“حزب الله” يسعى إلى الإحتفاظ بدوره المحوري في لبنان

بقلم رئيف عمرو

في تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، عندما كان ميشال عون على وشك الحصول على غالبية برلمانية تسمح له أن يصبح الرئيس المُنتخَب للجمهورية اللبنانية، كان هناك شيء واحد واضح: لم يكن “حزب الله” مسروراً بالتحالفات الجديدة التي جعلت الإنتخابات ممكنة. ومنذ ذلك الحين، سعى الحزب إلى وضع نظام يحمي مصالحه.
ويبدو أن “حزب الله” يسعى إلى مصدر إلهام لهذا الأمر من أسلوبٍ كان السوريون أجادوا إستغلاله في لبنان قبل عقدين من الزمن. وهذا الأسلوب كان سمح لدمشق إدارة البلاد من خلال اللعب على الخلافات بين رؤساء الجمهورية ومجلس الوزراء والبرلمان. وهذا أصبح يُعرف بإسم “الترويكا”.
لقد كانت الترويكا آنذاك مُمكنة بسبب حقائق ما بعد الحرب في أوائل تسعينات القرن الفائت. فيما كانت البلاد تنفّذ عملية بناء هيكليتها وبناها التحتية، كانت هناك كميات هائلة من المال في التداول لإعادة الإعمار. وكان رئيس الوزراء في ذلك الوقت، رفيق الحريري، صوّر نفسه كمحرّك رئيسي للنهضة في لبنان. من خلال عرقلة خططه، كان رئيسا الجمهورية والبرلمان ناهيك عن سوريا يستطيعون أخذ جدول أعماله السياسي رهينة، لذا كان عليه إجراء تخفيضات أكبر في مشاريع إعادة الإعمار ودفع بعض الأرباح للمعرقلين للإفراج عنها.
لكن الحريري نفسه لم يكن صريحاً ونزيهاً. بالنسبة إليه كانت جهود إعادة الإعمار مفيدة كأداة لزيادة سلطته في الدولة. وهذا ما فعله أساساً من خلال تعزيز المؤسسات المرتبطة بمكتبه التي سمحت له بالتحايل على الوزارات وتنفيذ خطط إعادة الإعمار كما يريد.
رأى السوريون، الذين فرضوا حكمهم على لبنان، مزايا في هذا النظام. كانوا في موقع محوري للعمل كوسطاء عندما يختلف الساسة اللبنانيون، الأمر الذي منحهم تأثيراً في التطورات اللبنانية. كما أنهم إستفادوا من العائدات المربحة من مشاريع إعادة الإعمار. وعلى نطاق أوسع، أبقوا النظام اللبناني تحت سيطرتهم والذي، بحكم الضرورة، منح الحريري السلطة لإحياء لبنان- وهي سلطة كانوا يخشون من أنه قد يستخدمها لإبعاد لبنان ببطء عن سوريا.
كانت السيطرة في قلب نظام الترويكا. عندما تحوّل نجل الحريري سعد إلى عون منذ أشهر، وأيده لرئاسة الجمهورية، ربما سعى “حزب الله” إلى ترتيب مماثل.
بدعم من الحريري ومن منافس قديم آخر ل”حزب الله”، سمير جعجع رئيس حزب “القوات اللبنانية”، كان عون في وضع يمكنه من أن يُنتخَب رئيساً ويكسر الجمود الرئاسي الذي أوجده “حزب الله”.
هذاالأمر أقلق “حزب الله”، الذي خشي من أن يؤدي محور عون -الحريري – جعجع إلى تعريض دوره المهيمن في النظام السياسي للخطر. لذا أول ما فعله الحزب كان إعطاء الضوء الاخضر لحليفه الشيعي نبيه بري، رئيس البرلمان القوي، لإعلان معارضته لعون والتحالف الذي أيّده.
الحقيقة أنه من الصعوبة بمكان معرفة ماذا طلب “حزب الله” من رئيس المجلس النيابي على وجه التحديد، لكن على الأقل رأى بري أن الحزب سيرحب بلعبه دوراً موازناً لعون ورئيس الوزراء المعيّن الحريري. في الواقع لقد شُكِّلت ترويكا جديدة، واحدة سيكون فيها الوسيط في الخلافات المستقبلية ليس سوريا ولكن “حزب الله”، الذي حافظ على علاقة جيدة مع عون.
إن الترتيب الجديد مثيرٌ للإهتمام لأسباب أخرى. إنه ثمرة الضرورة. لم يكن بإمكان “حزب الله” منع الحريري من تأييد عون، كما لم يكن في وسعه أن يُعيق المصالحة بين عون وجعجع، التي وحّدت غالبية المسيحيين اللبنانيين وراء رئاسة عون. بطريقة مماثلة، لم يكن في وسع سوريا منع وصول رفيق الحريري إلى السلطة في العام 1992 بإعتباره الممثل الرئيسي لحصة السعودية في لبنان.
حتى لو أن سوريا في تلك الفترة، مثل حزب الله اليوم، كان يمكنها إستخدام الكبح المبني في صلب النظام السياسي الطائفي للحفاظ على تفوقها، فإن سيطرتها لم تكن أبداً كاملة. إن التحوّلات المفاجئة يمكن أن تقوّض موقعها المهيمن.
لقد جاء تحوّلٌ من هذا القبيل في العام 1998، عندما أدّى صعود بشار الأسد في سوريا إلى أسلوب سوري جديد في إدارة لبنان، واحدٌ عجّل في نهاية المطاف في سقوط النظام السوري هناك.
في تلك السنة، جلب السوريون إلى منصب رئيس الجمهورية العماد إميل لحود، الذي أصبح الشريان الرئيسي للقوة السورية في لبنان. وقد حلّ لحود محل النظام الذي كان موجوداً من قبل، عندما كان لدى السياسيين اللبنانيين رعاة منفصلين في سوريا. مع صعود بشار الأسد، كانت سياسة لبنان مركزية بشكل متزايد في دمشق، الأمر الذي تطلب نظيراً رئيسياً في بيروت، والذي صادف أن يكون لحود، قائد الجيش السابق.
مع ذلك كل ما فعله هذا كان تنفير كثير من السياسيين المؤيدين لسوريا في لبنان وجعل رفيق الحريري عدواً.
من ناحية أخرى ولّدت الثورة ضد لحود ديناميات أدّت لاحقاً إلى إغتيال الحريري في العام 2005، عندما بدا أنه سيفوز بالغالبية في الانتخابات البرلمانية التي كان من المقرر أن تجري في صيف ذلك العام. الجريمة، والغضب على نطاق واسع الذي أثارته، أجبرا سوريا على سحب جيشها من لبنان.
الوضع اليوم يختلف إلى حد ما. ومع ذلك، فإن “حزب الله” يدرك جيداً عدم القدرة على التنبؤ بالنظام الطائفي. وهذا هو السبب في أن رد فعله على إنتخاب عون كان حذراً. ولكن ينبغي على الحزب ألّا يحاول الدفع بعيداً جداً لتعزيز هيمنته.
في كثير من الأحيان، الذهاب مع تدفق الحقائق اللبنانية هو أكثر أمناً من محاولة تحويلها بشكل أساسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى