تونس تُطوِّر مناهج التعليم في مدارسها وجامعاتها لمعالجة بطالة الشباب المُرتَفِعة

بعد دراسة مطوّلة لوضع التعليم في تونس توصّلت الحكومة فيها إلى نتيجة مفادها أن ما يُدَرَّس في مدارسها وجامعاتها غريب ولا علاقة له بدنيا العمل والأعمال اليوم، الأمر الذي تسبّب بإرتفاع كبير في عدد الشباب العاطلين من العمل الذين يتخرجون من الجامعات، لذا عكفت أخيراً على تطوير النظام التعليمي بوضع خطة طموحة تدريجية مبنية على أساسين: الجودة التعليمية وتحسين البنى التحتية للمدارس والجامعات.

البنى التحتية للمدارس والجامعات في تونس شملها الكتاب الأبيض
البنى التحتية للمدارس والجامعات في تونس شملها الكتاب الأبيض

تونس – عبير حميدي

بدأت السلطات الحكومية في تونس خطة لتحسين النظام التعليمي على أراضيها مع سلسلة من الإصلاحات التي تستهدف الجودة التعليمية والبنية التحتية للمدارس، بعدما عرف هذا النظام تدنياً على كل المستويات.
سوف تشمل خطة الاصلاح، التي تدوم من 2016 حتى 2020 كل شيء: من مؤسسات تدريبية جديدة إلى إشراك القطاع الخاص، حيث من المتوقع أن تبلغ تكاليفها الإجمالية 4.1 مليارات دينار تونسي (1.7 مليار دولار)، وفقاً لتقارير وسائل الإعلام المحلية.

تطوير النظام

وتأتي جولة هذه الإصلاحات نتيجة لما وصلت إليه عملية التشاور الوطنية، التي شملت الوزارات ومنظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية. في أيار (مايو) الفائت نشرت وزارة التربية “الكتاب الأبيض حول إصلاح التعليم” حيث حدّدت أولويات السياسة لمعالجة أوجه القصور في البلاد بالنسبة إلى تدريب المعلمين والمناهج الدراسية والبنية التحتية.
أحد أبرز أهداف الكتاب الأبيض هو زيادة التدريب المهني للمُعلّمين، بما في ذلك إعادة فتح كليات تدريب وتأهيل المعلمين التي تم إغلاقها منذ تسعينات القرن الفائت. وعُهِد إلى مرافق التدريب إستيعاب 6000 معلم على الأقل سنوياً، حيث ستكون مدعومة بعدد من المبادرات الأخرى. وعلى سبيل المثال، فقد وقّعت وزارة التربية أخيراً إتفاقية مع رابطة الجامعات الفرنكوفونية لفتح معهد وطني للتعلم الإلكتروني لتعريف المُعلّمين على أدوات التعليم عن بعد وتكنولوجيا المعلومات والإتصالات.
من جهته أخرى فإن التقويم المدرسي أيضاً سيشمله إصلاح شامل، مع إعلان وزير التربية ناجي جلول في آب (أغسطس) أن البرنامج الزمني الدراسي سيتم إعادة تنظيمه من فصل يدوم ثلاثة أشهر إلى نظام يستغرق ستة أشهر، وزيادة عدد أيام التدريس من 130 إلى 193 يوماً، وفقاً لتقارير صحافية محلية. وتنفذ الحكومة أيضاً سنة تحضيرية قبل السنة الأولى من التعليم الابتدائي.
البنية التحتية هي عنصر رئيسي آخر من الكتاب الأبيض، وقد أعلنت الحكومة أخيراً عن خطط لتحسين البنى التحتية للصحة والصرف الصحي في 34 مدرسة، وذلك بالتعاون مع منظمة “اليونيسيف”. وقالت ليلا بيترز، ممثلة اليونيسيف في تونس، لوسائل الإعلام أن عدم وجود البنية التحتية هو أحد الأسباب التي تسهم في مستوى التسرب من المدارس، وخصوصاً بين الفتيات، مع إشارة إحصائيات وزارة التربية إلى أن ما يصل إلى 100,000 طالب في السنة يتوقفون عن متابعة دراستهم قبل الأوان.
للعام الثاني على التوالي، نظمت وزارة التربية أيضاً “شهر المدرسة”، داعيةً خلاله الى التمويل من القطاع الخاص أو إلى الدعم العيني، مثل مواد البناء والأثاث أو أجهزة الكومبيوتر، للمساعدة على تجديد المؤسسات التعليمية المتهالكة.

التعليم من أجل التوظيف

ينبغي على هذه الإصلاحات الواسعة النطاق أن تساعد، على حد سواء، على تحسين عدد المُلتحقين بالمدارس والجامعات وحملة شهادة الثانوية العامة، ولكن الحكومة تأمل أيضاً في تحسين فرص العمل بعد التخرّج، خصوصاً بين خريجي الجامعات. في العام الفائت وصلت معدلات البطالة بين خريجي الجامعات 31.2٪ – ضعف المعدل الوطني.
ووفقاً لعميدة كلية البحر الأبيض المتوسط لإدارة الأعمال في جامعة جنوب البحر الأبيض المتوسط، ليلى تريكي، فإن أحد العوامل الرئيسية وراء هذا المعدل المرتفع هو الإنفصام بين المناهج الدراسية التي تُدَرَّس ومتطلبات العمل، في جزء لعدم وجود خبرة في القطاع الخاص بين صناع القرار في الجامعات.
“إن إنشاء المجلس التابع لوزارة التربية والتعليم الذي يُشرف على تعديل وخلق شهادات جامعية جديدة يشكّل إشكالية”، قالت. مضيفةً: “هناك مبادرة واحدة من شأنها أن تعالج أوجه القصور التعليمية في البلاد تكمن في دمج عدد أكبر من ممثلي القطاع الخاص في عملية تطوير برامج الشهادة الجامعية”.
للمساعدة على معالجة هذا الإنفصال أو الإنفصام، فقد أطلقت وزارة التربية مبادرة “المؤسسة الصديقة” للأعمال. ويهدف البرنامج إلى المساعدة على سد فجوة المهارات من خلال تقديم التدريب وأشكال أخرى من دعم القطاع الخاص للمدارس والطلاب، مع تعهد أكثر من 120 شركة بالمشاركة في هذا البرنامج. وتعمل الحكومة أيضاً جنباً إلى جنب مع البنك الدولي، الذي تعهّد في شباط (فبراير) الفائت بإستثمار 70 مليون دولار في مشروع التعليم العالي للتوظيف، والذي يتطلع للمساعدة على تسهيل تطوير التدريب برعاية أصحاب العمل والتوجيه المهني.
ويجري أيضاً توسيع المبادرات الخاصة في كل قطاع، مع إشتراك الجمعية التونسية لتكنولوجيا الإتصال والتكنولوجيا في العمل على برنامج المواهب الرقمية، وهي مبادرة مشتركة مع مؤسسة التمويل الدولية. ويهدف البرنامج إلى تطوير مرصد قدرات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لمراقبة معايير التوظيف وأكاديمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لضمان التدريب الكافي. ووفقاً لزياد العذاري الوزير السابق للتكوين المهني والتشغيل، فإن قطاع تكنولوجيا المعلومات لديه القدرة على توفير ما يصل إلى 10,000 وظيفة للخريجين الجدد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى