التجنيد العسكري الإلزامي في الخليج يُصهِر المواطن في الوطن

بعدما نجحت دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر في تنفيذ التجنيد العسكري الإلزامي ها هي الكويت تستعد لإعادة تنفيذه من جديد بعدما فشلت سابقاً في تجربته. لماذا هذا النهج الجديد في دول مجلس التعاون الخليجي؟ وما هي الأسباب لإطلاقه؟ وما هي آثاره على منطقة الخليج؟

المرأة في الجيش الإماراتي: تجربة ناجحة
المرأة في الجيش الإماراتي: تجربة ناجحة

بقلم زولتان باراني*

واحدة من مؤسسات الدولة الأكثر أهمية هي الجيش، وبالتالي فإن إدخال التجنيد الإلزامي – أي دمج المدنيين لفترة محدودة في القوات المسلحة – قد يكون واحداً من أفضل الأمثلة على جعل الدولة أكثر مُواطَنة (civilianizing). ولعل السؤال الأكثر أهمية في ما يتعلق بالعسكر هو ما إذا كان يتم تجنيد الجنود من قبل الدولة أو من طريق التطوّع. هناك حجج سليمة يمكن أن يتم سردها لدعم الجيوش القائمة على التجنيد الإجباري أو على التطوع الإختياري على حدٍّ سواء. وتميل الجيوش التي تعتمد على التجنيد الإلزامي إلى أن تكون أقل فعالية، وتتطلب موارد أكبر على أساس الجندي الواحد بالنسبة إلى حجم القدرة العسكرية التي يُقدِّمها؛ في كثير من الأحيان تعمل هذه الجيوش كمؤسسات تدريب بحكم الأمر الواقع ويُحافَظ عليها على حساب تحديث وتطوير الدفاع. ومع ذلك، هناك ميزة كبيرة للخدمة العسكرية الإلزامية وهي أنها يمكنها أن تكون بمثابة أداة قوية للتنشئة الإجتماعية من خلال جلب الشباب معاً (والنساء) من خلفيات إجتماعية وإقتصادية وعرقية ودينية وإقليمية متباينة، حيث تساعدهم على الإنخراط في مجتمع حقيقي من خلال التدريب والتجارب المشتركة.
منذ العام 2014 أعلنت ثلاث دول في الخليج العربي عن تطبيقها – أو، في حالة الكويت، إعادة تطبيق – الخدمة العسكرية الإلزامية. إن إطلاق مشروع التجنيد في الكويت، وقطر، والإمارات العربية المتحدة هو حدث مهم وكبير. بعد كل شيء، إن دول مجلس التعاون الخليجي الست – مع إستثناء جزئي للكويت – عارضت التجنيد منذ الإستقلال، وبدت راضية عن الجيش النظامي المُعتَمِد على ضباطٍ مواطنين، وضباط صف وجنود مُتَطوعين بشكل كبير من الدول الإسلامية ذات الغالبية السنية (خصوصاً الأردن وباكستان واليمن).
إن تقديم مشروع التجنيد الآن في دول الخليج – بعد عقود من قيام الدولة ذات السيادة – يقدّم لغزاً مثيراً للإهتمام. ما هي الأسباب وراء تنفيذ التجنيد الإلزامي حديثاً؟ وما هي الآثار ألأوسع لهذه الظاهرة في منطقة الخليج؟

قوانين التجنيد في قطر، الإمارات، والكويت

تقليدياً، لم تكن الخدمة العسكرية الإلزامية قضية كبرى للتوظيف في جيوش الخليج لأسباب عدة. إن الجيوش – التي تلقت توجيهات وتدريبات بريطانية كبيرة منذ بدايتها – كانت قادرة على جذب متطوعين من النخب القبلية فضلاً عن أعضاء من العائلات المالكة. في بعض الدول – وخصوصاً في البحرين والمملكة العربية السعودية – إعتقد المخططون العسكريون أن وجود مجتمعات شيعية مسلمة كبيرة مع مظالم عميقة الجذور يشكل خطراً لذا نصحوا ضد إعتماد التجنيد الشامل. وكانت غالبية دول الخليج أيضاً مزدهرة بما يكفي لإستئجار جنود على درجة عالية من الإحتراف من الخارج مع ولاءات تامة لأرباب عملهم الجدد، الأسر الحاكمة.
في الواقع، إن الدولة الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي التي إعتمدت التجنيد قبل 2014 هي الكويت، والتي أدخلته فعلياً مع إستقلالها في العام 1961. ووفقاً لنزيه الأيوبي، فإن السبب الحقيقي لإعتماد الكويت التجنيد الإلزامي كان “محاولة لتعويض الوزن العددي للجنود البدو والشيعة العراقيين”. وفي العام 2001 أوقفت الحكومة برنامج الخدمة العسكرية الإلزامية غير المُتَّسق الذي لم يكن يحظى بشعبية. ولكن، منذ ذلك الحين كانت إعادة الخدمة العسكرية الإلزامية موضع نقاش بشكل دوري.
في تشرين الثاني (نوفمبر) 2013، وبعد نقاش مستفيض، وافقت الحكومة القطرية على مشروع التجنيد الذي جعلته إلزامياً للرجال لأداء الخدمة العسكرية. وبعد أربعة أشهر، وقّع أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، على تشريعات تطلب من المواطنين القطريين الذكور، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35، الخدمة في القوات المسلحة لمدة ثلاثة أشهر إذا كانوا من خريجي المدارس الثانوية، وأربعة إذا لم يكونوا . بعد التدريب ثلاثة / أربعة أشهر، هناك مرحلتان من خدمة الإحتياط. الأولى تستمر لمدة 5-10 سنوات مع فترة إستدعاء لا تتجاوز 14 يوماً سنوياً. المرحلة الثانية من خدمة الإحتياط تطول حتى يصبح عمر المجنّد 40 عاماً، ويُستدعى على الطلب. ونظراً إلى الأعداد الصغيرة نسبياً من المُجنَّدين المُحتَمَلين وفترة التدريب القصيرة – لا سيما بالمقارنة مع الامارات والكويت – فإن القوات المسلحة القطرية تستوعب دفعات متعددة من المُجنّدين في كل عام. وبحلول نيسان (إبريل) 2014، تسجّلت المجموعة الاولى المؤلفة من 2000 قطري للخدمة الوطنية، الأمر الذي فاجأ عدد أفرادها الكبير على ما يبدو وزير الدولة لشؤون الدفاع اللواء الركن حمد بن علي العطية. وحسب كل الروايات المنشورة، فإن فكرة التجنيد الإجباري، التي إقترحها أولاً الأمير، قد قوبلت بترحيب حار جداً في قطر.
في آذار (مارس) 2014، أكمل المجلس الوطني الإتحادي الإماراتي المؤلف من 40 عضواً مراجعته لمشروع قانون الخدمة العسكرية وعرضه للنقاش العام. ويُحدِّد القانون الذي يضم 44 مادة الخدمة العسكرية الإجبارية للمواطنين الذكور التي تتراوح أعمارهم بين سن 18 و30 عاماً: تسعة أشهر لخريجي المدارس الثانوية، وسنتان لأولئك الذين لم يكمّلوا تعليمهم الثانوي. إن الرجال الذين أنهوا خدمتهم العسكرية يصبحون جزءاً من الإحتياط حتى بلوغ سن ال58 للرتباء والحنود أو 60 للضباط. وكان قانون الخدمة الوطنية قيد الدرس والمراجعة منذ سنوات عدة، منذ عهد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أمير أبو ظبي والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وأول رئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة، الذي توفي في العام 2004. وقد شملت العملية العديد من المناقشات بين المسؤولين المدنيين والقادة العسكريين، الذين مثّلهم العميد سالم الكعبي. وقد درس فريق مؤلف من 7 خبراء إماراتيين تجربات التجنيد في تركيا، إلمانيا، والأردن، ولكن القانون الأخير هو الأكثر مماثلة لسنغافورة حيث كل المواطنين الذكور، بمَن في ذلك سكان الجيل الثاني، يجب أن يخضعوا للخدمة العسكرية. ونتيجة للمناقشة العامة والتدقيق الذي مارسه المجلس الوطني الإتحادي تم تغيير حوالي 10 في المئة من محتوى القانون.
في نيسان (إبريل) 2015، أقر مجلس الأمة الكويتي قانوناً – وافق عليه 41 عضواً وعارضه ثمانية – لإعادة الخدمة العسكرية الإلزامية إلى البلاد، على أن تبدأ في العام 2017. وينص القانون الجديد على وجوب خضوع جميع الرجال لأداء الخدمة العسكرية لمدة عام عند بلوغهم 18 عاماً من العمر، وهم مُلزَمون بأن يكونوا في قوات الإحتياط حتى سن ال45. وعندما يتم التجنيد، يُطلَب من جميع المجندين القيام بالخدمة العسكرية 30 يوماً سنوياً حتى سن ال45. والرجال الكويتيون الذين بلغوا ال35 من العمر قبل سَنّ القانون الجديد سوف يُعفَون من الخدمة العسكرية. ويمكن أيضاً أن تتأخر التدريبات العسكرية إذا كان المجندون المحتملون يستكملون دراستهم، وإذا كانوا أبناءً وحيدين في العائلة، أو إذا كانوا معاقين. وكما يُظهِر تصويت مجلس الأمة، فإن هذا القرار لم يكن بالإجماع: في الواقع، كانت هناك معارضة كبيرة للسياسة الجديدة في دوائر الاعمال الكويتية بسبب الإضطرابات المُتوقَّعة في المهن والأعمال نتيجة للتجنيد.
وتضع قوانين التجنيد في الدول الثلاث عقوبات شديدة على أولئك الذين يمتنعون أو يهربون من التجنيد، بما في ذلك غرامات مالية وعقوبات بالسجن. في الإمارات، فإن أولئك الذين لا يكمّلون الخدمة العسكرية قبل البحث عن عمل يُرفَض توظيفهم – وهي عقوبة، وفقاً للتقارير الصحافية، أثرت فعلياً في عدد من الشباب الإماراتي. ولا تنطبق قوانين الخدمة الوطنية على أولئك الذين ينتسبون إلى منظمات غير قانونية، مثل جماعة “الإخوان المسلمين”، المحظورة في بعض دول الخليج (على سبيل المثال، الإمارات) التي تعتبرها منظمة إرهابية.
في الوقت عينه، تقدم الدول الثلاث العديد من الحوافز لأولئك الذين يؤدون واجبهم الوطني. وتشمل هذه الحوافز، المُوَضَّحة في قانون التجنيد، وظائف وترقيات، وقروضاً لأولئك الذين هم على وشك الزواج والراغبين في شراء أراض. والأهم، مع ذلك، كما قال رئيس الوزراء وحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد المكتوم: “حماية الوطن والحفاظ على إستقلاله وسيادته واجب وطني مقدس” والخدمة الوطنية هي “شرف، والتخرج منها هو شيء بطولي”.
وتستطيع النساء التطوع والإنضمام إلى القوات المسلحة في كل دول الخليج الثلاث إذا أردن. ومن البلدان الثلاثة، فإن الجيش الإماراتي هو الذي يمكنه أن يفتخر بالفعل بتقليد مميّز من المجندات اللواتي تطوعن في مجموعة متنوعة من القدرات، التي يعود تاريخها إلى أواخر ثمانينات القرن الفائت. ووفقاً لسياسيين ومسؤولين عسكريين، فإن نسبة المشاركة حتى الآن، وعلى نطاق أوسع، في خبرات الخدمة الوطنية، كانت أفضل من المتوقع. في الكويت، يعتقد معظم الخبراء أن التجنيد سيتم من دون وجود عوائق كبيرة وسوف تُنسَخ إلى حد ما تجارب الدولتين الأخرتين.

لماذا كان التجنيد؟

من الواضح أن تقديم الخدمة العسكرية الإلزامية في دول الخليج الثلاث كان لأسباب إجتماعية – إقتصادية، وعسكرية – إستراتيجية، وسياسية.
أولئك الذين كانت لديهم الفرصة للمناقشة بجدية مع مواطنينن خليجيين كبار في السن عن حياة وسلوك وظروف الشباب المحلي – وخصوصاً في الدول الثلاث الأكثر إزدهاراً، التي تركز عليها هذه المقالة – غالباً ما قالوا أن الشباب أصبحوا، في كلمة واحدة، “ليِّنين”. في دول مجلس التعاون المُعاصِرة، يتوقع الناس الأصغر سناً أن توفر لهم دولة الرفاه كل شيء – بما في ذلك وظائف القطاع العام – من دون الحاجة إلى المعاملة بالمثل. في الآونة الأخيرة قال أمير قطر: “عندما أرى في شوارع قطر عبارة قطر تستحق الأفضل، فأنا أقول قطر تستحق الأفضل من أبنائها”- مشيراً إلى أن مواطني دولة محظوظة لديهم واجب أن يفعلوا شيئاً من أجل وطنهم. في الامارات تُسمّى الخدمة العسكرية “الخدمة الوطنية والإحتياطية” عن قصد، للوحي بأنه من المفترض أن تشارك جميع فئات المجتمع الإماراتي في خدمة وطنها. وهناك جانب آخر كثيراً ما يُناقَش عن التجنيد هو إدراك الحكومات في مجلس التعاون الخليجي بشكل متزايد بأن هناك تدهوراً في المعايير الصحية للسكان (بخاصة الشباب) بسبب ضعف لياقتهم البدنية وأنماط الحياة المستقرة. فقد زادت معدلات السمنة بشكل حاد في العقود الماضية، وتكاليف علاج الأمراض ذات الصلة، مثل مرض السكري، قد إرتفعت بشكل كبير.
تحتل قطر والكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة المراتب الأولى والخامسة والسابعة على التوالي كأغنى البلدان في العالم من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي/ تعادل القوة الشرائية. بوضوح، لم تكن الأسباب إقتصادية والدافع الرئيسي وراء تقديم الخدمة العسكرية الإلزامية، ولكن كلاً من هذه الدول شهدت إنخفاضاً في إيراداتها من صادرات النفط/الغاز، وحكوماتها أقدمت على بعض التخفيضات في الخدمات العامة – بما فيها القطاع العام غير الضروري غالباً لتوظيف الشباب – وفي أحكام الرعاية الإجتماعية السخية. في الواقع، لقيت فكرة التجنيد إهتماماً جدياً في المنتدى الإقتصادي العالمي 2013 حول الشرق الأوسط الذي عقد في الأردن، حيث إقترح العديد من الخبراء أن الخدمة العسكرية الإلزامية قد تغيّر عقلية الشبان الذين كانوا غير مستعدين للعمل في أي وظيفة، من خلال غرس صفات فيهم تحظى بتقدير كبير في سوق العمل، مثل العمل الجماعي وإدارة الوقت.
في العقد الفائت، ولكن بصفة خاصة منذ العام 2011، إنتهجت دول الخليج – خصوصاً قطر والإمارات العربية المتحدة – سياسة خارجية أكثر نشاطاً وأثبتت إستعدادها وقدرتها على إبراز قوة عسكرية. مما لا شك فيه، أن واحداً من الأسباب للتجنيد والوجود المرتفع للقوات المسلحة في حياة المواطنين القطريين، الإماراتيين، والكويتيين، هو حالة السياسة الخارجية الديناميكية الحديثة والإستباقية. لكن هناك سبباً آخراً لإدخال الخدمة العسكرية الإلزامية وهو رد فعل دول مجلس التعاون على تدهور بيئتها الأمنية الخارجية منذ العام 2011، بما في ذلك صعود تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، والصراعات الجارية في العراق، ليبيا، سوريا، واليمن، والتي تمددت عبر الحدود الوطنية. إن إدخال الخدمة الإلزامية – وما يترتب عليها من زيادة عدد المواطنين الجنود المدربين – تشير إلى أن جيوش هذه الدول هي في طور الإنتقال نحو قوة إحتياطية أكبر، والتي ستتكون من المجندين الذين أنهوا الخدمة الوطنية والأفراد العسكريين المحترفين السابقين. على عكس المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، فإن الامارات (وكذلك الكويت وقطر) لديها عدد سكان صغير نسبياً للإنخراط والعمل في الجيش.
وأخيراً، لا يزال المسؤولون في الدول الثلاث، وخصوصاً قطر والإمارات، أيضاً قلقين من التهديد الذي يعتقدون أن إيران تمثله. وتردّت الحالة في أعقاب إتفاق “الخطة المشتركة الشاملة للعمل” الذي وُقّع في تموز (يوليو) 2015 وتم تنفيذه بعد ستة أشهر (أي الصفقة النووية مع إيران)؛ وتستمر دول مجلس التعاون الخليجي (جنباً إلى جنب مع دول عربية سنية أخرى، وإسرائيل) في الإعلان عن شكوك خطيرة حول الحكمة من الإتفاق. إن التجنيد سوف يولّد قوة إحتياطية كبيرة التي يمكنها أن تصد العدو وقتاً أطول في غزو إفتراضي حتى وصول المساعدة – من القوات السعودية والغربية.
ينص تشريع الخدمة العسكرية الإلزامية لكافة الدول الثلاث بوضوح على أن الغرض المهم من هذا المسعى هو حماية الوطن وحدوده. كما قال رئيس مجلس الوزراء الإماراتي حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد المكتوم على حسابه على “تويتر”: “حماية الوطن والحفاظ على إستقلاله وسيادته واجب وطني مقدس وسيتم تطبيق القانون الجديد على الجميع”. ولكن هناك سبباً سياسياً آخراً لا يقل أهمية عن الاستقرار والإزدهار على المدى الطويل في دول مجلس التعاون الخليجي يقول: تعطي الخدمة العسكرية الإلزامية الدولة فرصة إستثنائية لتشكيل مواطنيها. بعد كل شيء، وبعيداً من التدريب والتعلم على المهارات العسكرية، فإن المجندين يتألفون من “جمهور مأخوذ ومأسور” بالرسائل الدعائية للنظام. هناك عدد قليل من فرص لتلقين المواطنين وتشريبهم الأفكار في بلد ما أفضل من فترة خدمتهم العسكرية.
الفكرة الرئيسية من التجنيد، يدّعي القادة، هي تعزيز الشعور بالإنتماء إلى الوطن بين الشباب وإلهام الوطنية لدى مواطنيهم. إن تشجيع المشاعر القومية التي عبّر عنها حاكم دبي وحكام آخرون في شبه الجزيرة العربية كان غير عادي حتى الآن. الملوك والأمراء في دول مجلس التعاون الخليجي كانوا يفضلون دائماً أن تتركز ولاءات وإنتماءات رعاياهم عليهم – وعلى أحكام دولة الرفاه التي يمنحونها – بدلاً من التركيز على “الأمة” التي يصعب تحديدها، إذ أنهم كانوا يخشون من أن تؤدي القومية إلى إضعاف الولاء للملكية. وكما كتب كريستين سميث ديوان: “التجنيد الإلزامي يشتمل على “مفهوم أكثر قوة للأمة، و… يفرض مطالب أكثر توسعية على المواطنين”. وبعبارة أخرى، يقول سميث ديوان: “الشروع في الخدمة الوطنية يجلس مباشرة عند تقاطع الطموح الإقليمي و الإندماج الوطني”.

التوقعات

إن إدخال الخدمة العسكرية الإلزامية في أغنى ثلاث دول خليجية هو من الأخبار الكبيرة على وجه التحديد لأنه يشكّل خروجاً كبيراً على السياسات التي إتُّبِعت منذ الإستقلال. على الرغم من أن الإجراء الجديد قد فاجأ كثيرين في منطقة الخليج وخارجها، فإن الأسباب التي كانت وراء ذلك تبدو منطقية. إن سياسات دول مجلس التعاون الخارجية الناشطة على نحو متزايد تتطلب منشآت عسكرية مع إحتياط أعمق من الموظفيين الذي يمكن للتجنيد الإلزامي أن يؤمّنه. إن الشرق الأوسط، وحتى منطقة الخليج العربي، تتلقى تدفقاً سياسياً وأمنياً منذ فترة ومن المعقول تماماً التوقع بأن تعزيز القومية والشعور بالإنتماء – من خلال وسيلة الخدمة الوطنية – سيعزز ولاء الشباب والتماسك العام للمجتمعات الخليجية. وأخيراً، هناك منطق إجتماعي وإقتصادي منطقي وراء تقديم مشروع التجنيد العسكري، من إشراك الشباب الذين غالباً ليست لديهم أشياء كثيرة يقومون بها، للعمل على تحسين صحتهم العامة. حتى الآن فقد سار تنفيذ التجنيد من دون أخطاء كبيرة، وبكل المقاييس – ليس فقط وفقاً لوسائل البث والإعلام المطبوعة ولكن أيضاً وفقاً لوسائل الإعلام الإجتماعي – كان ناجحاً.
بشكل عام، كان التجنيد ضربة إيجابية جيدة حتى الآن في كل من الإمارات وقطر، وقد يتحول الى النتيجة عينها في الكويت عندما يتم تنفيذه في وقت لاحق هذا العام. إن منطقة الخليج تتغير بسرعة من الناحية الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والعسكرية – الإستراتيجية، وحقيقة أن تجربة الكويت في وقت سابق – مع نظام تجنيد مختلف – لم تكن ناجحة فهي لا تمت بصلة مباشرة إلى التكرار الحالي للخدمة الوطنية . ومع ذلك، بغض النظر عن مدى نجاح تجارب التجنيد في هذه الدول الثلاث سيكون على المدى الطويل، فلا ينبغي لنا أن نتوقع تكرارها في بلدان أخرى في مجلس التعاون الخليجي. إن الأسباب الرئيسية في البحرين والمملكة العربية السعودية هي التقسيم الطائفي وفي المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان هناك سهولة في الحصول على متطوعين – في الحالة الأخيرة، خصوصاً، على درجة عالية من الكفاءة – لتسهيل التطوع في القوات المسلحة.
من الصعب للمرء أن يفكر في تدبير مباشر ل”مُوَاطَنَة الدولة” أكثر من تنفيذ التجنيد الإلزامي في دول مجلس التعاون الخليجي الثلاث. هذه السياسة تحقق هدفاً مهماً في إشراك جيل جديد من المدنيين في شؤون الدولة. على أقل تقدير، فإن المواطنين الشباب في الكويت والإمارات وقطر سوف يكونوا عناصر فاعلة في واحدة من أهم مؤسسات الدولة في بلادهم، حيث يتعلّمون مباشرة شؤون الدفاع الوطني، ويدركون مسؤوليتهم الشخصية عن أمن وطنهم.

• زولتان باراني هو أستاذ في جامعة تكساس، الولايات المتحدة
• كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرَّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى