إصلاحات صندوق النقد الدولي لا تكفي لإصلاح الإقتصاد المصري

إن قبول الحكومة المصرية بشروط القرض الأخير الذي حصلت عليه من صندوق النقد الدولي والبالغ 12 مليار دولار سوف لن يفعل الشيء الكثير إلّا إذا أقدمت القاهرة على إصلاحات هيكلية كبيرة إضافة إلى الإصلاحات التي إشترطها الصندوق.

الرئيس عبد الفتاح السيسي
الرئيس عبد الفتاح السيسي

القاهرة – هدى أحمد

تفيد كل المعلومات بأن معالجة المشاكل الإقتصادية في مصر باتت أمراً ملحاً وضرورياً لإستقرار الحكومة والبلد ككل. لقد وعدت خطة الإنعاش الإقتصادي، التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي في العام 2015، بتحسين مستويات المعيشة والعدالة الإجتماعية في الدولة الأكبر من حيث عدد السكان في الشرق الأوسط. وبعد أكثر من عامين على وصول المشير إلى السلطة، لم تعرف مستويات المعيشة بعد الكثير من التحسّن.
إن إعتراف الحكومة المصرية وتسليمها بالحاجة إلى التصرف بشكل حاسم وعاجل لمعالجة إقتصادها المتداعي قد دفعها إلى طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي وقبول قرض مشروط منه يبلغ 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات. إن قرار الحكومة بالحصول على هذا القرض ينبع من حاجة القاهرة الماسة إلى تعزيز إحتياطاتها الحالية من العملات الأجنبية، والبنك المركزي إلى تلقّي ودائع نقدية لمساعدة البلاد على إدارة موازنة الدولة والدين الخارجي.
من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في مصر بنسبة 3.3 في المئة في العام 2016، على الرغم من نموه بنسبة 4.2 في المئة في العام 2015، وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي للإقتصاد العالمي في العام 2016. ومن المتوقع أيضاً أن يتوسع عجز الحساب الجاري في البلاد بنسبة 5.3 في المئة، مقارنةً مع 3.7 في المئة في العام 2015. وقد تفاقم إتساع العجز في الحساب الجاري بسبب تخفيض قيمة سعر صرف الجنيه المصري بنسبة 14 في المئة في وقت سابق من هذا العام. كما أن القاهرة تُعاني أيضاً من نقص في العملات الأجنبية فيما تتمدد أزمة النقد الأجنبي إلى عامها الثالث.
يجادل الكثيرون داخل البلد بأن شروط قرض صندوق النقد الدولي، والتي تشمل إدخال زيادة ضريبة المبيعات، والقضاء على دعم الدولة للوقود وإصلاحات إقتصادية أوسع نطاقاً ضد خلفية تعويم العملة المخطط له، سوف تأتي بتكلفة إجتماعية عالية. وعلى السلطات أن نكون حذرة من تأثير مثل هذه التدابير في مستويات المعيشة، التي من المحتمل أن تفاقم المشكلة التي يحاولون تعديلها وحلّها.
الواقع أن مصر تواجه حاجزين رئيسيين اللذين يَحُولان دون إرتفاع النمو الإقتصادي فيها إلى أعلى من الذي تحقق وهما: قطاع السياحة المُحاصَر ومستويات الإستثمارات الأجنبية المباشرة المنخفضة. كانت عائدات السياحة في العام 2015 فقط 5.9 مليارات دولار، مقارنة ب 7.3 مليار مليارات في العام 2014. ومن المتوقع أن تكون أرقام 2016 أقل من العام 2015، وبعيداً من الأرقام التي عرفتها مصر قبل إنتفاضة العام 2011 عندما حققت 12.5 مليار دولار في العام 2010. إن السياحة ستظل مشكلة طالما أن بلداناً مثل فرنسا، والمملكة المتحدة، وروسيا مستمرة في حظر الرحلات الجوية إلى سيناء – على الجانب المشرق، تجري حالياً مناقشة إستئناف هذه الرحلات مع كل من الدول الثلاث، علماً أن روسيا صارت قريبة من التوصل الى إتفاق مع المصريين. بالإضافة إلى ذلك، فقد ساهم توسع عدم الإستقرار في المنطقة في الحد من عدد السياح الأجانب الذين يزورون البلاد. ولمعالجة هذا النقص من خارج المنطقة، قالت وزارة السياحة أن التركيز في المدى القصير سيكون على زيادة السياح من المنطقة، حيث من المرجح أن يستمر السعوديون في إحتلال المرتبة الأولى على لائحة الزوار إلى مصر.
من ناحية أخرى، يطرح تدفق الإستثمارات الخارجية المباشرة قضية أكبر في المدى الطويل. عادة ينجذب الإستثمار الأجنبي إلى هوامش كبيرة وسجلات حافلة بالإنجازات، وكلاهما يشكّلان مصدر فخر لمصر. ولكن الأهم من ذلك، فإن المستثمرين الأجانب يبحثون عن بيئة سهلة غير معقدة لإجراء الأعمال التجارية – وهو شيء لا توفره مصر في الوقت الراهن. وقد وعدت الحكومة بتحديث التشريعات وتبسيط بيئة الأعمال، لكن مصر تحتل المرتبة 131 من أصل 181 بلداً من حيث سهولة ممارسة أنشطة الأعمال – هابطةً بذلك خمسة مراكز عن ترتيبها في المركز 126 في العام 2015.
وهناك إصلاح رئيسي آخر، الذي يتطلب تغييراً إيديولوجياً في القاهرة، يكمن في خصخصة الشركات الكبرى المملوكة للدولة. لقد إتخذت مصر نهجاً وسطياً بالنسبة إلى إقتصادها، وعلى الرغم من أنه كانت هناك إعلانات أخيرة بشأن إدراج بعض الشركات العامة، فإنه لا يزال من غير الواضح مدى إستعداد الحكومة والجيش للتخلي عن السيطرة على شركات غير فعالة إلى حد كبير والتي تهيمن على جزء كبير من الإقتصاد.
لقد أعلنت الحكومة بصوت عال عن خططها لخفض الدعم وإدخال الضريبة على القيمة المضافة وتعويم العملة، ولكنها كانت غامضة بشأن القضايا الرئيسية مثل الروتين البيروقراطي والخصخصة.
تستمر شراكة الأعمال العسكرية وشبه الحكومية في مصر في الحفاظ على قبضتها القوية على أجزاء كبيرة من الإقتصاد، وهي سياسة أثبتت أنها مُكلفة بالنسبة إلى الإقتصاد ككل. إن رغبة الحكومة والجيش في إبقاء سيطرتهما على الشركات الكبيرة المملوكة للدولة مُتجذّرة في التاريخ الإقتصادي الوسطي في مصر، وترجع الى إقتصاد عهد حسني مبارك، الذي خلّد هذه السياسة. وبالتالي، فإن الحكومة التي يهيمن عليها العسكر قد ترى الأفضلية في إجراء بعض الإصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي التي لا تؤدّي إلى تقلّص حصة العسكر في الإقتصاد، مثل خفض الدعم وفرض الضريبة على القيمة المضافة. ومع ذلك، إن السعي إلى تنفيذ هذه الإصلاحات من دون تمكين ظهور قطاع خاص نشيط قد يأتي بنتائج عكسية، لأن من شأنه أن يؤثر في الطبقات المتوسطة والفقيرة من دون نموٍ في مجال خلق فرص العمل اللازمة التي تتعزز عادة من طريق زيادة الإستثمارات الخارجية المباشرة ونشاط القطاع الخاص. وبالتالي يُمكن أن تُترَك مصر في وضع يمكنها فيه تطبيق إصلاحات حساسة إجتماعياً من دون موازنة ذلك مع فوائد إقتصادية كبيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى