هل يستطيع الرئيس دونالد ترامب تحقيق وعوده؟

بقلم كابي طبراني

أفادتنا إستطلاعات الرأي أن الأمر لن يحدث بهذه الطريقة. وزعمت التوقعات أن النتيجة لن تكون بهذه الطريقة. وحتى الأسواق المالية راهنت على أن من يسكن البيت الأبيض في العام المقبل لن يأتي بهذه الطريقة. ولكن يوم الثلاثاء الواقع في 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، كان للأميركيين رأي آخر إذ أنهم إنتخبوا الملياردير دونالد ترامب الرئيس الـ45 للولايات المتحدة.
الواقع أن هذا الإنتخاب أوقع صدمة عميقة تُنذِر بعواقب عاصفة لبلاد العم سام والنظام الدولي ككل. بعد حملة مُثيرة للجدل شابها في كثير من الأحيان خطاب هجومي حاد وشؤون مسلكية غير أخلاقية ماضية للمرشح ترامب، فإن الأيام المئة الأولى للرئيس الجديد بعد تسلم منصبه في كانون الثاني (يناير) المقبل ستكون موضع إهتمام وقلق ومراقبة كثيرين في الداخل والخارج.
على مدى الأشهر الفائتة، جذب ترامب دعماً شعبياً كبيراً من خلال وعده ب “جعل أميركا بلد عظيم مرة أخرى” من خلال تعزيز الأمن القومي والتدابير الحازمة “لإستعادة سيادة القانون على أرضنا”. وقد وعد الرئيس المُنتخب أنه بمجرد دخوله البيت الأبيض سيوقّع فوراً على مجموعة من الأوامر التنفيذية لإلغاء الكثير من إرث وتركة الإدارة السابقة.
سوف يؤشّر نهج ترامب في الشؤون الخارجية إلى قيادة أحادية صلبة جديدة من شأنها أن تُقلق العديد من حلفاء الولايات المتحدة. فنظراً إلى الصلاحيات الرئاسية التقليدية في توجيه السياسة الخارجية الأميركية، فإن الرئيس الجديد ستكون لديه حرية التصرف لإلغاء مجموعة من الإتفاقات المُعقَّدة المتعددة الأطراف التي إرتكزت عليها العلاقات الخارجية الأميركية في عهد أوباما.
لقد تعهّد ترامب بضمان إنسحاب بلاده من إتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا) أو إعادة التفاوض حولها، والتخلي عن إتفاق الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ (تي بي بي)، كما هدّد بإعادة النظر بإلتزامات واشنطن في حلف شمال الأطلسي إذا لم يُضاعف الأعضاء الأوروبيون مشاركتهم ومساهمتهم المالية والعسكرية بشكل أكبر. ومن ناحية أخرى يُعارض ترامب بشدة الإتفاق النووي المُوقَّع مع إيران على أساس أن طهران كانت “أمكر” و”أشطر” من باراك أوباما ووزارة الخارجية الأميركية. وعلى الرغم من أنه لم يُعلن عن خطة لإعادة التفاوض على هذا الإتفاق حتى الآن، فإنه تعهّد بإتخاذ إجراءات أقوى لمواجهة التدخل الإيراني في الشرق الأوسط.
هذا التشديد الجديد على سياسة خارجية عنوانها “أميركا أولاً” يعكس في الواقع ميل ترامب إلى رؤية الديبلوماسية كعملية تأمين إتفاقات “معاملات” بدلاً من العمل على رفع ودعم مبادئ عامة أساسية. ومن المرجح أن يشكّل هذا النهج علاقات الإدارة الجديدة مع الصين وروسيا. وعلى الرغم من أن الرئيس المُنتخَب قد إنتقد في وقت سابق الصين بسبب إغراقها الأسواق العالمية بصادراتها، فمن المحتمل أن تركّز العلاقات الثنائية بين واشنطن وبكين على علاقات تجارية جديدة. أما بالنسبة إلى روسيا، فإن الأمر الذي يزعج الكثيرين هو أن ترامب قد أشاد بفلاديمير بوتين كزعيم قوي حيث يعتقد أنه يمكنه أن يعمل معه على نحو فعال.
من حيث السياسة الداخلية، فقد تعهّد ترامب بإلغاء مشروع إصلاح العناية الصحية المسمى “أوباما كير” “ObamaCare”، وتبسيط قانون الضرائب، وإلغاء تشريعات الطاقة النظيفة. وزاعماً عن فساد مزعوم في الكونغرس والحكومة الاتحادية، فقد وعد ترامب أيضاً “تجفيف المستنقع” من خلال فرض قيود على فترات جميع أعضاء الكونغرس وتجميد التوظيف الفيديرالي، وفرض حظر لمدة خمس سنوات على الموظفين السابقين في البيت الأبيض والكونغرس من العمل مع جماعات الضغط (اللوبي) بعد تركهم وظيفتهم.
سيسعى ترامب أيضاً إلى تنفيذ تعهداته لتقييد الهجرة. خلال حملته الإنتخابية، جذبت هجماته الحادة والخام على المكسيكيين والمسلمين، من بين أمور أخرى، إنتقادات شديدة، لكن مع ذلك فقد لعبت بشكل جيد مع قاعدته الداعمة والمتحمّسة. وسيسعى إلى وضع حظر على المهاجرين من المناطق التي هي “عرضةً للإرهاب”، والوقف الفوري لقبول اللاجئين السوريين، وبناء جدار “ضخم” على الحدود الجنوبية مع المكسيك.
ومع ذلك، فإن الهجوم الناري للرئيس الجديد ضد سلفه والمهاجرين والفساد الحكومي يمكن أن يأتي بنتائج عكسية كذلك بالنظر إلى أنه سيكون بحاجة إلى دعم الكونغرس لتنفيذ جميع هذه التدابير المقترحة. إن نهج ترامب “العدائي” و”المُقسِّم” خلال حملته الإنتخابية لا يخدمه بشكل جيد في البيت الأبيض عندما يواجه تعقيدات صنع القانون الإتحادي. إن فصل السلطات داخل الحكومة يمكن أن يؤدي بسرعة إلى تجميد النظام إذا إستمر الرئيس الجديد في إستعداء المؤسسات ومجموعات الرأي التي، مذعورة من الانتخابات، قد قررت فعلياً مقاومته.
إن النهج الحزبي “المُقسِّم” الواضح لترامب يشير بشكل واضح إلى لهجة مختلفة جذرياً للمنصب الذي كان يُنظَر تقليدياً إلى معتليه السابقين كملوك مُنتَخبين يترأسون أقوى ديموقراطية في العالم. وعلى الرغم من أن الرئيس الجديد يعتقد بأن لديه قدرات تفاوضية، فلا يوجد شيء في سجله يشير إلى أنه يمكنه إدارة تعقيدات الحكومة أو أن لديه الذكاء العاطفي الكافي للتوفيق بين أولئك الذين يحملون وجهات نظر مختلفة.
بعدما نُبِذ من قبل جزء كبير من النخبة في الحزب الجمهوري خلال حملته الإنتخابية، هناك دلائل تشير إلى أن ترامب يمكنه إصلاح شخصيته السياسية لدرجة أنه يمكنه بناء جسور مع الشخصيات الرئيسية اللازمة لجعل رئاسته ناجحة.
لقد نصح رئيس وزراء بريطانيا السابق، كليمنت أتلي، مرة أحد المقربين بأنه “إذا كنت تريد الذهاب للتفاوض مع شخص غداً، لا تهينه اليوم”. لذا حتى لو بدأ ترامب تنفيذ وعوده الإنتخابية بالنسبة إلى الأوامر التنفيذية بعد توليه منصبه، فمن المحتمل جداً أن الإنقسام الهائل في النظام السياسي الأميركي، الذي تعمّق في جزء كبير بسبب خطابه المتطرف، يمكن أن يجعل ساكن البيت الابيض المقبل على نحو متزايد بائساً ومنعزلاً فيما بلاده “تتمزق” بسبب إستمرار الصراع السياسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى