خطة إنعاش لسوريا بعد “داعش”

بقلم هنري ج. باركي*

عملية تحرير الموصل وهزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) هي الآن قيد التنفيذ. بعد الموصل، ستتركّز جهود الولايات المتحدة وقوات التحالف على الرقة في سوريا، عاصمة “الخلافة” المُفتَرضة. وعندما تسقط الرقة، فإن “داعش” سيفقد سيطرته على أي أرض كبيرة وسيكون بذلك قد تلقّى ضربة قاضية. ومع ذلك ستظل سوريا غارقة في الحرب الأهلية التي جعلت من نصف سكانها لاجئين.
مع دعم الإيرانيين والروس الكامل للرئيس بشار الأسد في دمشق، فإنه من الواضح أن فُرَص تغيير النظام هناك في أي وقت قريب لن تكون مُتاحة. في هذه الأثناء، يتواصل التخريب والتدمير في المدن والأرياف فيما يموت المزيد من المدنيين. وعلى إفتراض أن الرقّة سوف تتحرر في الأيام الأولى من الإدارة الأميركية المقبلة، فماذا سيحدث بعد ذلك؟
لقد حان الوقت للتفكير في حلٍّ آخر – واحدٌ يُجمّد القتال، ويخلق هياكل تسمح للمدنيين النازحين في نهاية المطاف من العودة إلى ديارهم، ويوفّر فرصة للتفاوض على حلّ طويل المدى. وقد يتطلب السير إلى الأمام النظر إلى الوراء أي إلى الماضي. في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، وفي غرفة مزخرفة في قصر الإليزيه، إعترف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بالمعارضة السورية التي تشكّلت حديثاً ك”حكومة المستقبل المؤقتة في سوريا”. وخلال السنوات الأربع التي تلت إعترفت بلدان غير فرنسا، بما في ذلك الولايات المتحدة، بهذه الحكومة. لكن بسبب الإنقسامات، والتدخل الأجنبي، وصعود الجماعات الجهادية وخصوصاً “داعش”، فقد فشلت المعارضة في تقديم رؤية واضحة، ناهيك عن تهديد النظام.
حالياً يتمتع النظام، الذي يحظى بدعم روسي، بالمبادرة. إنه يحاصر ما تبقّى من حلب، والتي قد تستسلم جراء الضربات التي لا هوادة فيها من طريق الجو والمدفعية. بعد حلب قد يدفع الأسد بقواته لإستعادة السيطرة على المناطق التي فقدها على طريق دمشق – حلب. ومع ذلك، فإن قوات النظام قد أُرهِقت وإستُنزِفت أيضاً، وتحتاج إلى فترة راحة.
الواقع أنه ينبغي إستخدام هزيمة “داعش” الآتية لإطلاق مبادرة جديدة. وتستطيع الولايات المتحدة وعدد من حلفائها الكثر في سوريا، جنباً إلى جنب مع الحكومة المؤقتة المُعَزَّزة، دفع الجهود لإعادة الإعمار في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. علماً، وبإعتراف الجميع، بأن المدن الرئيسية والأراضي الأكثر ملاءمة للعيش هي في الأجزاء التي تسيطر عليها الحكومة في غرب سوريا. ومع ذلك، فإن المناطق التي تسيطر عليها المعارضة واسعة جداً، وتهيمن على مجرى نهر الفرات والمنطقة القريبة من سد الموصل؛ كما أن حدود هذا الإقليم هي مع تركيا والعراق والأردن التي توفر للقوى المناهضة للنظام الوصول إلى بقية العالم.
عندما يُهزَم “داعش”، يمكن للحكومة المُعارِضة المؤقتة أن تُعلن وقف إطلاق النار من جانب واحد مع النظام، وإنشاء عاصمة لها، وإخلاء حلب إذا كانت المدينة لم تسقط تماماً، والإعلان أنه منذ الآن ستركّز على إعادة بناء سوريا بمساعدة التحالف الدولي. وبدوره يمكن للتحالف بعدها أن يساعد على إنشاء الهيكل الإداري وتوفير ما يلزم لإعادة بناء وتوسيع المدن والقرى والبنية التحتية، في حين يقوم بتنظيم قوة مقاتلة جديدة من المتطوعين لتشكّل في نهاية المطاف قوة أمنية. في غضون ذلك، تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها بتحذير نظام الأسد وإجباره على إحترام وقف إطلاق النار وعدم مهاجمة هذه المنطقة. وإن عدم الإستجابة يعني المعاقبة بضربات إنتقامية، والتي يمكن أن تأتي بأي شكل من الأشكال.
في الحقيقة، هذه هي دعوة لأمر واقع، ولكن بشكل مؤقت، لتقسيم سوريا. والأمل هو أنه، فيما يتم توحيد المناطق المُحرّرة وإعادة بنائها وحمايتها، يبدأ بعض السوريين في الخارج العودة، الأمر الذي يؤدي إلى تخفيف الضغط عن البلدان التي إستضافت أعداداً كبيرة من اللاجئين. في بعض أجزاء من سوريا، هناك بنية تحتية فعلية وليدة في شكل مجالس محلية مُنَظِّمة للتعامل مع المشاكل من جمع القمامة إلى التعليم وحتى التنمية الإقتصادية. وتركيا، على وجه الخصوص، سوف تستفيد من جهود إعادة الإعمار نظراً إلى إمكاناتها الكبيرة في هذا المجال. ولن تكون أنقرة المستفيدة الوحيدة. دول أخرى، مثل كوريا الجنوبية واليابان، تمتلك قدرات كبيرة للبناء ورأس المال اللازم المصاحب. إن إغراق سوريا الحرة بالأجانب يشكل أيضاً ردعاً للنظام ومنعه من القيام بأعمال عدائية جديدة.
هذا التقسيم لسوريا، حتى وإن كان مؤقتاً، سوف يضيف الضغط على الأسد، خصوصاً أن عدد الدول التي ستعترف بالحكومة الجديدة سيرتفع. وسوف يؤدي هذا الوضع إلى مُحاوِرٍ أقوى أكثر قوة ضد نظام الأسد على طاولة المفاوضات.
هذه الخطة ليست بأي حال من دون مضاعفات. ماذا تفعل مع الجماعات الجهادية مثل جبهة “فتح الشام” (جبهة النصرة سابقاً)؟ كيف يمكن للمرء التوفيق بين الأتراك والأكراد في سوريا؟ وقد حصل الأخيرون ليس فقط على مقعد على الطاولة من طريق وجودهم على الخطوط الأمامية في المعركة ضد “داعش”، فقد باتوا يشكلون أيضاً قوة إستقرار في سوريا.
بعضهم سوف يعترض على هذا الإقتراح ويدّعي بأنه قد يمهّد الطريق إلى تقسيم دائم لسوريا. على عكس الإنقسامات التي حصلت في ألمانيا وكوريا، والتي كانت دوافعها إيديولوجية، فإن ما يُقسِّم السكان في سوريا هي القيادة. وإدارة مؤقتة مُعزَّزة التي تسيطر على المناطق وتحكمها ستكون أكثر جاذبية لسوريين آخرين، وتشكّل تحدياً أكثر أهمية للأسد. والبديل سيكون إستمرار المجازر والمزيد من اللاجئين.

• هنري ج باركي هو مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز وودرو ويلسون في واشنطن. والآراء التي أعرب عنها لا تمثل بالضرورة رأي المركز أو “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى