ماذا بعد حلب؟

بقلم محمد الحلبي

مع سقوط كل شرق حلب في أيدي القوات الداعمة للرئيس بشار الأسد بات الآن وشيكاً، فالسؤال المطروح حالياً ماذا سيحدث لاحقاً في سوريا؟
آخر المناطق الحضرية الرئيسية في غرب سوريا خارج سيطرة النظام هي إدلب. في حين سعى الأسد وحلفاؤه الروس والإيرانيون إلى إستعادة بلاد الشام، فقد كانت الأولوية مُنصبّة على إزالة المعارضة من المناطق الحضرية التي تمتد بين دمشق والحدود التركية والأردنية. وهذا يعني أن محافظة إدلب ستكون من شبه المؤكد هي الجبهة المقبلة.
يستطيع الأسد أن يُعزّي نفسه من حقيقة أن نظامه قد إستقر إلى حد ما، بحيث لا أحد يناقش حلاً سياسياً للصراع في سوريا. لقد كان الرئيس السوري دائماً يريد الحل العسكري، بإعتباره وسيلة للتحايل على أي نقاش حول رحيله من منصبه، وقد جاره الروس والإيرانيون في مسعاه.
فيما أُجبِرت قوات المعارضة على الإنسحاب من المدن السورية، فإن التمرّد أصبح أكثر ريفياً. هناك ميزة، وإن كانت محدودة، في ذلك، فإن النظام في هذا المجال الذي يفتقر إلى العديد للسيطرة على أجزاء كبيرة من الأراضي، سوف يجد صعوبة أكبر لسحق قوات المعارضة المنتشرة في الريف.
مع ذلك، وفي أحسن الأحوال، ستكون قوات المعارضة معزولة عن المناطق الحيوية الأمر الذي سيسمح لها بإعادة إمداد أنفسها. وستكون هذه القوات بالطبع عرضةً لغارات جوية بشكل مستمر، مما سيمنعها من تركيز قواتها ويحدّ من قدرتها على إثارة ردود فعل من مجتمعٍ دولي غير مبالٍ بالخسائر في الأرواح في سوريا.
في شرق سوريا كانت الديناميات تسير لصالح نظام الأسد كذلك. إن مكافحة “داعش” تعني أن النظام إعتُبِر حليفاً موضوعياً ضد هذه الجماعة التكفيرية من ناحية، ومن جهة أخرى فإن قدراً كبيراً من القتال تقوم به قوات أخرى غير الجيش السوري المُنهَك.
إن النظام السوري يستفيد في بعض الجوانب بطريقتين. في شمال سوريا يكافح الأتراك الأكراد، الذين يمثلون عائقاً أمام إعادة فرض السيطرة على النظام في شمال شرق سوريا. وفي الوقت عينه، فإن هزيمة “داعش” ربما تغيّر التوازن في محافظة دير الزور لصالح الرئيس الأسد.
هذا الوضع المعقّد كان له على ما يبدو تأثير في حلب، حيث خاضت القوات الكردية معاركها إلى جانب النظام، وإندفعت إلى المناطق التي يسيطر عليها المتمردون من منطقة الشيخ مقصود التي يسيطرون عليها. بالنسبة إلى الأكراد فإن الاولوية تكمن في كسب أراض جديدة وتعزيز أنفسهم لمجابهة النظام في نهاية المطاف.
المجهول الكبير هو ما سوف تقوم به تركيا. في حين أنه من المتصوَّر أن يستمر الأتراك في الحفاظ على منطقة مراقبة في شمال شرق سوريا، وأن هذه المنطقة يمكنها أن تكون بمثابة نقطة تجمع للجماعات المتمردة السورية، فإن الواقع يمكن أن يكون أكثر تشاؤماً وسخرية. يعتقد العديد من المراقبين أن الأتراك، بعد التصالح مع روسيا، تخلّوا عن حلب في مقابل الإنتشار في سوريا لمنع نشوء كيان كردي في شمال البلاد.
إذا كان الأمر كذلك، فإن ذلك يعني أن الأولوية التركية لم تعد تكمن بإطاحة الأسد، ولكن بتأمين منطقة نفوذ لنفسها في سوريا. وهذه المنطقة يمكنها أن تكون بمثابة حاجز ضد التوسع الكردي، ولكن أيضاً، ربما، مصدراً للنفوذ في أي تسوية تجري بعد الحرب. في هذه الحالة ستكون المصالح التركية وحدها لها الأولوية.
إن أيٌّاً من هذه السيناريوهات لا تبشر بالخير للمعارضة السورية. حتى لو إستمرت في القتال، فإنها ستفقد كل الزخم. مع سكان مُرهَقين، ودمار واسع النطاق في سوريا، وعدم قدرة دول المنطقة بشكل متزايد على تزويد ودعم المعارضة، فإنه من الصعب جداً التصوّر أن تنتعش الجماعات المتمردة من جديد وتعود إلى الحياة كما كانت.
قد يستغرق الأسد وقتاً طويلاً لإستعادة سيطرته المادية على بلاده، ولكن بمجرد انه لم يعد مُهدَّداً في أكثر المناطق المأهولة بكثافة في سوريا، فإن قدرته على تعزيز حكمه ستكون أسهل بكثير. والحكومات الأجنبية سوف تتكيّف مع هذا الواقع الجديد، في حين أن الرئيس السوري سوف يحتفظ ببطاقة قيِّمة من خلال قدرته على إعادة توطين اللاجئين السوريين الموجودين في البلدان المجاورة، وهذا الأمر سوف يستخدمه لتعزيز نفوذه.
ومع ذلك، هذا لا يعني ان المتمردين سيختفون. سيكون هناك عشرات الآلاف من الرجال المسلحين السارحين في سوريا الذين لن يقبلوا مطلقاً بالنظام. ولكن ماذا سيحدث لهم عندما سيتعرضون لدمار وشيك أمر من الصعب تقديره أو التكهن به. هناك أولئك الذين سيختارون المنفى، في حين أن آخرين قد ينضمون إلى مجموعات جديدة، والبعض منهم قد يتحوّلون الى منظمات أكثر تهديداً.
منذ بعض الوقت رأى الأسد وحلفاؤه النصر في حلب كنقطة تحوّل في الحرب. وقد كان ذلك واضحاً عندما تردد الروس بالقبول بحل مؤقت هناك مع الأميركيين. إن إدلب سوف تكون المدينة التالية التي تخطر في البال، وسوف تلعب بمثابة إنتصار ضد “الإرهاب” لكون المعركة هي ضد إحدى الجماعات التابعة لتنظيم “القاعدة”، أو التابعة سابقاً، “جبهة فتح الشام”.
قبل عامين، حذّر باراك أوباما فلاديمير بوتين بأنه يدخل “مستنقعاً” في سوريا. بوتين هو الآن على أعتاب الفوز برهانه، في حين أن العبث الأميركي المطلق هو أكثر وضوحاً يوماً بعد يوم فيما الأسد يبتهج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى