هل غيّرت سلطنة عُمان سياستها الإقليمية؟

في أواخر الشهر الفائت أصدرت وزارة الخارجية العُمانية بياناً ذكرت فيه أن السلطنة قررت الإنضمام إلى تحالف الدول الإسلامية لمكافحة الإرهاب. وأكد البيان أن إنضمام السلطنة هذا يأتي في سياق الفهم المشترك للدول الإسلامية، وعلى وجه الخصوص دور وقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة على أهمية تحقيق السلام والأمن والإستقرار في المناطق، التي يسودها العنف الإرهابي المسلّح.
وفي 11 كانون الثاني (يناير) الجاري، إدّعت وكالة “رويترز” أن مصادر مطلعة أفادت بأن سلطنة عُمان تتفاوض مع دول خليجية للحصول على وديعة بمليارات عدة من الدولارات في البنك المركزي، لتعزيز إحتياطاتها من النقد الأجنبي وتفادي أي ضغوط على عملتها الريال، الأمر الذي حدا بوزارة الإعلام الغُمانية إلى إصدار تكذيب للخبر جملة وتفصيلاً. ولكن بعض المراقبين ما لبث أن علّق على ذلك بالقول بأن إختلاق خبر كهذا كان هدفه إظهار عُمان وكأنها تخلّت عن سياستها الحيادية في الخليج وإلتحقت بالركب السعودي، وقبضت ثمن إنضمامها إلى تحالف الدول الإسلامية لمكافحة الإرهاب.
ولكن هل حقاً تخلّت مسقط عن سياستها الحيادية في الخليج؟

زعماء دول مجلس التعاون الخليجي: تأييد الخطوة الأخيرة لعُمان.
زعماء دول مجلس التعاون الخليجي: تأييد الخطوة الأخيرة لعُمان.

كتب التقرير: دينا إسفاندياري وأريان طباطبائي*

التقارير الأخيرة التي أفادت بأن سلطنة عُمان قد إنضمت إلى التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية لمحاربة الجماعات الإرهابية، بما في ذلك تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، أذهل الكثيرين. في منطقة الخليج التي يزداد فيها الإستقطاب، كانت العلاقات بين مسقط والرياض متوترة بسبب علاقات السلطنة المستمرة مع إيران ورفضها أخيراً الإنضمام إلى ترتيبات وجهود أمنية خليجية رئيسية عدة. لذا قرأ خبراء كثيرون قرار مسقط بتوقيعها على التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب في الرياض بأنه علامة على أن عُمان على إستعداد للتحوّل سياسياً وعسكرياً وإقتصادياً تجاه جارتها إلى الغرب، وأن المملكة العربية السعودية صارت لها اليد الطولى في المنطقة. في الواقع، مع ذلك، فإن هذه الخطوة لا تمثّل تحوّلاً في السياسة العُمانية. إنها في الواقع إستمرار لإستراتيجية دأبت عليها مسقط منذ عقود والتي تتمثّل في تحقيق توازن بين المملكة العربية السعودية وإيران.
قادت المملكة العربية السعودية إنشاء التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب في كانون الأول (ديسمبر) 2015. ويتكوّن هذا التحالف من 40 دولة إسلامية، لكنه يستثني دولتين ذات غالبية شيعية في المنطقة إيران والعراق، لمراقبة في ما تراه الرياض تدخل الجمهورية الإسلامية في الشؤون العربية. وعندما تم الإعلان عن التحالف لأول مرة، رفضت عُمان الإنضمام بحيث يمكنها الحفاظ على سياسة خارجية مستقلة تقليدياً وعدم تغيير الوضع القائم مع إيران.
وجاء إنعكاس قرار مسقط أخيراً بالنسبة إلى إنضمامها إلى التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب في الوقت الذي تتزايد فيه خيبة الأمل من طهران. لقد توقّعت عُمان أن تشهد أكبر مكاسب إقتصادية من إعادة إدماج إيران في المجتمع الدولي بعد الإتفاق النووي في العام 2015. ولكن الأعمال الموعودة كانت بطيئة إذ أن إيران قد أعطت المشاريع ذات الأولوية لشركاء أكثر ربحاً، مثل الإتحاد الأوروبي. لقد شعرت السلطنة ان طهران تتلكّأ في عدد من المشاريع المشتركة، بما في ذلك خط أنابيب الغاز بين السلطنة والجمهورية الإسلامية. في العام 2013، وقّعت إيران والسلطنة مذكرة تفاهم حيث ينبغي بموجبها أن تبدأ عُمان إستيراد 28 مليون متر مكعب من الغاز من إيران في العام 2015. ولكن تم تعديل مسار خط الأنابيب في العام 2016، وتأخر موعد التشغيل لعام 2017.
ومع ذلك، فإن علاقة السلطنة مع طهران هي قديمة، طويلة ودائمة. لقد إستفادت مسقط من المساعدة الإيرانية في هزيمة تمرّد كبير في سبعينات القرن الفائت، واليوم، تشكّل شريكاً سياسياً وإقتصادياً كبيراً لإيران. بين عامي 2012 و 2013، نمت التجارة الثنائية بين الدولتين بنحو 70٪ لتصل إلى 873 مليون دولار. وبحلول نهاية العام 2015، تجاوز هذا الرقم المليار دولار. وقد رحّبت عُمان أيضاً بالإستثمار المباشر الإيراني في مجمع إستشفائي ضخم ومصنع لتكنولوجيا “النانو”، وكلاهما كان من المفترض أن يساعد على تنويع إقتصاد البلاد بعيداً من النفط. إن العلاقة بين البلدين مهمة جداً بحيث عندما قطعت المملكة العربية السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي أو خفّضت علاقاتها الديبلوماسية مع إيران بعد الإعتداء على السفارة السعودية في طهران في كانون الثاني (يناير) 2016، وبّخت عُمان إيران وإنتقدتها، لكنها لم تُقدِم على تخفيض أو قطع علاقاتها. بدلاً من ذلك، زار في شباط (فبراير) 2016، وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي بن عبد الله طهران لمناقشة تعزيز العلاقات مع هذا البلد، وفي آذار (مارس) الفائت، أعلنت شركة “خودرو إيران” لصناعة السيارات، إنشاء مشروع مشترك برأسمال قدره 200 مليون دولار لإنتاج السيارات في السلطنة. في الواقع، فإن مسقط تفضّل دائماً معالجة الخلافات من خلال المشاركة والمفاوضات، بدلاً من سياسة حافة الهاوية، وإتخاذ المواقف، أو الإثارة – وهي الإستراتيجيات التي تحدّد العلاقات السعودية – الإيرانية اليوم.
للتأكيد، إن مسقط وطهران تختلفان في أمور كثيرة، بما في ذلك حول دور القوى الخارجية في المنطقة. في حين أن الثانية تعارض التدخل الغربي، فإن الأولى، مثل حلفائها في الخليج، تعتمد على القوى الأجنبية للمساعدة الأمنية. ولكن على الرغم من الشائعات التي تحدثت عن إمكانية إنسحاب عُمان من دول مجلس التعاون الخليجي، فإن السلطنة لا تريد أن تُغضب حلفاءها. إن دول المجلس هي السوق الرئيسية للبضائع العُمانية. وبحلول العام 2010، كانت حصة دول مجلس التعاون الخليجي من جميع الإستثمارات الأجنبية المباشرة في السلطنة نحو 25 في المئة؛ ومع إستبعاد النفط والغاز، فقد وصلت هذه النسبة إلى 50 في المئة. إن عُمان هي بلد صغير نسبياً وهامشية داخل الكتلة الخليجية، مع موارد محدودة أقل من جيرانها. لذا راهنت على علاقات ودية مع جيرانها المباشرين، وهذا هو السبب الذي قاد السلطان قابوس بن سعيد آل سعيد إلى محادثات أمنية إقليمية بعد الإستقلال في العام 1976 مع كل دول الخليج، بما فيها إيران والعراق. الواقع إن سبب عدم الرغبة في قطع العلاقات والإنسحاب من دول مجلس التعاون الخليجي، بكل بساطة، هو أن عُمان لا تستطيع تحمّل ذلك.
بفضل سياستها الخارجية المُحايدة والمُستقلة، إستطاعت مسقط غالباً أن تلعب دور الوسيط. خلال الحرب بين إيران والعراق، كانت عُمان هي الدولة العربية الخليجية الوحيدة التي حافظت على علاقاتها مع طهران. في النهاية، فقد ساعدت في التوسط لوقف إطلاق النار. في عامي 2010 و2011، فاوضت عُمان وسهّلت الإفراج عن المتنزهين الأميركيين الثلاثة المحتجزين في إيران، وفي العام 2012، إستضافت بهدوء المحادثات الثنائية الأولى على مستوى عال بين مسؤولين إيرانيين وأميركيين، والتي أدّت في نهاية المطاف إلى المفاوضات النووية وصفقة ال2015. أكثر من ذلك، فقد حافظت على علاقات عمل مع جميع الأطراف في الصراع السوري وإستضافت محادثات بين الحكومة اليمنية التي يترأسها الرئيس عبد ربه منصور هادي المدعومة من السعودية والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.
ولكن جهود مسقط كوسيط هادئ لم يكن لها دائماً وقع جيد لدى حلفائها في الخليج العربي. كانت العضو الوحيد في مجلس التعاون الخليجي الذي رفض تعزيز المؤسسات القائمة للمجلس وبقي خارج تدخل قوات التحالف التي تقودها السعودية في اليمن والتحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب. وقد أثار رفض السلطنة إنتقادات وراء الأبواب المغلقة — من الرياض على وجه الخصوص.
في ضوء ذلك، هناك معنى للجدل والقول أنه، من خلال إنضمامها إلى التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب، فإن عُمان تعيد مغازلة المملكة العربية السعودية على حساب إيران. وصحيح أن بطء القرارات التجارية في طهران بعد الإتفاق النووي قد أحبط مسقط في البداية. ولكن الوضع قد تحسّن، وذلك جزئياً بسبب بطء وتيرة تخفيف العقوبات جنباً إلى جنب مع قطع العلاقات بين إيران ودول الخليج الأخرى. وبدءاً من أوائل العام 2016، أعادت إيران الأولوية إلى علاقتها مع مسقط مرة أخرى، معيدةً تركيز جهودها على إستكمال تفاصيل مشروعي خطوط الأنابيب ومصنع السيارات. اليوم، تعتبر إيران بأن عُمان وأرمينيا هما أكبر شريكين لها في المنطقة المحيطة بها.
سياسياً، لا تزال عُمان عملية وبراغماتية. في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، إعترف الوزير علوي بأن هناك دوراً مشروعاً لإيران تلعبه في المنطقة، مضيفاً بأنه ليس في مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي أن “تتّحد ضد دولة مثل إيران”. ويعترف المسؤولون العُمانيون بأن الصراع الطائفي في الخليج العربي هو ببساطة ليس في مصلحة السلطنة. وإنهم لا يعتقدون أن عزل إيران خيار قابل للتطبيق. بالنسبة إلى مسقط، فإن طهران ليست فقط جزءاً من المنطقة — إنها قوة لا يستهان بها، ودولة مع مساحة شاسعة وعدد كبير من السكان، وتتمتع بموارد هائلة. إن جيشها لم تعد لديه القدرات التي كانت قبل الثورة الإسلامية في العام 1979، إلّا أنه لا يزال قادراً على تأكيد نفوذه في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك في مضيق هرمز، الذي تتشارك به عمان مع إيران. وبالتالي تستمر مسقط في الدعوة إلى الحوار بين طهران والرياض من أجل نزع فتيل التوتر.
وفي الوقت عينه، لا تستطيع مسقط أن تُهمل علاقاتها مع حلفائها الخليجيين. فهي فعلياً تدفع ثمن رفضها التحالف بشكل وثيق مع الرياض. وُينظَر إليها على أنها خارجية، وحتى “عميلاً إيرانياً” في مجلس دول التعاون الخليجي. ينبغي على عُمان أن تكون حريصة على عدم إغراق القارب. في الواقع، ليست هناك مفاجأة حقيقية بأن الإعلان عن مساهمة السلطنة الجديدة في التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب أتى بعد شهرين فقط على إتهامها علناً بالسماح لإيران بتهريب الأسلحة إلى المتمردين الحوثيين، مما أدى إلى إنتقادات ضارية وقاسية ضدها من حلفائها في دول مجلس التعاون الخليجي.
على مدى عقود، جعل السلطان قابوس الحياد، والوساطة، وتحقيق التوازن في المنطقة حجر الزاوية في سياسة بلاده الخارجية. وقد تمتع بدعم إيراني عسكري، وأمنٍ تدعمه السعودية، وعلاقات إقتصادية مع كليهما. إن الإنضمام إلى التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب هو من القبيل نفسه. وحتى مع ذلك، نظراً إلى التوتر في المنطقة، فإن مثل هذا الاعلان قد يؤدي بإيران أو المملكة العربية السعودية إلى تكثيف المنافسة لتعويض آثاره. وهذا لم يحدث حتى الآن – وهذا دليل على نجاح سياسة التوازن التي تتبعها سلطنة عُمان.

• دينا إسفاندياري زميلة في قسم دراسات الحرب في كينغز كوليدج في لندن. وأريان طباطبائي هي أستاذة مساعدة زائرة في برنامج الدراسات الأمنية في كلية الخدمة الخارجية في جامعة جورجتاون في واشنطن.
• كُتب الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى