هل تسيطر الصين قريباً على السينما الأميركية؟

واشنطن – محمد زين الدين

قد يندهش معظم العالم بمعرفة أن أكثر من 140 شخصاً من سكان “التبت” – بمن فيهم العديد من الرهبان والراهبات البوذيين – أشعلوا النار بأنفسهم على مدى السنوات الخمس الماضية إحتجاجاً على الإنتهاكات المتزايدة بحق شعبهم. في غالبية الحالات، مات هؤلاء المتظاهرون في محاولة منهم لزيادة الوعي العالمي وإلقاء الضوء على القمع الذي تمارسه بكين هناك، والذي دعاه الدالاي لاما ب”الإبادة الثقافية”.
في الشهر الفائت (آب /أغسطس)، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” قصة مهمة وموسّعة حول إنتهاكات الحكومة الصينية المتزايدة ضد شعب التبت، بمن فيهم إمرأة تبتية وُجدت مشنوقة – ربما على أيدي رجال الشرطة – والقمع الوحشي الذي تلقته عائلتها ومجتمعها عندما تحديا السلطات جرّاء عدم إجراء تحقيق حول أسباب وفاتها.
لقد وثّق هذا التحقيق الصحافي واحداً من أمثلة لا تعد ولا تحصى من قمع بكين المتزايد لشعبها – لا سيما الأقليات العرقية والدينية التي تُستهدَف لمطالبتها برفع المظالم المشروعة وإنتهاكات حقوق الإنسان. ومع ذلك، فإن الحكومة الصينية، بفضل جهودها القصوى للسيطرة على التقارير والكلام داخل الصين، قد تمكنت إلى حد كبير من منع تغطية هذه الحالات وغيرها محلياً.
من ناحية أخرى، هناك قلق متزايد من أن يؤدي نفوذ الحكومة الصينية على المؤسسات الإعلامية الغربية إلى رقابة مباشرة أو ضغط على إجراء رقابة ذاتية وحتى إعادة تحرير المحتوى بشكل يروق لبكين. وهذا القلق سينمو أكثر بسبب زيادة الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة. على مدى السنوات الخمس الماضية، نمت الإستثمارات الصينية في أميركا من ملياري دولار سنوياً إلى ما يقدر بنحو 20 مليار دولار هذا العام. وهذا النمو مهم جداً نظراً إلى أن الشركات الصينية تسيطر عليها بكين بشكل فعال – سواء من خلال ملكية الدولة أو التوجيه الصارم.
يجب ألّا تكون هناك مفاجأة بأن التركيز الرئيسي لإستثمارات الصين في الولايات المتحدة هو على شركات وسائط الإعلام، التي تنتج الترفيه والأخبار التي غالباً ما تشكّل فهم الأميركيين والغربيين للعالم. لقد إشترت الشركة الصينية، “داليان واندا”، إستوديو “ليجندري إنترتاينمنت” (Legendary Entertainment) في هوليوود ب3.5 مليارات دولار وتسعى الآن إلى الحصول على حصة 49 في المئة في شركة “بارامونت بيكتشرز” (Paramount Pictures)، فضلاً عن شراء أكبر سلسلتين أميركيتين لصالات العرض السينمائية: دور عرض “إي أم سي” (AMC) و”كارمايك” (Carmike). وتهدف “داليان واندا” إلى السيطرة على 20 في المئة من شباك التذاكر العالمي بحلول العام 2020 – وقد تصل إلى هذا الحد عاجلاً. وهذا لا يشمل الإستثمارات الصينية الأخرى في إستوديوهات السينما، والتي سوف تدفع الحصة الإجمالية الصينية للسيطرة على شباك التذاكر إلى أعلى من ذلك.
لماذا يجب علينا أن نشعر بالقلق؟ من خلال التحكم في تمويل وتوزيع الأفلام الأميركية، وإخضاعها للرقابة للوصول إلى السوق الصينية، فإن بكين تُملي على نحو فعّال شروطها على ما هو مقبول أو غير مقبول – الأمر الذي يوفر سيطرة صينية قوية على أعظم صادرات أميركا الثقافية.
ولقد شهدنا بالفعل أمثلة على إقدام إستوديوهات أميركية وغربية على إعادة تحرير محتوى الفيلم لإسترضاء الرقابة الصينية، مثل “مهمة مستحيلة .. الجزء الثالث” لتوم كروز؛ “سكايفول” لسلسلة جيمس بوند، “الحرب العالمية زي” وإعادة إنتاج “ولد الكاراتيه”، و”الفجر الأحمر”. وأشار تقرير صدر أخيراً عن اللجنة الأميركية –الصينية للمراجعة الاقتصادية والأمنية بأن “الصين تعتبر الفيلم عنصراً من عناصر الرقابة الإجتماعية: في خطاب ألقاه في العام 2014، أكد الرئيس شي [جين بينغ] على ما قاله ماو تسي تونغ أن “الفن [الصيني] يخدم السياسة. من خلال نظم صارمة تنظّم محتوى الفيلم، فإن مصالح حزب الشيوعي الصيني هي فوق كل المصالح الأخرى”.
الواقع أن الرقابة الذاتية في وسائل الإعلام في الغرب أصبحت بالفعل مصدر قلق خطيراً. وأشار محامي حقوق الإنسان الصيني تنغ بياو في تموز (يوليو) في مقال في “واشنطن بوست” بأن رابطة المحامين الأميركية قالت له بأن نشر كتابه عن حقوق الإنسان في الصين ألغي بسبب مخاوف من أنه قد يثير غضب بكين. في بريطانيا هناك مخاوف جديدة حول تعميق الروابط بين مؤسسات الإعلام الغربية والدعاية الحكومية الصينية. في وقت سابق من هذا العام، دخلت صحيفة “ديلي ميل” – التي يُعتبر موقعها أكبر المواقع باللغة الإنكليزية في العالم من حيث عدد الزيارات – في شراكة مع صحيفة الشعب اليومية، التي تصدرها الحكومة الصينية.
ماذا سيكون تأثير الشركات المملوكة للدولة الصينية التي تملك بشكل متزايد وسائل إعلام غربية؟ هل سيتم وضع أفلام مثل “سبع سنوات في التبت” على الرف خوفاً من إغضاب أصحاب الإستديوهات الكبرى؟ هل سيتم رفض المحتوى الذي يصوّر القوات الأميركية أو نشطاء حقوق الإنسان في ضوء إيجابي أو يتم إعادة تحريره لكسب ود الرقابة في بكين أو جذب الإستثمارات الصينية؟
هناك خطوات عدة يمكن للغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة، إتخاذها الآن لمعالجة هذه المخاوف الخطيرة من دون الحد من قدرته التنافسية للإستثمار العالمي.
أولاً، يجب على الكونغرس وإدارة أوباما النظر في توسيع نطاق ميثاق لجنة الإستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة لتغطية قطاعات “القوة الناعمة” الإستراتيجية، والسماح للجنة مراجعة كيف أن الملكية الأجنبية من الأنظمة الاستبدادية قد تحدّ من حرية الإبداع.
ثانياً، قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، الصادر في العام 1939 لمعالجة المخاوف من الدعاية السوفياتية والنازية، ينبغي تطويره وإستكماله للنظر في دور الرقابة والنفوذ الأجنبي في ملكية وسائل الإعلام الأميركية. وقد صدر تقرير عن المفتش العام لوزارة العدل الأميركية هذا الشهر دعا فيه الوزارة إلى تحديث إستراتيجية إنفاذ قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، مشيراً على وجه التحديد إلى عمليات وسائل الاعلام الاجنبية، من بين أمور أخرى، ككيانات ينبغي أن تشملها متطلبات الإفصاح وإعداد التقارير، وكذلك سلطة طلب التحقيق المدنية الإتحادية.
وأخيراً، الأحكام الأخيرة في مشاريع الدفاع وتفويض الإستخبارات السنوية أمام الكونغرس التي تدعو إلى خلق كيان في الحكومة للرصد والرد على الدعاية والتضليل الخارجيين وينبغي توسيعه ليشمل الملكية الأجنبية الإستبدادية لوسائل الإعلام الأميركية.
بإتباع هذه الخطوات يمكن للولايات المتحدة أن تبقى مكاناً حيث الناس لن يكونوا خائفين على تحدي حقوق الإنسان وإنتهاكات الحرية الدينية – في التبت وخارجها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى