كيف يعيش المُتحَوِّلون جنسياً في لبنان؟

إذا كان مجتمع مثلي الجنس والتحوّل الجنسي صار مقبولاً بشكل عام في المجتمعات الغربية، فإنه ليس كذلك في الدول العربية وخصوصاً في لبنان الذي يمنع دستوره في إحدى مواده المعاشرة الجنسية غير الطبيعية. التقرير التالي يروي قصة المتحوّلين جنسياً في لبنان مدعوماً بفيديو من برنامج “هي مش فوضى” الذي يقدمه تلفزيون “TV TEN” الذي هو الآخر يحكي القصة عينها عبر لقاءات مع بعض المتحوّلين جنسياً في بلد الأرز.

بيروت – رئيف عمرو

وُلِدت “آيفي” صبياً، لكنها حلمت دائماً بأن تشبّ وتصبح “إمرأة جميلة”. تماماً مثل اليرقات التي تتحول إلى فراشات، لم يرَ عقلها الصبياني لماذا سيكون تحقيق حلمها أمراً مستحيلاً.
أسرتها المحافظة لم تُقدّر ولوعها بالمجوهرات والأحذية و”الجزادين” (الحقائب النسائية). في كل مرة كانت تنفق مال جيبها على بعض أدوات الزينة النسائية، كان والدها – أو “الديكتاتور” – كما تشير إليه – يلعنها وينفجر غضباً.
“لم يسمح لي أن أكون من أنا حقاً، لذلك قضيت طفولتي أتظاهر بأن أكون شيئاً آخر”، كما تقول. فقط عندما تطلّق والداها وتم إرسالها للعيش مع جدتها صارت “آيفي” قادرة إلى حد ما على التحرر بعض الشيء.
على الرغم من ذلك فقد حدث إختراق حقيقي عندما دخلت الجامعة. “أصبحتُ صديقة مع مجموعة من مثلي الجنس حيث كنا نجتمع ونخرج معاً”، كما تتذكر. “لقد عاملوني كإمرأة وللمرة الأولى تمكّنت أن أكون من أنا حقاً، حيث إستطعت أن أُظهِر ألواني الحقيقية”، أضافت
اليوم، تتجنب “آيفي” عيون الناس عندما تمر في أحد شوارع الأحياء الإسلامية في بيروت حيث تعيش. إن ملامحها الذكورية، المخبّأة تحت طبقات من الماكياج والملابس النسائية، تجذب أحياناً الإهتمام غير المرغوب فيه. لم يساعدها مظهرها كثيراً عندما كانت تحاول العثور على وظيفة في مجال الأعمال التجارية الذي تخصصت فيه. “توقفت عن المحاولة قبل عامين، لا أحد يأخذني على محمل الجد”، كما تقول.
وفي الليل، وسط حشود ملهى ليلي لمثلي الجنس في بيروت، تجد العزاء للحظات.
ولكن حتى هناك، لا تشعر بأنها موضع ترحيب في مجتمع مثلي الجنس، الذي يتألف عادة من أشخاص يفضلون أن يكونوا سريين ويتفقون مع المعايير الاجتماعية – على الأقل خلال النهار.
في حين أنها تخفي وجهها خلف شعر طويل، فإن الواقع ما زال يدركها ويمثل أمامها في كل مرة تتطلع إلى نفسها في المرآة. “لا يمكنني أن أقبل بجسمي كذكر ولا أريد أن أشعر بأني ضعت إلى الأبد”، كما تقول، “أريد أن أكون إمرأة كاملة”.

المال يشتري (تقريباً) أي شيء في لبنان

إن جراحة تغيير الجنس مُتاحة في لبنان لأولئك الذين يستطيعون دفع تكاليفها – عادة في حدود ال20 ألف دولار. مثل كثيرين آخرين، لا تملك “آيفي” المال الكافي لدفع كلفة الجراحة وتفتقر إلى شبكة الدعم التي تحتاجها لإجتياز فترة النقاهة الصعبة.
أولئك الذين هم قادرون على إكمال هذه العملية المضنية يستطيعون تنفيذ الإجراءات القانونية لتغيير الجنس على وثائقهم. في منتصف كانون الثاني ( يناير) من هذا العام، منحت القاضية جانيت حنا من محكمة الإستئناف في بيروت رجلاً حق تغيير جنسه ومن ثم المضي قدماً في جراحة تغيير الجنس.
وكانت أحكام صادرة عن محاكم أخرى أكثر صرامة، حيث طلبت إثباتاً على أن التحوّل الجنسي كامل ولا رجعة فيه. ومع ذلك، فإن الحصول على حكم إيجابي في لبنان غالباً ما يكون مسألة حظ ومال، بدلاً من القانون.
“في لبنان، الأحكام القضائية لا تشكّل سابقة” يقول بيرتو ماكسو، المدير التنفيذي لمنظمة حقوق المثليين “لبنان الفخور” (Proud Lebanon). “كل شيء يتوقف على حظك مع القاضي أو حجم الاموال الذي يمكن أن تنفقه لتقديم الإستئناف”، مضيفاً.
وبمجرد أن تبدأ العملية الإنتقالية ولا تعود الملامح المتغيّرة تتطابق مع الصورة على الوثائق، فإن بعض الناس غالباً ما يقع في مشكلة حيث يصبح السفر أو العبور عبر العديد من نقاط التفتيش في لبنان مهمة خطيرة.
“عندما يشك أفراد الجيش بشخص أنه مثلي الجنس، فإنهم يفتشون هاتفه للبحث عن صور أو تاريخ التطبيقات”، يقول ماكسو. “ولما يتم نقله إلى مركز الشرطة فإنه غالباً ما يتعرّض للتخويف ويضطر الى الإعتراف بهويته الجنسية”، شارحاً.
المادة 534 من الدستور اللبناني تحظّر إقامة علاقات جنسية “تناقض قوانين الطبيعة”. وكما أوضحت حسنا عبد الرضا، وهي محامية في المركز اللبناني لحقوق الإنسان، أنه لا ينبغي أن يُعتقَل أي شخص إلا في حالة التلبّس، ولكن هذه القاعدة لا تُحترَم. “إن الإعتراف كاف لتوجيه الاتهام لشخص بموجب المادة 534، وهذا الأمر غالباً ما يستخدمه إبتزازاً رجال الشرطة الذين يطرحون أسئلة شخصية عدوانية ليس لديهم الحق في طرحها”، تقول رضا.
جنباً إلى جنب مع منظمة “براود لبنان”، فهي تعمل على رفع الوعي في أوساط مجتمع المثليين حول حقوقهم. “أولئك الذين يعرفون حقوقهم والشيء الصحيح يُفرَج عنهم في غضون ساعات، والبعض الآخر يبقى لأيام أو أسابيع في الإعتقال التعسفي”، تقول رضا. إن الإفراج عنهم يعتمد أيضاً على قدرتهم على دفع غرامة – تتراوح بين حوالي 125 دولاراً و250 دولاراً – والتي من الصعب على اللاجئين السوريين بشكل خاص دفعها.
وتتذكر “آيفي” هذه التجربة بمشاعر مختلطة من الفخر والعار. “حاولوا حلق شعري كوسيلة لحرماني من هويتي الأنثوية، ولكن قلت لهم أنهم إذا وضعوا إصبعاً عليّ فسوف أرفع دعوى ضدهم في المحاكم”، تقول ممتعضة. “وقبل مغادرتي، أعطاني واحداً منهم رقم هاتفه. يا للسخرية، اه؟”، تضيف.

لبنان مثل الجبن السويسري

في حين أن المجتمع اللبناني لا يزال يكافح لخلق مجتمع عادل ومتساوٍ – سواء كان ذلك للمثليين جنسياً والنساء والعمال الأجانب أو الجماعات الدينية المختلفة – فهو أفضل حالاً من كثير من جيرانه.
“لبنان ليس كتلة موحدة”، يقول بيرتو ماكسو، “هو أكثر مثل الجبن السويسري، حيث هناك مناطق أكثر إنفتاحاً وأخرى غيرها أكثر تحفّظاً”.
لكن الحكومة اللبنانية أثبتت بأنها متقدمة التفكير نسبياً بالفعل في العام 1997، عندما غطّت التكلفة الكاملة لأول جراحة تغيير للجنس. الآن صارت المستفيدة منها، الراقصة أنطونيلا، من المشاهير المشهود لهم دولياً. جنباً إلى جنب مع عروض الرقص الشرقي، فإن حفلات إنتخاب الملكات – أقل شيوعاً في الوقت الحاضر – كانت منذ فترة طويلة عادة في منطقة وسط المدينة.
إن حانات ومراقص مثلي الجنس مسموحة وتتساهل معها السلطات، على الرغم من أن موقعها يُحافَظ عليه سرياً داخل مجتمع المثليين لحماية هوية ضيوفها. عندما يصبح المكان “مُنكشفاً” – يعني يصبح الموقع معروفاً لعامة الناس – يتم إغلاقه فوراً ويُفتح غيره في مكان آخر في المدينة.
ساشا إيليا، عارضة لبنانية من المتحوّلين جنسياً، تقول أنه بالنسبة إليها كان من السهل نسبياً أن تُقبَل في صناعة عرض الأزياء في بيروت. “كنت مع صديق يعمل في التلفزيون وقال لي بأنني يجب أن أكون عارضة”، كما تتذكر. “قلت له ان ذلك من المستحيل لأني من المتحوّلين جنسياً، لكنه أصر علي لإرتداء ثوب زفاف … هل لك أن تتخيل ذلك؟”، قالت ضاحكة.
وتعترف، مع ذلك، بأن حياتها أسهل من غيرها لأن تحوّلها كان طبيعياً بدلاً من الخضوع لعمليات جراحية. “لقد وُلِدتُ صبياً ولكن بعدها نبت لي ثديان عندما صرت في سن المراهقة،”، تقول. “أساتذتي لم يعرفوا ما سبب ذلك. إعتدت أن أكون ولداً ثم بعدها أصبحت فتاة. كان والديّ قلقين إزاء ما سيقوله الجيران وإنتهى الأمر بالانتقال إلى مدينة أخرى”، تتابع.
لقد سمح لها إضطراب “كروموسوماتها” أن تنمو لتصل إلى تطابق مع الجنس الذي شعرت أنها وُلدت له، ولكن هذا لم يأتِ خالياً من التحديات. كانت ضحية بلطجة سيبرانية من قبل أفراد مجتمع المثليين الذين – يسيي غيرتهم من أنوثتها، كما تشرح – وضعوا شاربين على صورها في “إنستغرام”.

إرتفاع معدل الإنتحار

إختار بعض مثلي الجنس من الرجال تناول حبوب منع الحمل لمساعدتهم على إكتساب ميزات الأنثى من خلال تناول الهرمونات، على الرغم من حقيقة أن ذلك يحرّك الإكتئاب الحاد كما يفيد الأطباء. ومع ذلك، فإن الأفراد المتحوّلين إلى إناث هم الذين يواجهون أعلى خطر للإنتحار، كما أبرزت دراسة نُشرت في المجلة الدولية “ترانس جنديريسم” (Transgenderism) في نيسان (أبريل) 2016.
وفقا لساشا إيليا، فإن المشكلة الكامنة وراء هذا السلوك المدمّر هو الشعور بالرفض. “الناس المتحوّلون جنسياً يواجهون وصمة الدعارة”، كما تقول، مضيفةً أنها عادة ما تُسأل كم تريد مقابل الجماع مرة واحدة عندما تكشف عن حياتها الجنسية. “ليس خطأي إذا وضع بعضهم شعراً مستعاراً وإدّعى بأنه إمرأة للحصول على المزيد من العملاء. إنهم هم الذين يعانون من المرض، وليس أنا”‘، على حد قولها.
أولئك الذين يلجأون إلى “لبنان الفخور” (Proud Lebanon) للمساعدة لأنهم لا يملكون المال – الناجم عن وصمة العار وإنعدام فرص العمل – يتحوّلون الى الدعارة لكسب عيشهم.
في ظهورها على التلفزيون، تحاول ساشا إستخدام وضعها المقبول نسبياً لتوعية الرأي العام في ما يتعلق بالتحديات التي يواجهها المتحوّلون جنسياً، لكنها ترفض أن تُصوَّر على أنها ضحية. “صحيح أننا نعاني، ولكني لا أريد أن تكون قصتنا واحدة حزينة”، كما تقول. “إنها قصة مليئة بالشجاعة والعزم والتصميم”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى