تونس في عين العاصفة

بقلم عبد اللطيف الفراتي*

لا يتمنى المرء اليوم أن يكون رئيس حكومة ولا وزيراً، ولا مسؤولاً في أي مجال في تونس، فالتحديات القائمة أكبر من أن يتصور المرء لها حلولاً، في بلد عصى على الإصلاح، وتدنى فيه الشعور بالمسؤولية وروح التضحية إلى الدرك الأسفل، مسؤولين ورعايا (نقول رعايا قصداً).
بدأ المنعرج منذ 14 كانون الثاني (يناير) 2011 عندما إتُّخذت قرارات في غاية الديماغوجية، ومن دون درس ولا تمحيص، وجاءت حكومة ثانية، فزادت الطين بلة بسياسة تنشيط الإقتصاد من طريق دفع الإستهلاك، الذي لا يمكن أن يكون رافعة للنمو من دون إنتاج ومن دون عمل.
ثم جاءت حكومة الترويكا ( الحقيقة حكومة حركة “النهضة”)؛ وبدل إتخاذ القرارات الواجبة لوضع البلاد على السكة المؤدية إلى حلول، فقد إرتهنت البلاد لسياسات نبّه وزير المالية وقتها إلى خطورتها، ورفض الإستجابة لها. وأمعنت الحكومات الموالية في إتباع سياسة النعامة، بدفن رأسها في التراب، من حكومة علي العريض إلى حكومة المهدي جمعة ثم حكومة الحبيب الصيد، حيث لم تصارح أيٌّ منها الشعب بحقيقة ما وصل إليه الأمر من تدهور يتهدد مستقبل البلاد.
ولعل المسؤولية الكبرى هي تلك التي يتحمّلها اليوم رئيس الجمهورية وحكومتاه الأولى والثانية برئاسة الحبيب الصيد، فضماناً لإشراك النهضة في الحكم رغم قدرة الإستغناء عن خدماتها، تم السكوت عن سوء التصرف والإفلاس الفاضح الذي كان مقدمة لما هي عليه البلاد من وضع اليوم. إن تونس تجرّ حالياً أخطاء حكومات لم تكن على قدر المسؤولية في سنوات 2011 و2012 و2013 و2014 و2015 والجانب الأكبر من 2016 والتي قادتها إلى كارثة، والتي نبّه لها الخبراء الصادقون بمن فيهم كاتب هذا المقال.
الحصيلة الراهنة أن حكم الخمس سنوات الماضية قاد البلاد إلى مأزق حاد، وإلى أزمة لا تكفي حتى موازنة دولة صغيرة من حجم تونس للخروج منها، فموازنة العام 2017، التي غطت حتى على موازنة تكميلية للعام 2016، قد تم السكوت عنها وسيتم تمـــــــريرها بهدوء (تحت حس مس)، قوامها، أي موازنة العام المقبل، 32 مليار دينار بعجز فادح، من جملة نفقاتها 5.8 مليارات كسداد للقروض غير المبررة والثقيلة للسنوات الخمس الأخيرة غالباً، والتي لم يكن لها أي دور في تنمية ثروة البلاد لتقدر على المواجهة، فضلاً عن دعمٍ غير مُبرَّر لسلع أساسية يستفيد منه الغني والفقير.
في هذه الظروف السيئة والمأزومة تُواجَه القرارات الحكومية، برفض يكاد يكون جماعياً من إتحاد الشغل ومن التنظيمات النقابية للمهن الحرة، حيث أن المركزية العمالية ترفض مطلقاً إرجاء زيادات الأجور للعام 2017 و2018 ( للواقع ينبغي إلغاء تلك الزيادات فما هي الحنفية التي ستوفر الدفق اللازم لدفع المتأخرات والجديد الذي سيحل في العام 2019؟)، والمركزية للأعراف ترفض أي زيادة “ظرفية” في الأداءات بنسبة 7.5 في المئة، أما المهن الحرة فإنها وللعجب (؟) ترفض الخضوع لسلم الضريبة على الدخل السارية على الأجراء والمؤسسات المنظمة والتي تدفع أداءاتها ، بينما التجارة الموازية والاحتكارية تخرج لسانها لدولة غير قادرة على كف أذاها، أو وقف مظاهر الفساد فيها أو في غيرها.
الواقع أن ما ينتظر البلاد هو أحد أمرين: إما أن تفرض الدولة قراراتها المدعومة من البرلمان، أو أن تدخل في مواجهة مع أطراف عدة في الوقت عينه.
في الحالة الأولى وهي مستبعدة ستتمكن الدولة من الموارد التي تُمكّنها من القيام بإلتزاماتها ومنها سداد ديونها السيادية ولا حديث عن ديون المؤسسات العمومية وخلاص مرتبات موظفيها ومزوديها والالتزام بسياسة الدعم الثقيلة، أما التنمية فسلام عليها.
وفي الحالة الثانية وإذا إحتدت الأزمة وتراجعت الحكومة، وتقلّصت الموارد، فإن كل شيء يصبح في خطر: سداد الديون وطلب إعادة الجدولة، وهو اسوأ شيء يمكن أن تضطر له حكومة، وتأخير صرف المرتبات ومستحقات المزودين، فينكمش الاقتصاد، وتضطر الدولة إلى تبني الحلول الأسوأ وخصوصاً تدوير آلات طبع الأوراق النقدية فتختل كل التوازنات، ويصبح الغلاء هو المحدد الأكبر للفترة، بحيث تدخل البلاد في دوامة لا مخرج منها.
من هو الواعي بما ينتظر البلاد؟ وهل ستتحدد المسؤوليات؟ مسؤوليات سنوات التراخي وترك الحبل على الغارب، مسؤوليات تشترك فيها حكومات متعاقبة لعل حكومة الترويكا هي المتورطة فيها أكثر من غيرها، لأن وزيراً منها نبه إلى الخطر، ولم يسمعه أحد.
هذا إذا لم تحصل اضطرابات لا يعرف أحد إلى أين ستقودنا.

• كاتب وإعلامي تونسي، كان سابقاً رئيساً لتحرير جريدة “الصباح” التونسية. fouratiab@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى