكون سوريا إختباراً لهذه العلاقة، لأن كلاً منهما يسعى إلى التأكد من أن تشكيل نظام ما بعد الحرب سيحفظ مصالحه.
ويرى المرء فوراً مشاكل مُحتمَلة هنا، مع عدم حماس موسكو لتحويل سوريا إلى جبهة إيرانية جديدة ضد إسرائيل؛ وعدم سعادة الروس من سياسة إيران الطائفية المعتمدة، التي يمكنها أن تزعزع إستقرار الدولة السورية الخارجة من الحرب.
ستواصل روسيا وإيران التعامل بشكل عملي وبراغماتي، لأنهما ليست لديهما أية مصلحة في المواجهة. ولكن مع النصر تأتي الفرص لتمرير كل واحدة مصالحها وما تريد. لذا، في الأشهر المقبلة سوف نرى بوضوح أكثر كيف أو ما إذا كانت هاتان الدولتان تستطيعان التوافق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى