الإنتخابات الأردنية: التصويت على برلمان ضعيف

على الرغم من أن الإنتخابات البرلمانية في الأردن التي جرت في أواخر الشهر الفائت بشكل هادئ ولم يعكر جوها حوادث أمنية تُذكر، فإن نتائجها لم تغيّر كثيراً في وضع مجلس النواب الضعيف.

الملك عبد الله الثاني: زادت سلطاته
الملك عبد الله الثاني: زادت سلطاته

عمّان – هدى الشامي

وصف المتحدث بإسم الحكومة الأردنية محمد المومني الإنتخابات البرلمانية التي جرت في المملكة في 20 أيلول (سبتمبر) الفائت كمصدر لل”الفخر”، وأكد على أن البلاد الآن “تدشّن عهداً جديداً. وفي حين أن مساحة أصوات المعارضة في البرلمان زادت بشكل طفيف، فإن الإنتخابات الأردنية للعام 2016 حافظت إلى حد كبير على الوضع القائم في البلاد ومعه الإنقسام القبلي – الفلسطيني.
أشار أنصار الحكومة بشكل صحيح إلى أن الإنتخابات الأردنية نفسها بعثت رسالة مهمة. مع إنتشار العنف في العراق وسوريا ومصر المجاورة، فإن عمّان تفتخر بأنها تحل الخلافات لديها سلمياً عبر صناديق الإقتراع. (ولكن إغتيال الكاتب الأردني ناهض حتر في 25 أيلول (سبتمبر) بعدما نشر رسماً كاريكاتورياً ساخراً مثيراً للجدل على صفحته الفيسبوكية عقّد هذه الرسالة).
ومع ذلك، فقد أجرت الهيئة المستقلة للإنتخابات الأردنية وأدارت العملية بشكل مهني. خلافاً لإنتخابات 2007 عندما إعترف رئيس المخابرات الأردنية في وقت لاحق بتزوير النتائج، فقد أشاد مراقبون من الإتحاد الأوروبي بالعملية الإنتخابية التي جرت هذا العام وقالوا بأنها كانت “جيدة التنظيم وسلمية وشاملة”. وبعد إنهاء قطيعة دامت عشر سنين تقريباً، فإن القائمة الإنتخابية للحزب التابع لجماعة “الإخوان المسلمين”، حزب جبهة العمل الإسلامي، فاز ب 15 مقعداً في الإنتخابات التي جرت في أواخر الشهر الفائت.
على الجانب الآخر من الطيف السياسي، فإن قائمة ليبرالية جديدة، قائمة الدولة المدنية “معاً”، التي تدعو إلى فصل الدين عن الدولة – وهو موضوع مثير للجدل في الأردن المُحافِظ – دخلت البرلمان. وهذه القائمة سوف تقود مناقشة أكثر عصفاً بشأن سياسات الحكومة، خصوصاً بالنسبة إلى دور الإسلام، كما أشار نسيم الطراونة، صاحب المدونة الشعبية الإلكترونية (Black Iris) التي تهتم بالسياسة الأردنية. وعلاوة على ذلك، فإن العشرين إمرأة اللواتي سيدخلن مجلس النواب هو أعلى رقم في تاريخ الأردن، ويتطابق مع عدد ال20 امرأة اللواتي يخدمن حالياً في مجلس الشيوخ الأميركي.
لكن، مع كل هذه التطورات البناءة، فقد أظهرت الإنتخابات أيضاً أن الوضع الراهن من المرجح أن يبقى كما هو. نعم، لقد دخل حزب جبهة العمل الإسلامي البرلمان، ولكن مع 11.5 في المئة من مقاعد مجلس النواب، فإنه سيظل أقلية صغيرة غير قادر على تمرير سياساته. كما حصلت قائمة “معاً”، وهي مجموعة شعبية تضم خصوصاً ليبراليين من غرب عمّان، على مقعدين فقط. والغالبية العظمى من النواب ستكون من الموالين للنظام والقبائل التابعة أو المتفرّعة، ضامنة بأن تحافظ المملكة على هدوء نسبي بالنسبة إلى الجناح التشريعي.
وكان الملك عبد الله قد عَيَّن هاني الملقي رئيساً للحكومة قبل الإنتخابات. والآن بعد إنتخابات الشهر الماضي فقد أعاد العاهل الأردني إختيار الملقي مرة أخرى لتشكيل الحكومة الجديدة. وعلى الرغم من ترداد المسؤولين وترويجهم لأهمية إجراءإانتخابات أيلول (سبتمبر) الفائت، فإن الملك، وليس الشعب، هو الذي إختار رئيس الوزراء — آخر علامة على حفاظ الأردن على البيئة السياسية الحالية.
وثمة تطور آخر مقلق يكمن في أن 37 في المئة فقط من الناخبين المؤهلين أدلوا بأصواتهم. لا يزال عدم الثقة في البرلمان عالياً مع إظهار إستطلاع حديث للرأي بأن 87٪ من الأردنيين لم يتمكّنوا من الإشارة إلى إنجاز إيجابي واحد خلال الدورة البرلمانية 2013-2016. ويُعتبر المجلس التشريعي هيئة ضعيفة في مواجهة الديوان الملكي الأكثر نفوذاً ومديرية المخابرات العامة الأكثر طغياناً.
ويفيد المتابعون بأن تلاعب الحكومة الأردنية، الذي يضمن التمثيل غير المتكافئ، يُسهم أيضاً في عزوف الناخبين عن المشاركة. إن العديد من المحافظات التي تضم أعلى كثافة وتركيز من القبائل والسكان الموالين للنظام تحصل على ما يقرب من ضعف عدد الممثلين بالمقارنة مع عدد السكان الفعلي. على سبيل المثال، إن محافظة الكرك القبلية حصلت على 11 مقعداً (8.5 في المئة من السلطة التشريعية)، على الرغم من أن عدد سكانها يبلغ فقط 4 في المئة من عدد السكان العام. ولأن سكان الضفة الشرقية خدموا بغالبية ساحقة في قوات أمن البلاد، ولديهم مصلحة في دعم النظام الملكي، فإن عمّان تضمن بأن تستمر المجموعات القبلية في الإحتفاظ بنفوذ ضخم على الرغم من أنها تشكّل أقلية.
في المقابل، فإن المدن الرئيسية في البلاد، والتي تحتوي على أكبر عدد من الأردنيين من أصول فلسطينية، وكذلك أنصار “الإخوان المسلمين”، تمثلت تمثيلاً غير متكافئ وناقصاً إلى حد كبير. وفي تناقض مباشر مع المناطق القبلية، فقد تم تخفيض الأصوات في المراكز الحضرية إلى ما يقرب من نصف حجمها بالنسبة إلى عدد السكان الفعلي. وتضم الدائرة الثانية في العاصمة عمّان 9.7 في المئة من عدد السكان العام، ولكنها مُنِحت 5.2% فقط من المقاعد. وتقدّر صحيفة “نيويورك تايمز” أن 60 في المئة من الأردنيين هم من أصل فلسطيني. ويشير النقاد إلى سنوات عديدة من الحرمان السياسي كدليل على نوايا الحكومة للحفاظ على سيطرة أكثر ثباتاً.
وبسبب التمثيل التشريعي غير المتناسب، فإن مشاركة الناخبين إختلفت إختلافاً كبيراً تبعاً للجغرافيا في البلاد. في عمّان، التي تحتوي على نسبة عالية من الأردنيين من أصول فلسطينية، فقد إقترعت نسبة 23 في المئة فقط من المواطنين. من ناحية أخرى، كان الإقبال مرتفعاً بشكل كبير في المحافظات الريفية في الضفة الشرقية حيث وصل إلى ما بين 60 و84٪ في معظم المناطق — حوالي ثلاثة أضعاف النتائج في العاصمة. الواقع أن كثيرين من الأردنيين من أصل فلسطيني قد انسحبوا من العملية السياسية، في حين أن الشرق أردنيين صوّتوا بشكل جماعي نظراً إلى نظام المحسوبية القبلية منذ عقود طويلة، كما أوضح عريب الرنتاوي، مدير مركز القدس للدراسات السياسية في عمّان.
على الرغم من كونها حركة المعارضة الأكثر تنظيماً، فإن تلاعب الحكومة أيضاً أضرّ، وما زال، بجماعة “الإخوان المسلمين”. لقد شنت الحكومة حملة شرسة ضد الحركة الاسلامية وأغلقت مكاتبها في جميع أنحاء البلاد في نيسان (إبريل) الفائت. ووصف الملك عبد الله الإخوان بأنهم “مجموعة ماسونية … تديرها ذئاب في ثياب حمل”. ووفقاً ل” Middle East Eye”، في حين فاز الإخوان بنسبة 11.5 في المئة فقط من مقاعد مجلس النواب، فإن المجموعة قد تلقت في الواقع ما يقرب من 25 في المئة من مجموع المقترعين. وإذا ما أمعنا النظر في أوراق الإقتراع فإنها تكشف بأن الإخوان قد أدوا أداءً جيداً خصوصاً في عمّان والزرقاء، لكنهم عانوا في البلدات الريفية.
مباشرة قبل إنتهاء الدورة البرلمانية 2013-2016، وافق مجلس النواب على عجل على تعديلات دستورية التي منحت الملك عبد الله القوي جداً سلطة أكثر للسيطرة على قوات الأمن في البلاد (بغالبية 123 من أصل 142 نائباً كانوا حاضرين). في أيار (مايو)، قال النائب في حينه الدكتور مصطفى حمارنة أن التعديلات “شوّهت الدستور (و) ضرّرت الفروع الثلاثة للدولة”.
في إنتخابات 2016، واصلت الحكومة تلاعبها وعدم شفافيتها، ضامنة تمثيل عال بشكل مُصطَنع من الموالين القبائل في الوقت الذي حدّت من وجود جماعة “الإخوان المسلمين”. وبالتالي، من المرجح أن تشهد المملكة الأردنية الهاشمية المزيد من الشيء نفسه مع برلمان ضعيف، وملكية قوية أكثر من أي وقت مضى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى