محمد السادس والخيار الذي يواجهه الإسلام

في الذكرى الـ63 لذكرى “ثورة الملك والشعب” في المغرب، ألقى العاهل المغربي محمد السادس خطاباً مهماً، لكنه لم يلقَ الإهتمام الكافي خارج بلاده. أستاذ العلوم السياسية في جامعة ريجنت بول بونيسيلي لفته هذا الخطاب فكتب معلقاً عبر المقال التالي:

بقلم بول بونيسيلي*

لقد فعل العاهل المغربي، الملك محمد السادس، لمواطنيه، وشركائه في الدين، والعالم خيراً وإستحق فضلاً في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى ال63 ل”ثورة الملك والشعب”. خلال ما يُعتبَر عادةً حدثاً سنوياً حيث من غير المرجح أن يشدّ الكثير من الإهتمام خارج المملكة أو المنطقة، فقد خاطر الملك عندما أطلق عبارات لا لبس فيها عن أفكاره وما يعتقده بالنسبة إلى الجهاديين الذين يستخدمون الإسلام كذريعة للقتل والإرهاب. ومن العار أن هذا الخطاب لم يلقَ الإهتمام المطلوب في وسائل الإعلام الغربية.
إفتتح الملك ملاحظاته بما قد يتوقّع المرء من حاكم مستعمرة أوروبية سابقة لا تزال تكافح من أجل تطوير ذاتها. وتحدّث طويلاً عن أهمية أفريقيا وقلق بلاده على دول الجوار، ووَضَع اللوم بالنسبة إلى مشاكل أفريقيا على “السياسة الكارثية التي إعتمدها الإستعمار طيلة عقود من الزمن”.
ولكن حكّام الإستعمار قد ولّوا منذ عقود وتبعهم وحلّ مكانهم حكام أصليون غير مهتمين أيضاً في تنمية البلاد وتطوير شعوبهم، حيث حكموا عادة كطغاة وفي كثير من الأحيان كفاسدين ومنتهكين لحقوق الإنسان. إن الملك المغربي لا يقر بهذه الحقيقة، ولكن لأنه هو نفسه مُصلِحٌ ومُطوِّر حيث أنجز في تنمية بلاده أكثر من معظم حكام المنطقة، فإن محمد السادس يملك فسحة قليلة وعذراً لوضع معظم اللوم عن التخلف في المنطقة على أوروبا.
أكثر ما يلفت النظر في الخطاب هو إهتمام الملك بالصراعات التي تجتاح الشرق الأوسط وتدفق اللاجئين الذي تسبب بالإضطراب في أوروبا، وهي مشاكل يجري إستغلالها، كما يقول، من قبل الجهاديين المتطرفين الذين يستخدمون الإسلام لتبرير أفعالهم. وأمضى ما يقرب من ثلث خطابه في توبيخ وإدانة الجهاديين، ومحذِّراً المسلمين في جميع أنحاء العالم أن طريق الإرهابيين يؤدي مباشرة إلى الجحيم – وهذه نقطة كرّرها مراراً في خطابه.
لقد تحدث تحديداً إلى المسلمين (وخصوصاً المغاربة) الذين يعيشون في أوروبا وشجّعهم على التمسك بقيمة التعايش السلمي، وتجنّب إيديولوجية وفكر وجرائم أولئك الذين يدمّرون السلام ويضرّون بصورة الإسلام كدين يمكن للمرء أن يلتزم به وفي الوقت عينه يعيش في سلام مع الناس الذين يتبعون ديانات أخرى. وقال: ” إن الإرهابيين والمتشدّدين يستعملون كل الوسائل لإقناع الشباب بالإنضمام إليهم، ولضرب المجتمعات المتشبّعة بقيم الحرية والإنفتاح والتسامح”.
وهاجم الملك الإرهابيين لخداعهم الشباب المُسلم في أوروبا، وللإستفادة من جهلهم للغة العربية حيث قال: “يستغلون بعض الشباب المُسلم، خاصة في أوروبا، وجهلهم باللغة العربية وبالإسلام الصحيح لتمرير رسائلهم الخاطئة ووعودهم الضالة”. وينتقد بشدة القتلة لتشكيلهم الأوهام حول العذارى في الجنة التي تنتظر الإرهابيين، ولقتل الناس لإستماعهم إلى موسيقى شعبية متسائلاً: “فهل يقبل العقل السليم أن يكون جزاء الجهاد هو الحصول على عدد من الحور العين؟ وهل يقبل المنطق بأن من يستمع إلى الموسيقى ستبلعه الأرض، وغيرها من الأكاذيب؟”.
وإستهدف بشكل مُعيَّن قتل الأبرياء وأتباع الديانات الأخرى. وفي اشارة الى إغتيال تنظيم “الدولة الإسلامية” كاهن فرنسي في رعية ريفية، قال: “نؤمن بأن قتل راهب حرامٌ شرعاً. وقتله داخل كنيسة حماقة لا تُغتفر، لأنه إنسان، ولأنه رجل دين، وإن لم يكن مسلماً. والإسلام أوصانا خيراً بأهل الكتاب”. وفي إدانة الهجوم الذي وقع في روان، فرنسا، قال أن الذين يفعلون هذه الأشياء أو يُقدّمون الدعم لهم ليسوا مسلمين وليس لديهم الحق في إستخدام الإسلام لتبرير الإرهاب. ثم دعا جميع المسيحيين واليهود والمسلمين إلى “الوقوف في صف واحد من أجل مواجهة كل أشكال التطرف والكراهية والانغلاق”. وأشار إلى ” أن الحضارة الإنسانية حافلة بالنماذج الناجحة التي تؤكد بأن التفاعل والتعايش بين الديانات يعطي مجتمعات حضارية منفتحة تسودها المحبة والوئام والرخاء والازدهار”.
أنا لست خبيراً في شؤون الإسلام؛ وبالتالي لا يمكنني أن أقدّم أي نقد للنص أو محاولة الحكم على الدقّة التفسيرية لتصريحات العاهل المغربي. ولكن يمكنني بصفة مراقب، الذي يرغب في رؤية الفهم السلمي للإسلام أن يكون هو السائد للإسلام بين أتباعه، أُحيّي كلام الملك.
أخيراً، وربما الأهم لحاكم دولة مُسلمة، هو أن العاهل المغربي يجادل بأن الآن هو الوقت المناسب للإختيار بين ما يعتبره الإسلام الصحيح والنسخة الكاذبة التي وضعها أولئك الذين يهاجمون العُزّل والأبرياء. مبيِّناً نَسَبَه الذي يعود إلى نسل النبي محمد مقابل رجال يدَّعون ببساطة الخلافة والقيادة؛ ويقول الملك محمد السادس للذين يتفقون معه بأنه ينبغي أن يفهموا بأنهم سيكونون أهدافاً تماماً كما هو.
ويدعو الملك المسلمين لإتخاذ خيار كالذي إتخذه هو. إنه أمرٌ عالي الأهمية بأن يُقدِم شخص له مكانته وتأثيره على فعل ذلك. لقد حان الوقت أيضا للقادة الغربيين لتحيِّته بصوت عال وتشجيعه، وتشجيع القادة المسلمين الآخرين على التحدث كما فعل الملك المغربي. هناك مسيحيون ويهود كثر هم أكثر من مستعدين للإستجابة لدعوة ملك مسلم للوحدة ضد الإرهابيين، ومعظمهم قد تشجّع بكلام الزعيم الإسلامي الذي لم يقل فقط أن الإسلام يمكن أن يعيش في سلام مع الأديان الأخرى، بل أنه أيضاً طالب بجرأة شركاءه في الدين أن يقفوا أيضاً صفاً واحداً ضد االفكر الإرهابي.

• بول بونيسيلي أستاذ للدراسات الحكومية في جامعة ريجنت، وشغل منصب المدير المساعد في قسم أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى