سيد ترامب، حَذارِ حَذارِ من نقل السفارة الأميركية

بقلم كابي طبراني

لم تكد تمرّ مئة ساعة على تنصيبه رئيساً حتى بادر دونالد ترامب إلى محاولات تهدف إلى تغيير وجه السياسة والحكمة التقليدية، اللتين كانتا سائدتين منذ أمد طويل في الشرق الأوسط، إلى الأبد. فقد صرّح المتحدث بإسم البيت الابيض، شون سبايسر، بأن الإدارة الجديدة هي في “المراحل الأولى” من المشاورات لتنفيذ كيفية الوفاء بتعهد حملة ترامب لنقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس المحتلة.
وتزامن بيان البيت الأبيض مع إعلان بلدية القدس (المحتلة) عن منحها تصاريح لبناء مئات المنازل الجديدة في القدس الشرقية المحتلة، تبعه قرار آخر من الحكومة في 24 كانون الثاني (يناير) الجاري لبناء 2500 منزل جديد في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة. هذان القراران، اللذان صدرا في تحدٍ سافر لقرار مجلس الأمن الدولي الذي أدان إسرائيل على سياستها الإستيطانية الطويلة الأمد في الأراضي الفلسطينية المحتلة، قد داسا على حقوق الفلسطينيين وإحتقرا تراثهم ومجتمعهم.
وبالتالي لقد بات واضحاً أننا ندخل الآن في مرحلة جديدة من التعاون المُطلَق بين رئاسة ترامب وإدارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي دُعي إلى زيارة واشنطن في شباط (فبراير) المقبل. ويبدو أنهما باتا “في سرير واحد”، عازمان على ضمان أن السرد الناريخي اليهودي في فلسطين هو الصحّ ويمثّل الحقيقة، وأن التراثين الإسلامي والمسيحي في تلك الأرض ينبغي محوهما، الأمر الذي يُنبىء بإستمرار المعاناة الطويلة للشعب الفلسطيني على مدى عقود أخرى مديدة ستكون مليئة بالقمع والإضطهاد اللذين ترعاهما الدولة الإسرائيلية.
في إتخاذه قرار نقل السفارة الأميركية من تل أبيب، فإن ترامب يمزّق عقوداً من البروتوكولات الديبلوماسية القديمة، مُديراً ظهره لحقيقة تاريخية ثابتة، وفرض واقع بديل آخر على وضعٍ حساسٍ قابلٍ للإشتعال في أيّ لحظة. إنها خطوة لن تلقى صدى طيباً لدى حلفاء أميركا في مجلس الأمن، وفي المجتمع الدولي، ولا في العالم العربي. وبالتأكيد سوف تلقى معارضة – وهي مُحِقّة – من جانب الفلسطينيين وأنصارهم أينما كانوا.
إن نقل السفارة وقراري بناء المزيد من المستوطنات هي أفعالٌ تهدف عمداً إلى الإهانة والإحتقار والتجريح والتأجيج. وإذا كان هذا هو هدف ترامب ونتنياهو، فإنهما بلا شك قد نجحا في ذلك.
على مدى السنوات الثماني الفائتة من رئاسة باراك أوباما، وولايتين لجورج دبليو بوش، وعبر إدارات بيل كلينتون، وجورج بوش الأب، ورونالد ريغان، وجيمي كارتر، وجيرارد فورد، وريتشارد نيكسون، وبالعودة إلى السنة الثالثة من رئاسة ليندون جونسون، عندما إستولت القوات الإسرائيلية بشكل غير قانوني على القدس الشرقية، كانت الحكمة التقليدية المقبولة هي بأن تبقى السفارة الأميركية في تل أبيب.
إن أفكار ومواقف هؤلاء الرؤساء التسعة، المتّزنة إلى حد ما، قد مُزِّقت إرَباً في أربعة أيام فقط من حكم ترامب، فماذا يا تُرى سيفعل على مدى السنوات الأربع المقبلة؟ الله وحده العليم…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى