لماذا سيكون تصدير الطاقة الشمسية من شمال أفريقيا “ماراثوناً” صعباً

تعمل دول شمال أفريقيا منذ مدة على إنشاء مشاريع ضخمة للطاقة المتجددة وخصوصاً الطاقة الشمسية بغية تلبية الطلب المحلي على الطاقة من جهة وتصدير بعضها إلى الخارج من جهة ثانية. مراسل “أسواق العرب” في الرباط رياض عارف يشرح في التقرير التالي الصعوبات التي ستواجه عملية تصدير الطاقة من دول شمال أفريقيا.

مزرعة الرياح في طرفاية: أكبر مزرعة من نوعها في أفريقيا
مزرعة الرياح في طرفاية: أكبر مزرعة من نوعها في أفريقيا

الرباط – رياض عارف

مع إفتتاح محطة حديثة للطاقة الشمسية في المغرب والإعلان عن موجة من المشاريع الجديدة في دول شمال أفريقيا الأخرى، فإن فكرة خلق صناعة للطاقة الشمسية تنقل الطاقة من دول شمال أفريقيا إلى أوروبا وإلى بعضها البعض قد عادت إلى الأخبار مرة أخرى. ولكن في حين أن الفكرة مُمكنة، فإن قطاع الطاقة الشمسية في عموم شمال افريقيا في شكله الحالي يبدو من المرجح أن يواجه حكومات مُشاكسة ووطنية.
لقد أعلن المغرب أنه في طريقه إلى بناء أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم. بعد الإنتهاء من المرحلة الأولى من المجمع الجديد بالقرب من مدينة ورزازات أي “مشروع نور1” الذي يتألف من 500,000 مرايا شمسية، سينضم إليه في العام 2017 مصنعان آخران، نور 2 و 3، ويجري الآن تناول ودراسة المرحلة الرابعة. وعندما يتم الإنتهاء من المجمع كله فإن محطة الطاقة الشمسية في ورزازات سوف تولّد 580 ميغاواط في ذروة الإنتاج. وستكون أجزاء من المجمع أيضاً قادرة على تخزين الطاقة الكهربائية من طريق إستخدام الرمال المنصهرة أثناء الليل. وهو نظام توليد للطاقة الكهربائية مصمم تماماً للعمل في بلد صحراوي حار مثل المغرب، ولكنه سيكلف 9 مليارات دولار للإنتهاء منه.
الواقع أن المغرب مستعد لإنفاق هذه المبالغ لأنه أكبر مستورد للطاقة في شمال أفريقيا، فهو ينفق أصلاً الآن أكثر من 3 مليارات دولار سنوياً على واردات الوقود والكهرباء، في الوقت الذي يشهد نمواً في الطلب على الطاقة بنسبة 6.5٪ في السنة. ومع الإعتماد شبه الكامل على شركات الطاقة المستوردة، فإن الطاقة المتجددة تشكل عرضاً جذاباً للدولة على الصعيد المحلي بغض النظر عن إمكانية تصدير الطاقة الوليدة في هذه الصناعة. إن الدولة تهدف إلى توليد 42٪ من إحتياجاتها من الطاقة من مصادر متجدّدة بحلول العام 2020، ولديها مجموعة من المبادرات التي جرى بناؤها. وتستضيف بالفعل أكبر مزرعة رياح في افريقيا في طرفاية، التي بدأت عملياتها التجارية في كانون الثاني (يناير) الفائت، بالإضافة إلى محطة غاز – شمسية هجينة تبلغ طاقتها 470 ميغاواط في “عين بني مطهر” التي تبعد 650 كلم شرق العاصمة الرباط. وتتدافع الآن دول مجاورة مثل تونس للحذو حذو المملكة المغربية مع مشاريعها الخاصة.
ولكن في حين أن المغرب هو الطفل العربي المدلّل للطاقة النظيفة، بعدما أدرك إمكانات الطاقة الشمسية والطاقة المتجددة الأخرى في وقت مبكر، فإنه يواجه أيضاً بعض التحديات التي تواجه أي تصدير لصناعة الطاقة في عموم شمال افريقيا. إن المنافسات الإقليمية مكثفة، وهي غالباً ما تحبط المشاريع التي تتطلب التعاون عبر الحدود في المنطقة. ويبدو هذا الأمر جلياً وأفضل في علاقات الرباط مع جارتها العملاقة الجزائر، التي تتنافس معها على الهيمنة المحلية. وعلى الرغم من إشتراكهما في شبكة كهربائية مشتركة فقد تم اغلاق الحدود بين البلدين منذ العام 1994، عندما أغلقتها الجزائر إنتقاماً على إدخال المغرب شرط منح التأشيرات للزوار الجزائريين. وقد وضع المغرب نظام التأشيرات في المكان كإجراء أمني في أثناء الحرب الأهلية في الجزائر بين 1991 و2002. ولكن على الرغم من إنتهاء الحرب منذ أكثر من عشر سنين، فلا تزال الحدود مغلقة لأن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي يتولى السلطة منذ العام 1999، رفض رفع هذا الاجراء.
الإتجاه السائد في المنطقة هو أن كل دولة تسعى إلى جذب المستثمرين لمشاريع الطاقة المتجددة الخاصة بها بدلاً من أن تسعى إلى إطار لنظام نقل أكبر مشترك عبر البحر الأبيض المتوسط. وهكذا في تونس تركز الشراكة بين المستثمرين التونسيين والشركة البريطانية “نور إينرجي” التي تدعى “تونور” (TuNur) على تصدير الطاقة الشمسية من هناك إلى المملكة المتحدة فقط. وفي مصر تنظم السعودية مع مستثمرين كوريين جنوبيين مشروعاً للطاقة الشمسية كلفته 6 مليارات دولار لجزء من صحراء تلك البلد في محافظة وادي جديد. وفي غضون ذلك أعلنت وزارة الطاقة الجزائرية عن خطط لرفع قدرتها المستهدفة من الطاقة المتجددة للعام 2030 من 12,000 ميغاواط إلى 25,000 ميغاواط في كانون الثاني (يناير) 2015، ولكن على الرغم من شبكة الكهرباء المشتركة بينها وبين المغرب فليست هناك أي خطط للتعاون بين البلدين الجارين.
مع ذلك فإن إلقاء نظرة على خريطة مشروع “ديزرتيك” المدعوم إلمانياً والذي فشل، تُبيِّن أن شبكة ضخمة من مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح يمكن أن تُبنى على إمتداد مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وترتبط بأوروبا عبر كابلات نقل تيار التوتر العالي (التي تفقد فقط 3٪ من كهربائها في كل 1000 كلم، أو 620 ميلاً). وقد فشلت الخطة بسبب المستويات الحالية لترابط الشبكة بين المغرب العربي وأوروبا، وداخل أوروبا نفسها. في الوقت الحاضر فإن المغرب هو البلد الوحيد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي يتصل بأوروبا (عبر إسبانيا)، وهو يستخدم هذا الربط لإستيراد الكهرباء خلال أوقات ذروة الطلب، وليس للتصدير. حتى أن الخطط لإنشاء إتحاد للطاقة وربط أفضل بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، التي تسارعت بسبب المخاوف من إستخدام روسيا الجيوسياسي للغاز، ما زالت في مرحلة جنينية، ناهيك عن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
إن خطط الإتحاد الأوروبي تركّز حالياً على بناء الحلقات المفقودة عبر الحدود بين شبه الجزيرة الايبيرية وبقية سوق الطاقة في الاتحاد الأوروبي، مع هدف ضمان أن 10٪ من طاقة كل دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يمكن نقلها إلى الخارج من طريق الكابل بحلول العام 2020. وهذا يتماشى مع البنية التحتية الموجودة مسبقاً لإنضمام إسبانيا والمغرب والجزائر، ويمكن في النهاية أن تُستخدم في بدء إنطلاق المرحلة الأولى من نظام النقل في عموم منطقة البحر الأبيض المتوسط الذي يربط دول المنطقة مع بعضها البعض والاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، لكي يحدث هذا، ينبغي أولاً أن تتغير عقلية حكومات المنطقة الضيقة والقومية بما فيه الكفاية لتحقيق تكامل البنية التحتية والتعاون الأمني المطلوب لبناء وحماية هذا النظام.
تتناثر وتتعدد النزاعات الحدودية وقضايا الأمن التي لم تُحل في شمال أفريقيا والتي تمنع هذا الأمر من الحدوث، وفيما فشلت الدول المحلية في إدارة شؤونها الأمنية بشكل فردي فإنها تحتفظ بإمتياز للقيام بذلك غيرةً. لا تزال القائدتان الطبيعيتان للمنطقة المغرب والجزائر أمام طريق مسدود سياسياً حول قضية إقليم الصحراء الغربية. في هذه الأثناء لا تزال الجزائر تدعم جبهة البوليساريو في حرب العصابات التي تشنها مطالبة بالاستقلال، على الرغم من أن المجموعة تقيّدت بإتفاق وقف إطلاق النار منذ العام 1991. وقد مرّ ربع قرن على هذه المسألة الأمنية الكبرى التي ما زالت من دون حل بين الحكومتين.
حتى تصبح المفاوضات والتسوية حول قضايا مثل هذه أكثر قبولاً في سياسات الشرق الاوسط وشمال أفريقيا، فإن مشاريع عملاقة مثل صناعة الطاقة الشمسية في شمال أفريقيا ستظل مصابة بالإحباط. وفي هذه الأثناء سوف تستمر كل دولة في المنطقة في تطوير صناعة الطاقة الشمسية الخاصة بها والخبرات اللازمة لإدارتها. في المستقبل قد تتشكل هذه الروابط المنفصلة يوماً وتصبح سلسلة واحدة تربط المنطقة مع أوروبا، كما توخّى وتمنى داعمو مشروع ديزيرتيك الأصليون. ولكن ينبغي بألّا يتوقع مراقبو الصناعة بأن يحدث ذلك في وقت قريب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى