إرث سياسة أوباما في الشرق الأوسط ثقيل ومتفجّر

بقلم ميشال مظلوم

كان دعم الرئيس باراك أوباما لإستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يعارض بناء مستوطنات إسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة نموذجاً لنهجه في الشرق الأوسط. وقد شكّل قراره الأخير هذا موقفاً آخر يدعم سياسته المُعلنة التي فعل القليل لدفعها خلال السنوات الثماني التي قضاها في منصبه.
في العام 2010، أيّد أوباما قراراً إسرائيلياً بتجميد الإستيطان بإعتباره وسيلة تُسهِّل إجراء عملية المفاوضات. ومع ذلك، فقد رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تمديد التجميد إلّا إذا إعترف الفلسطينيون بإسرائيل كدولة يهودية.
تجددت المحادثات الفلسطينية – الإسرائيلية في 2013 و2014، على الرغم من أن بطل العملية الرئيسي عن الجانب الأميركي كان وزير الخارجية جون كيري، حيث لم يلعب فيها أوباما دوراً مباشراً كما في السابق. في الواقع، لقد تدهورت العلاقات بين الرئيس الأميركي ونتنياهو كثيراً بعد ذلك، بسبب معارضة إسرائيل لجهود واشنطن لإبرام صفقة نووية مع إيران. وفيما كانت الخلافات حول صفقة إيران تدفع التوترات بين أميركا وتل أبيب، فقد تراجع الإهتمام بالقضية الفلسطينية. لهذا السبب فإن القرار الذي تبنته الامم المتحدة في الشهر الفائت جاء صغيراً وقليلاً وبعد فوات الأوان.
على الرغم من أن بناء إسرائيل للمستوطنات يستحق إدانة كاملة، فإن نهج أوباما يعكس مشكلة أوسع نطاقاً ولّدها في المنطقة. في جهوده الرامية إلى الانسحاب من الشرق الأوسط، فقد إتبع الرئيس الأميركي سياسات تؤدي إلى تقلبات أكثر بكثير مما كان يريد.
كان محور النهج الأميركي مُرَكَّزاً على صفقة نووية مع إيران وإبتعاداً نسبياً عن حلفاء واشنطن في المنطقة. وعلى الرغم من أن أوباما قد نفى النية الأخيرة، فإن الرئيس الأميركي كان واضحاً في مقابلته مع جيفري غولدبيرغ في مجلة “أطلنتيك” بأن لديه رؤية مختلفة جداً عن تلك التي كانت لأسلافه.
قال لغولدبيرغ: “إن المنافسة بين السعوديين والإيرانيين – التي ساهمت في تغذية الحروب بالوكالة والفوضى في سوريا والعراق واليمن – تتطلب منا أن نقول لأصدقائنا فضلاً عن الإيرانيين بانهم بحاجة الى إيجاد طريقة آلية فعّالة للعيش كجيران وتقاسم النفوذ وتأسيس نوع من السلام البارد”.
بعبارة أخرى، بعد عقود حيث ركزت خلالها الولايات المتحدة على إحتواء الطموحات الإيرانية في الشرق الأوسط، فإن أوباما يعترف بها الآن على نحو فعال ضد مصالح حلفائه. إن ترك هذا العنان للديناميات السياسية والطائفية التي إجتاحت المنطقة لم يعمل سوى على تعزيز التهديد الإرهابي الذي أجبر أوباما على نشر قوات في العراق وسوريا.
يبدو أن أوباما يعتقد أن الطريق الوحيد الذي يُمهّد للولايات المتحدة أن تنسحب من الشرق الأوسط هو توازن القوى في المنطقة. وكما كان الحال في أوروبا بعد العام 1815، عندما وصلت الحروب النابليونية إلى نهايتها، فإن “تشارك النفوذ الإقليمي” بين السعودية وإيران يجلب معه عقوداً من الإستقرار. وهذا من شأنه أن يسمح للولايات المتحدة الحد من دورها المُوازِن في المنطقة، والذي كانت تلعبه منذ أكثر من نصف قرن.
من الناحية النظرية، يبدو هذا المخطط مُقنعاً، لو لم تتدخّل الحقيقة. بعكسه عن طيب خاطر لعقود من الثبات السياسي الأميركي في المنطقة، فإن كل ما فعله أوباما هو خلق فراغ سياسي ونفاق ظاهر. لقد شعر حلفاء أميركا بأنهم تُرِكوا لمصيرهم، ورأت الجمهورية الإسلامية بأنها يمكنها كسب نفوذ إقليمي أكبر من دون أي صدّ أو نكسة، وبدت الأهداف الأميركية المُعلَنة بأنها فارغة فيما لمست إيران وروسيا بسرعة أن أوباما يتبع جدول أعمال يتناقض مع ما كان يقوله في العلن.
كانت سوريا خير مثال. لم يكن أوباما أبداً حريصاً على إسقاط نظام بشار الأسد. أكثر ما فعله هو الإعلان عن أن الرئيس السوري سوف يتنحّى في نهاية المطاف، من دون أن يجعل ذلك أمراً مؤكداً لا مفر منه. لقد حيَّدت واشنطن الجبهة الجنوبية الضعيفة للنظام من طريق دعم إغلاق الحدود مع الأردن. ولم تُعطِ المعارضة وسيلة لترجيح كفة التوازن العسكري لصالحها. ولفترة طويلة فقد عارضت المساعي التركية لإنشاء منطقة أمنية داخل سوريا.
لقد جادل البعض بأن أوباما لم يكن يريد بأن يُعرِّض المفاوضات النووية مع إيران للخطر من خلال تحدّي طهران في سوريا. ربما كان الأمر صحيحاً، لكنه ذهب إلى أبعد من ذلك بقبوله ضمنياً بأن لدى إيران أصولاً ومصالح مشروعة في سوريا (وإستطراداً في لبنان). وقد كفل هذا الأمر بإضفاء صورة المخادع على النهج الأميركي في سوريا.
من ناحية أخرى كانت سياسة الرئيس الأميركي بالنسبة إلى فلسطين غامضة على حد سواء. لقد شكّل منع بناء المستوطنات أولوية، في حين أن نتنياهو لم يبدُ ملتزماً بالسلام مع الفلسطينيين.
ومع ذلك، فإن الحكومة الإسرائيلية التي شاهدت نفاق أوباما في سوريا سوف تتفاعل حتماً من طريق حساب ودراسة تنازلاتها وإمتيازاتها الخاصة مع الفلسطينيين في ضوء رؤية أوباما لميزان القوى في المنطقة.
بعبارة أخرى لقد خلق أوباما سياقاً إقليمياً جديداً متفجّراً الذي جعل حلفاء أميركا أكثر حذراً للإقدام على مخاطرة، حتى لو شعر خصومهم بالجرأة. وهذا هو السبب في أن الكثير من الحلفاء هم في إنتظار دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حتى لو كان كل شيء عنه يوحي بأنه قد يكون رئيساً إسترجاعياً خطيراً أكثر بكثير من أوباما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى