التحليق فوق العواصم المُستَباحة

بقلم عبد الرازق أحمد الشاعر*

قبل أن تتخذ قرار الحرب، وتختار أرض المعركة، عليك أن تنتقي بعناية عدوّك ولون خوذته وبيرقه. فإن كان في متناول السبابة والإبهام، وكانت عظامه غير عصية على الدق والمسخ والتشويه، فإنطلق أيها الصنديد تحفظك عناية الآلهة، وكل الشعب – أو ما تبقى من الشعب – معك. ولكن لا تغامر – يا رعاك الله – بسترتك وسروالك، لتخوض حرباً لا تحفظ حزاماً فوق كرش مُتهدِّل، أو تبقي وطناً ما عاد كالأوطان.
إضرب ما شئت ومن شئت من ذوي القربى والأرامل والمُشرَّدين، وفَرِّغ ذخيرتك الحيّة في كل صدر حي، وإستعن باللحى والعمائم وأصحاب الفراء لسلخ ما تبقّى من جلد الوطن، وأحفر أخاديدك بطول التاريخ وعرض الجغرافيا لتواري سوأة إخوة كانوا أعِزّة حتى تمرّدوا. لكن لا ترفع صوتك فوق أصوات الذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، وإن ضربوا مطاراتك العسكرية كلها، وإمتدت أياديهم إلى ما تحت سرة وطن كان طاهراً قبل أن تطأه الأقدام الغليظة العابرة.
آن لإسرائيل أن تُحلِّق فوق المطارات العربية كلها، وأن تُجرِّب صواريخها الجديدة في عواصمنا القديمة، ففي إسرائيل لا عصمة لزعيم وإن كان صديقاً، ولا حرمة لحدود وإن كانت ملاصقة.
لم يكن ضرب جوار مطار المزّة العسكري (في سوريا) مجرّد عمل طائش أقدم عليه أفيغدور ليبرمان ذات تهوّر، ولم يكن لضرب الأسلحة التي كانت في طريقها إلى جنوب لبنان كما يدّعي الإسرائيليون، ولم تكن لتجريب طراز حديث من الطائرات خرج للتو من مصانع إسرائيل الحربية لضرب الأسلحة الروسية والإيرانية المتطورة كما يدّعي المراقبون، بل كان عملاً عدائياً بإمتياز، أراد منه العدو الإسرائيلي فرض أجندة جديدة على مائدة المفاوضات المقبلة، إن كان في المستقبل ثمة مائدة.
تغيّرت المعادلة إذن، شاء من شاء وأبى من أبى، وعلى المتضررين اللجوء إلى الأمم المتحدة أو ضرب رؤوسهم في ما تبقّى من حيطان مقدسة في بلادنا الآيلة للسقوط، أو الإكتفاء بالتهديد والوعيد كما فعل سفاح الشام في أعقاب الهجوم الثالث.
كنا نظن أن سوريا وحزبها التابع سيحتفظان بحق الرد كالعادة وكما تشدَّق الناطق بإسم النظام، لكن الرد السوري جاء أسرع مما نظن، فقد أعلنت صحيفة “الديار” اللبنانية عن إنفجار هائل في قاعدة حتسور العسكرية الإسرائيلية، ونسبت الإنفجار إلى “حزب الله” اللبناني رداً على إنفجار المزّة. صحيح أن هذا الخبر غير مؤكد، وغير نزيه، وأنه لم يرد في أيٍّ من وكالات الأنباء المشهود لها بالحيادية، لكن أحداً لا يستطيع أن يشكّك في قيام النظام وميليشياته بالرد في درعا ووادي بردى بإرتكاب جرائم حرب جديدة ضد السوريين، نكاية في إسرائيل التي تسعى إلى تقوية المعارضة السورية – أو هكذا يقول النظام!
الضرب في سوريا على أشده، والوجع والغليان يفوقان طاقة المواطنين البسطاء على الإحتمال. وكل مفاصل الوطن هناك مُنهَكة. تضرب إسرائيل في الخاصرة، ويرد النظام في الأطراف، وبينهما يُفجِّر إنتحاري نفسه أمام نادٍ رياضي في العاصمة. أي وطن بالله يحتمل كل هذا الوجع؟ وأي نبتة يمكن أن تخرج مستقيمة الساق من تحت أنقاض ذاك الوطن؟ تبّاً لمن هناك قاتل ومن قتل، وتبّاً لمن برّر لهذا الدمار ولمن سَوَّق له، وسحقاً لمن مَوَّل الحرب “الكرامازوفية” بالمال والسلاح والرجال. وويلٌ للعالم من أطفال سوريا حين تضع الحرب هناك أوزارها.

• أديب وكاتب وإعلامي مصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى